جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
أمي ما بعد الموت
——————
يا بساتين التين والزيتون
يا البرد المكسور بالورود
يا عطر الدنيا وفنارة الوعود
ستة وثلاثون عاماً أبحث عن ثغركِ الذي رواني بالقبلات
أبحث عن بقايا لمساتك كانت تقطن ثيابي قبل أن تغطي أكتافي
أبحث عن التمر والقثاء وقطعة خبزة سمراء تتوسطها حلاوة شعرية تلفها أناملك في فرصة الدرس الثالث قرب سياج مدرستي الإبتدائية ،
لم يصعب عليّ تناول الزنبيل الذي علقتيه على جدران المطبخ خوفاً من أكل حصة أبونا قبل عودته من معسكره ، فقرات قليلة لكنها أحلى من قوارير العسل البني والأشقر ، وسادة تحمل هدهدة الليل كأن الأشباح واللصوص تهرب عندما تشعر بأنفاسكِ يا أمي ..
ألوذ بعباءتك عند أوجاع الضروس ، أتوسد ليالي ذراعك عندما يأذيني المرض ، أنتِ العلاج المضمون وأنتِ أحكم حكيم في حياتي .أنتِ كنتِ البنك الوحيد الذي يقرضني بلا كفيل ولا عقار مرهون ، يا غنية بمشاريع الوحدة وكأني ألف ولد في حارتي وفي هذا البلد.
يا مظلةً كلّما تخافُ من مخالب الغيوم تستظل بك الشموس .
آه كم قارنت النسوان وجدت نفسي أحب نساء العالمين لأنهن من جنسكِ
كم أحببت العنبر لأنه تعطر من صدركِ النابض بالعفة والصبر الجميل.
يا كريمة الوجود كم كنتُ فخوراً عندما يزورني صديق تنوعت أمامنا الحلاوة والفواكه ومنقلة الدفء الحنين ،كانت منكِ مقدمة وتعلمت من حضنك الاندماج والانفراد والربح والخسارة أقبل حتى الطغيان من الطغاة ، ممزوجة في تركيبة حياتي ومماتي .
لا أعتب على السنين ولا على الموت المحتوم ولا على مقبرة النجف ولا على الأرواح التي أختلطت بلون السماء، أبداً لا أعتب على أحدٍ ، أنا الملام وأنا القاصر المقصر أتخذت من أيام عمري السائرة ببطئ وكأنها على ظهر سلحفاة ، أمي يا أمي .. هنا أنا أتلذذ لوحدي وأنطق بكلمة أمي وأنتِ في المطبخ تسمعين صوت جوعي وقرقرة حاجتي .. أمي وددت أن أتهجى حروف أسمك دون ربعي وصحبي لأننا تعودنا أن لا نعرف أسماء أمهات بعضنا كي لا يمضي السحر ربما أسمكِ ينفعني يوم ينادي المنادي ، ليقول هذه أمك هي جائزتك ، ما أحلى جائزة وربي ، فزت ورب الكعبة لأنكِ أمي ..
كم أغبط القبور وكم أغبط السماء وكم أحب شهر تشرين لأنها ولادة ذكراكِ الدائمة..
————
عبدالزهرة خالد
البصرة / ١٣-١١ ذكرى رحيل أمي............إلى الخلود.............
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية