دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

الصور في قصيدة 
" أرصفة الشموع "
عمار دويكات
الصور الشعرية تعد احد العناصر الجمالية في القصيدة، فهي من تفتح الآفاق أمام القارئ ليهيم في فضاء القصيدة، فرغم بسطة اللغة التي يستخدمها الشاعر إلا أن الصورة تبقى ساطعة في القصيدة، العنوان يشير أن هناك مأتم جماعي، لهذا هناك "أرصفة الشموع" فالأموات كثر، وتم قتلهم بدون ذنب، فهم ابرياء، كما أن هذا القتل الجماعي لا يقتصر على مكان بعينه، بل يطال العديد من الأمكنة، وهذا ما نجده في "أرصفة" فهي جمع وليس "رصيف" مفرد، بسبب تفشي هذا المرض الفتاك (القتل) يفتتح الشاعر قصيدته قائلا: . 
"هي لحظةُ الصمتِ
المعبئ بالرحيلْ .."
بهذا الفاتحة يكون هناك توافيق بين "الصمت" وبين رهبة الموت، وكأن الشاعر اختار "لحظة" القصيرة وليس وقت طويل ليترك لنفسه المجال ليكون في الأرصفة الأخرى التي يوجد فيها "موتى"، فهناك زحمة في الموتى وفي اماكنهم تواجدهم، مما يجعل الشاعر في ضيق من الوقت، لهذا يتحدث عن "لحظة" وليس عن وقت طويل.
وهذا ما أوضحه لنا عندما قال:
" لا وقت في الساعات
يُمهلنا لنحمل حُلمنا ،" فضيق الوقت معطلة يعاني منها الشاعر، لهذا نجده في حالة فقر للوقت الذي يأخذ الموتى بسرعة عجيبة، ولهذا أصبح وداع الموتى يأخذ حالة "الحلم" فوداعهم ـ لكثرتهم ولتعدد الأماكن ـ أصبح الحصول على "وقت لوداعهم بمثابة "حلم".
لكن هل اقتصر الأمر على الوقت فقط، أم أن هناك معضلة أخرى تواجه الشاعر؟:
"حتى المحطات الكسيحةِ
يَسرقها الدخيل ْ..!!"
إذن هناك ضيق في الأماكن أيضا، فتبدو "كسيحة" غير قادرة على اعطاء ذاتها للموتى لكثرتهم، ومع هذا "يسرقها الدخيل" فالنادر أصبح أندر، والشحيح أصبح أشح، والقليل أصبح أقل، هذا هو واقع المكان على الشاعر، فالمكان والزمان والأحداث كلها تتأمر عليه بحيث لا يجد الوقت أو المكان أو الفسحة ليكون ذاته.
المشاهد السابقة تعكس حالة الواقع وكيف يراه الشاعر، كيف يشاهده، فهي مشاهد حقيقية، وليست من خياله، لكن كيف سيكون أثر هؤلاء الموتى وهذا الضيق في المكان والزمان عليه؟:
"والضوءُ تنعاهُ النوافذُ
لا نهار لليلنا" 
الحديث هنا يدور عن أثر "الموتى" والأحداث والوقت والمكان على الشاعر، وليس عن حدث حقيقي، لهذا نجده يستخدم التخيل من خلال الحديث عن الضوء والليل والنوافذ، فهي صور متخيلة وليس فيها شيء من الواقع، بل أثر الواقع، ما يتركه من احساس بالضيق والحصار، لهذا نجده يفتقد الضوء والنهار، وجعل النوافذ تنعاهما، وكأنها تشارك الشاعر حالة العزاء، وهنا نجد الشاعر "يتخيل/يتصور" أن النوافذ" تُآزره في محنته وفيما يعانيه من ضيق حصار.
يعود الشاعر إلى الحدث الواقعي فيقول:
"ماذا تبقى يا ترى
من بعد أن سرقوا السبيل ؟! ."
السؤال هنا يشير إلى حالة واقعية، فالسؤال واضح وينسجم تماما مع الواقع، المعناة التي يمر بها الشاعر، ففقدان السبيل يعني التيه والضياع، فلم يعد هناك بوصة يمكن الاعتماد عليها، وهذا ما يجعل الشاعر في الحضيض على كافة الأصعدة.
يعود إلى الصورة الواقعية الحقيقية من خلال:
"وحجارة ُ البيتِ المهدمِ
فوق أرغفةِ الطفولةِ"
الصورة واقعية، فالبيت مهدم وأرغفة الخبز تحت الركام، لكن الشاعر يحاول أن يستميلنا إلى موقفه من حالة الخراب والموتى المتفشية من خلال استخدامه "الطفولة" وهذه الاستمالة تشير إلى حالة الضيق والضعف التي يمر بها الشاعر، فكما قلنا: "الشاعر في الحضيض، على كافة الأصعدة" فلم يعد قادر على الاستمرار في الواجهة.
فهل يعلن الشاعر استسلامه وهزيمته؟، أم أن عليه أن يختار شكل جديد ليكون حاضرا، حتى لو كان هذا الحضور، هذا الفعل يشكل النبض الأخير له؟:
"تستفيقُ من الغبارِ
لترفع الأحزانَ
فوق أعمدة الدخان
وتختفي في المستحيل ْ.." 
نجد هذا النبض الأخير للشاعر في "تستفيق، لترفع، تختفي،" فهنا تخيل الأمل، وليس وجود الأمل بشكل حقيقي/واقعي، لكن الشاعر لا يريد أن يعلن استسلامه، هزيمته، لهذا اختار هذه الافعال المضارعة، ليعطي لنفسه قبل القارئ حالة من الاتزان ـ إن بقى هناك اتزان ـ في هكذا أوضاع.
يأخذنا الشاعر إلى عالم التخيل، العالم الذي به يستطيع أن يأخذ منه طاقة تساعده على الاستمرار في مواجهة الواقع، في كتابة القصيدة، لهذا نجده يستخدم أهم عنصر عنده "المرأة" التي يمكنها أن تُحدث الفرق وتقلب المعادلة رأسا على عقب، بحيث يبدو لنا الحال غير ما هو عليه، غير ما يمر به الشاعر، وغير ما وصفه لنا:
"وجميلةُ العينين
مِرودُها التراب ُ
وتجمع الحناء َ
تكتبُ في جدائلها
الوصيةَ للطيور ."
ف آخر "قصيدة" 
من خلال هذا المقطع يمكننا القول أن الشاعر يهيم في عالم من التخيل بحيث ـ خرج كليا ـ من الواقع ـ ولم يعد له أي أثر عليه، لهذا نجده يستخدم "جميلة العينين، تجمع الحناء، تكتب جدائلها، للطيور" فالألفاظ بمجملها جاءت بيضاء تماما، كما أن المعنى الذي تعطيه يحمل المضمون الأبيض، وهذا ما يجعلنا نقول أن الشاعر استطاع أن يتحرر كليا من واقعه، ويهيم في عالم "المرأة"، بعيد ان قتامة الواقع، فأخذ يحدثنا ليس عنها فحسب، بل عن الطيور وعن الكاتبة، وإذا ما توقفنا عند "المرأة والكتابة والطبيعة، يكون الشاعر قد استخدم ثلاثة عناصر من عناصر التهدئة، ويبقى عنصر "الثورة/التمرد" هو المفقود، غير المستخدم.
" لا بابَ نعبُرهُ إليها
كي نعيدَ وجوهَنا
ويعود في أعمارنا
الزمن الجميلْ ...!!"
لا أدري لماذا جاءت هذه الفقرة ما الداعي لها!، فهي تحدث خللا في بنية القصيدة، وتخرب ترتيب الجمال الذي كان، وهذا ما سنكتشفه في المقطع التالي:
"وشوارعُ النبض السليب
تقول في وجعٍ
لأرصفة الشموعِ :
سنعود يوماً
لو خيالا
فوق أجنحة الصهيل ْ.."
نجد حالة التمرد في الفاظ: "الشارع، النبض، توق، سنعود، الشموع، اجنحة، الصهيل" وهذا يشير إلى حالة التمرد/الثورة التي تعتبر العنصر الرابع لحالة الخروج عن الواقع وتجاوزه، وإذا ما أخذنا أن هذا (التخيل) بمجمله جاء بعد أن وصل الشاعر إلى الحضيض، يمكننا التأكيد على أن هناك اجتماع كافة عناصر التخفيف في القصيدة، المرأة، الطبيعة، الكتابة، الثورة، وهذا ما يجعلنا نقول أن السواد والقتامة التي جاءت في القصيدة لا يكفيها عصر واحد أو عنصرين للتخفيف من وقع الأحداث على الشاعر، فكان لا بد من استخدام كافة العناصر لتكون بمستوى الحدث "الموتى".
يختم القصيدة بهذا المقطع:
"فلترقُبينا ..
وارقبينا ..
حتى وإن نفذ الفتيل .."
الجميل في الخاتمة أنها جاءت تخاطب المرأة، المرأة التي كانت سبب احداث كل هذا البياض في القصيدة، وكأن الشاعر يستمد منها القوة ليواصل تقدمه إليها، إلى هدفه، ونجد اصراره على مواصلة الدرب/السبيل الذي فقده سابقا، فهو سيستمر، مستمدا قوته منها، إذن هو قويا وليس ضعيفا كما جاء في الفاتحة، لهذا نجده يؤكد على إبقاء مراقبة الحبية، منتظرة قدومه. 
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 150 مشاهدة
نشرت فى 26 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

577,153