دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

authentication required

المسرح الحسيني
( التشابيه )
——————
أثار حفيظة قلمي محاضرة الدكتور جبار خماط الاستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة - بغداد عن العيادة المسرحية والمسرح الحسيني في رابطة مصطفى جمال الدين مساء الجمعة الماضية أن أكتب عن هذا النوع من المسرح والذي هو امتداد للمسرح الكنائسي المقام في القرون الماضية لدى الأغريق والرومان ، لتثبيت الحوادث وتخليدها التي حدثت للأنبياء والأتقياء والصالحين.
مذ ولادتنا لغاية وقتنا هذا نشاهد أيام عاشوراء مهرجانات فيها تجمع جماهيري لتجسيد واقعة الطف عن استشهاد الأمام الحسين عليه السلام.
فكثيراً ما نرى في المناطق الجنوبية في العراق خلال عاشوراء هناك مهرجانات فعلية بحضور جماهيري واسع وبصورة عفوية وطوعية لتمثيل واقعة الطف ممثلوها من الطبقة الفقيرة والكادحة ، وهناك تفاعل عفوي بين الجمهور والممثلين سمعنا كثيراً من الحوادث منها ضرب ( شمر ) قاتل الحسين من قبل الرجال والنساء بشتى أنواع الوسائل والمواد ويبقى احترام شخصية الحسين على مدار السنة .
وأتذكر والديّ في السبعينات يذهبون الى القرية لحضور مجالس العزاء و( التشابيه ) التي تقام هناك تبركاً في أقامة هذه الشعيرة.
يبدو أن تأريخ المسرح الحُسيني بدأ منذ القرن الرابع الهجري في زمن البويهيين وعلى مرّ العصور كان هناك هبوطاً وصعوداً في طبيعة التمثيل والحضور للواقعة طبقاً لسياسة السلطة الحاكمة طالما تعارض عرض مثل هذا التمثيل حيث يهدد وجود السلطة الطاغية .
أعتقد الخوض في الكتابة عن هذا النوع من المسرح صعب جداً لمحدودية أنتشاره من الناحية الجغرافية وتوقيتات التمثيل. لكن علينا في البداية أن نؤكد على أن النص والسيناريو معروف من قبل الجمهور والممثلين مسبقاً ويتم أختيار العناصر قبل مدة معقولة لتحضير تمثيل الواقع رغم إختلاف الآراء والأفكار وحتى الفتاوى تتدخل في شؤون عرضها في تفاصيل نبعد المقالة عنها إختصاراً.لكي نكون أنصفنا الموضوع والقضية علينا تفصيل المسرح الحسيني بفقرات تزيد من واقعيته ومدى تأثيره على الساحة الإجتماعية والعقائدية :-
مكان وموقع المسرح
————————
يحتاج المسرح إلى هواء طلق ، تراب ومساحة واسعة للممثلين وخط وهمي لوقوف الجمهور يفصّلهم عن الحدث ، بعيد عن ضجيج المدينة ووسائل نقل للحضور إلى مكان التشابيه كما يطلق عليه عامة الناس هذه التسمية .
أدوات المسرح
—————
ممثلون على الفطرة وأحيانا من الطبقة الكادحة والفقيرة ، خيام قابلة للحرق ، ظمأ وماء مسكوب أو جاري مخنوق ، ملابس خضر وسود وحمر ، دروع جلدية ، خيول وصهيل ، تراب وغبار ، أصوات وطبول ودفوف ، 
غالباً الحوار عبر أجهزة التسجيل ، القصة معروف فحواها وخاتمتها ، وتأريخ يستحق تثبيت واقعية أحداثه تجسده تمثيلية قصيرة في فصل واحد ولا يحتاج الى ستائر ومنصة وتصفيق من الجمهور بل دموع زكية أثناء سريان الأحداث . 
وقت المسرح
—————
عاشوراء اليوم العاشر من محرم ، قبل صلاة الظهر ، وقت الحضور مبكراً من قبل الجميع أغلب الأحيان .قد تكون ( ركضة طويريج ) بعد صلاة الظهر ماهي إلا جزء من مسرحية نصرة الحسين يؤديها جمهور غفير قد يتجاوز عددهم المليون إنسان وهم يركضون مهرولين بحركة مباشرة إلى مقام الأمام الحسين بعد تحضير الشوارع بأرضية تناسب المناسبة والهدف من الركضة . 
شخصيات المسرح
——————
لا يحتاج الممثل إلى عملية مكياج وتجميل بل يتم تحضير ملامح الوجه للممثل قبل أشهر لتبرز اللحية والشوارب على حقيقتها وليس هناك وجود ملامح مصطنعة ومزيفة ، يتم أختيار شخصيات الجانب الأول من ذوي سمعة حسنة ومرموقة لدى المجتمع أما الطرف المعادي تكون عادة من شخصيات عادية وقد تعلمت الكرّ والفرّ في صولات المعركة الميدانية حاملاً معه درعه وسيفه بالإضافة الى الزِّي الذي يفرز الفرقين للمتفرجين وغالباً ما يشارك الأخير في التمثيل.
التأثير والرأي 
————
جميع الحضور لديهم قناعة واضحة في قصة الواقعة والكل يعرف مصير الممثلين واستشهاد البطل بعد سحب الجيش الأموي من ساحة المعركة وقد يتأثر الجميع بالبكاء والعويل عند سقوط ابطال الواقعة رغم انتصار الجيش المعادي ميدانياً لكن يبدأ قيادة انتصار الحسين من أخته السيدة زينب عندما ترافق السبايا من الأطفال والنسوة .
قد يعالج الحوار الواقعية في الحدث والحديث بعد انتهاء المسرحية يكون عادة عن اليوم العاشر من محرم فيه استشهاد الحسين وأصحابه وما جرى من تعدي الجيش على الخيام وسلب ونهب ما موجود في ساحة المعركة .
قد يبدو تأثير المسرحية ظاهراً على وجوه الحضور مشاعر الحزن لهذا التوقيت وكأن الواقعة حدثت بنفس اليوم والوقت أثناء التواجد في ساحة التشابيه . لذا قد يحتاج المرء إلى ساعة نقاء ليغذي به روحه الطافية على كثير من أمواج التعب والكآبة ، فتجده سرعان ما ينفث سموم وهموم الدنيا في تلك الساحة قبل عودته إلى منزله وهنا تنبثق الساعة الروحانية التي تحتاجها القلوب عادة في فصول ومواسم مختلفة.
قد تؤثر سلوكية الشخصية على الممثل فمثلاً شخصية الحسين عليه السلام تجد الممثل شخصاً خلوقاً متزناً وملتزماً طيلة أيام السنة وينطبق ذلك على جميع الممثلين نتيجة معرفة الحضور إليهم مباشرة .
في محرم هذا العام شاهدت أنا وأحفادي فعالية في الشارع القريب من مسكني فهناك مؤثرات صوتية وحوادث قريبة من التمثيل السينمائي ويعتمد تسلسل الأحداث على تسجيل المقتل بصورة متقنة منسجمة مع التمثيل وبحضور العوائل الجالسين على الرصيف لمتابعة الفعالية وأعتقد أنها ناجحة إلى درجة كبيرة .
هناك محاولات عديدة لبعض الأساتذة والمخرجين لتفعيل هذا المسرح على الواقع في أماكن متعددة تخطياً للطائفية بما إن الحسين يمثل الإنسانية جمعاء ولا يخص طبقة معينة من البشر طالما استشهد في سبيل الكرامة والحريّة وضد الجور والظلم . 
———————
عبدالزهرة خالد
البصرة /١٤-١٠-٢٠١٨
الأضواء

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 239 مشاهدة
نشرت فى 15 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,371