جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الدقائق الأخيرة من حياة صاحب قلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• في الاستقبال :
ما اسمك ؟
- جمال الصحافة ...
كم عمرك ؟
- ستون عاما ...
لهجتك تقول لي شيئا ما ... ألسْت ... ألسْت ... ؟
- أنا إعلامي، والخاص والعام يعرفني ...
إيه، عليك نور ... وماذا تريد ؟
- عندي موعد في القنصلية ... من أجل وثائق ال ...
طيّب طيّب، تذكّرتْ ... فريقنا المختصّ في انتظارك ... تجد كل شيء في آخر مكاتب الرواق.
..........
• في الاستنطاق :
وصلت ؟
- في الموعد المحدد ...
جواز السفر ؟
- ها هو ...
متى غادرت تراب الوطن ؟
- منذ مدة ...
طال غيابك ... أما فكّرت في العودة ؟
- ظروفي لم تسمح بذلك ...
الآن أصبحت تسمح ... ألا تعلم أن بلادك وأهلك وأحبتك في انتظارك ؟
- ما من أجل هذا جئت إلى القنصلية ...
لا علينا ... أنت إعلامي مشهور، لِمَ لا تحترم الوطن وتحترم نفسك ؟
- من منظور ديني ومهنتي وعمري أنا محترم جدا ... من فضلك احترمني في خطابك ...
إيه ، يعني نحن لا نحترم الناس ! ... المهم؛ هل تسافر إلى الوطن برغبتك أم لا ؟
- ما قلت ذلك ... وما جئت بموعد إلى القنصلية من أجل السفر ...
يا حراس ... خذوه إلى الفريق المختص في المكتب الداخلي الخاص.
..........
• في المكتب الخاص :
بدون سلام ... نكرر؛ هل تسافر فورا برغبتك إلى الوطن أم لا ؟
- مَن أنتم ؟... ما هذه الأدوات المرعبة ؟؟ ...ماذا تريدون مني ؟؟؟
أنا سأمتحن شجاعتك يا من تعلمتَ الطعن في سادة البلاد والعباد؛ هيّا خُذْ خذ خذ خذ خذ خذ خذذذذذذذْ ...
وأنا سأطبق فيك ما تمرنتُ عليه في مراكز الاستنطاق ؛ هيّا خذْ خذ خذ خذ خذ خذ خذ خذذذذذذذْ ...
وأنا سأجعلك تتذوق بعض الأوراق التي كتبتها وهي مُتَوْبلة بدم إنفك وفمك؛ هيّا ابلعْ ابلع ابلع ابلع ابلع ابلع ابلعععععععْ ...
وأنا سأخفف ظمأك الخريفي بقليل من بنزيننا الممتاز؛ هيّا اشربْ اشرب اشرب اشرب اشرب اشرب اشربببببببْ ...
وأنا سأساعدك على الاستفاقة من غيبوبتك بالتيار الكهربائي المنعش؛ هيّا استفقْ استفق استفق استفق استفق استفق استفقققققققْ ...
وأنا سَـ ... وأنا سَـ ... وأنا سَـ ... وأنا سَـ ... وأنا سَـ ... وأنا سَـ ... وأنا سَـ ...
وأنا أقول لكم : شكرا أيها الأسود، لقد أنجزتم المرحلة التمهيدية، توقفوا ... اتركوا الكلب يسترجع أنفاسه لنستمتع بعض الوقت بمحاورته وهو يئِنّ، وبعد ذلك نواصل مسار الأوامر.
..........
• حين المحاورة :
لِمَ نسيْتَ أو تناسيْتَ سبيل الرشاد ؟
- لاإله إلا الله محمد رسول الله.
المؤمن في مذهبنا الذي لا مذهب سواه لا يعصي سيده ... وأنت يا خارجي تزرع العصيان والفوضى بمعارضتك لولي الأمر! ... أأنت منا أم كافر ؟
- حسبي الله ونعم الوكيل.
دعْك من تديّنك المزيّف ... لِمَ أنت معارض لرموزنا المقدّسة ؟
- لا قداسة في ديننا إلا لله ولا عصمة إلا لرسله ...
أنت لا دين لك ... لم أنت تعارض دولتنا ؟
- ديني علمني معارضة السياسات الفاسدة كما علمني محبة الوطن في كل ظروفه ...
ما طلبنا منك درسا خارجيا ... لِمَ أنت معارض حقود حسود جحود ؟
- ما أنا بهذه المواصفات وإنما نصحْت فقط من أجل خير الحاكم والمحكومين وخير وطننا الذي لا بديل لنا عنه...
مَن طلب منك النصيحة يا جاهلُ ؟
- ضميري الوطني أملى عليّ النصيحة، أما الجهل فمحوته بدراستي ومهنتي وتجربة عشرات السنين ...
ستعلن عن توبتك في الإعلام العالمي من هذا المكتب وتعود معنا برغبتك إلى الديار وإلا سندوسك ونمحوك يا أيها الخارجي المارق من الوجود ... ما تختار ؟
- الظلم طريقه قصير وإن طال، والجرائم لا يمكنها أن تختفي إلى الأبد ...
أضحكتني يا كلب الخوارج والكفرة ... ثقْ أنّ لا أحد سيذكرك من هذه اللحظة، وإن تساءل أحدهم سنجيبه بحمولة إحدى بواخرنا البترولية الضخمة... وأكثر من ذلك نحن تحت حماية أعتى قوة في الكون.
- اليوم أو غدا؛ إنا لله وإنا إليه راجعون، ولعل الله يكتب لي الشهادة ... ثقْ ثم ثق ثم ثق أنه سيأتي يوم لا يبقى فيه أمثالك ولا أمثال الذين تلقيت منهم أوامر تصفيتي ولا من يحمون جرائمك ... البترول سينتهي والجهل سينتهي والظلم سينتهي والمستقبل للحق وحده والحساب بعد حين ...
..........
غلق الستار :
أيها المرافق الفني : أطلق معزوفاتك الموسيقية للزيادة في تلطيف هذا الجوّ اللطيف.
أيها الطبيب الشرعي : شغّل المنشار الجنائزي واجعل حركاته متناسقة مع أنغام الموسيقى المذهلة.
وأنتم أيها الأبطال : لا تتركوا أثرا من هذا الخارجي المدنِّس للوطن ورموزه ... وحين الانتهاء من هذا الإنجاز التعبّدي الوطني النضالي العظيم؛ صفقوا مبتهجين بطاعة وليّ الأمر ...
..........................................................................
.........................................................................
وانتهت الدقائق الأخيرة بتصفيق بارد يتوجّس خيفة من أسئلة الغد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : الأستاذ الدكتور بومدين جلالي - الجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية