دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

" تموت الأسود واقفة " ؟؟ّ!!
قصة قصيرة 
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
====================
( آخر ما جادت به قريحة الكاتب ؛ ولم يسبق نشر النص من قبل ) .
أحداث وشخوص النص حقيقية حدثت على أرض الواقع .. وليس من فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب ... وإذا تصادف تطابق الشخوص والأحداث على شخص ما ؛ فليس هذا سوى من قبيل المصادفة البحتة فحسب .. والكاتب بالضرورة لا يعني بأنه يقصده .. بل يعني شخصًا معيناً بذاته .
إهداء خاص :
إلى الرجل الرجل ... الرجل العملاق .. بطل النص الحقيقي .
وإلى كل الرجال العمالقة الذين تنطبق عليهم أوصاف بطل النص .
وإلى كل الأسود التي تموت واقفة . 
تقديم :
عندما فكرت باختيار عنوان مناسب لنصي هذا ؛ وجدتني أمام اختبار عويص في اختيار العنوان المناسب ..
وكانت العناوين التي فكرت بها هي :
• " نهاية عملاق " .
• " تموت الأسود واقفة " .
• " آخر الرجال المحترمين " .
• " عندما تشيخ الأسود " .
فاخترت منها بدوري :
" تموت الأسود واقفة " .
وللقارئ ( المتلقي ) حرية اختيار العنوان الذي يراه مناسبًا من وجهة نظره .
( الكاتب )
------------------------
" تموت الأسود واقفة " ؟؟ّ!!
... حاول الرجل أن ينهض عن السرير .. أعاد المحاولة المرة تلو المرة دون جدوى .. فلقد أنهكه المرض وهدته سنوات العمر .. وغزت جسده الأمراض تباعًا واستوطنته الهموم والنوائب .
راح يصرخ وينادي بكل ما تبقى به من بقايا قوة واهية .. وما بقي له من أنفاس لاهثة .. وحروف ينطقها بصعوبة بالغة وهو يحاول طلب العون والنجدة والمساعدة .. وقد عز عليه أن أحدًا لم يبادر لمد يد العون والمساعدة له ؛ مع علمه الأكيد ويقينه بأن لا أحد في المكان سواه ؟؟!! .
.. انهمرت الدموع من عينيه مدرارًا كالمطر المنهمر .. تحشرج صوته بأنين الألم ورهبة المكابدة والمعاناة والوحشة وسيل الدموع .
راح من جديد يعيد الكرة بالمحاولة تلو الأخرى .. محاولة النهوض عن السرير .. وهو ما زال يتمتم بما تبقى له من أنفاس وزفرات متقطعة :
" .. ليتني أستطيع النهوض عن هذا السرير اللعين ... لقد سئمت المرض .. سئمت الدواء والعلاج ... سئمت النوم ... سئمت السرير ... سئمت الحياة " ..
" .. فقط ليت بي من القوة ما يساعدني على النهوض عن هذا السرير اللعين ... ليتني أستطيع ذلك .. " .
" لم يبق شبرًا واحدًا على الأرض إلا وغزوته ... ولم يبق قطرًا واحدًا في المعمورة إلا وزرته ... وها أنا أموت على الفراش كما يموت البعير ... ألا نامت أعين الجبناء .. ألا نامت أعين الجبناء .. " .
... صرخ الرجل بأنفاس متقطعة بما تبقى له من بقايا أنفاس متلاحقة متقطعة ...
" لا .. لن أموت كما يموت البعير .. لن أموت على هذا الفراش اللعين .. لا .. لن أموت سوى كما تموت الأسود ... فالأسود دومًا تموت واقفة ... " .
استجمع بقايا بقايا قواه ... بقايا بقايا أنفاسه .. بقايا بقايا عزيمته .. استطاع بالكاد النهوض عن السرير .. وقف إلى جانبه مترنحًا متمايلاً لحظات يسيرة .. تمايل من جديد .. تطوح .. صرخ هادرًا بصوت مدوٍ مجلجل :
" الأسود دومًا تموت واقفة " .. " الأسود دومًا تموت واقفة " ..
ولم يلبث أن سقط على الأرض .. دارت عينيه في محجريها .. راح يتمتم .. يهمس .. يتلاشى صوته تدريجيا .. بينما كان يغمض عينيه بهدوء وسكينة .. بينما كان شريط الذكريات يمر في مخيلته كشريط سينمائي ... 
.. منذ مراحل الدراسة الأولى .. ومنذ مراحل الطفولة المبكرة ؛ كانت أمنيته أن يلتحق بالجامعة ... ثمة حلم وأمل كان يراوده ليل نهار بأنه سوف يصبح مهندسًا عظيمًا يشار إليه بالبنان ..
كان يعشق الأرض .. التراب .. الطبيعة .. كان يتمنى أن يصبح ذائع الصيت في يومٍ ما بعد أن يتبوأ المكانة العالية الرفيعة ليس على المستوى المحلي ؛ ولا على المستوى العربي فحسب .. بل وعلى المستوى العالمي .
كان يجد ويجتهد في دراسته ... ويبذل قصارى جهده في المذاكرة والدراسة والتحصيل ... يصل الليل بالنهار وهو على يقين وعلى ثقة بأن الدأب والمثابرة والسهر هي الطرق الأمثل للوصول إلى الهدف والأرب وتحقيق الأماني . 
في مراحل الدراسة المتدرجة ؛ لم يكن من الطلاب المتفوقين ؛ ذلك ببساطة لأنه كان على رأس المتفوقين في شتى المراحل الدراسية وحتى الدراسة الجامعية .. وقد شهد له الجميع بالذكاء الخارق والتفوق الباهر حتى التخرج من الجامعة .
.. مؤهله العلمي الجامعي وتفوقه المميز .. أهلاه للتعاقد مع شركة أجنبية للتنقيب عن البترول في إحدى دول البترول الخليجية ؛ وسرعان ما كان يتمم إجراءات السفر للانتقال للعمل هناك كمهندس جيولوجي متخصص في علم الجيولوجيا .. في مجال التنقيب عن البترول .
.. منذ انطلاق صافرة البداية ؛ كان الشاب الطموح يبدى نشاطًا مميزًا منقطع النظير .. مما لفت إليه نظر المسؤولين في الشركة من عرب وأجانب ... فتوطدت علاقته وبشكل جيد مع الجميع .
تناهت أنباء تفوق الشاب ومثاليته وتفانيه في العمل إلى أمير الدولة .. والذي استدعاه بدوره إلى قصره المنيف .. فأكرم وفادته وأجزل ضيافته ... فأصدر أوامره إلى ذوي الاختصاص في الشركة بالاهتمام بالشاب وتكريمه وتعيينه مديرًا عامًا ومسئولًا على جميع المهندسين العاملين في الشركة .. وهو الذي لم يمض على مزاولته العمل سوى عدة أشهر فحسب .
.. فيما بعد ؛ أصبح الشاب المهندس مقربًا جدًا من الأمير .. وأصبح يقضي جل وقت فراغه بصحبته وفي ضيافته في قصره المنيف ... وأصبح صديق الأمير الأثير ؛ خاصة لما أبداه من نشاط وتفانٍ وإخلاص في العمل .. ولما يتمتع به من سمو الأخلاق ودماثة الطبع والأمانة والصدق وحسن الخلق وصفاء السريرة وطهارة القلب ونقاء النفس ونظافة اليد .
.. الشركة التي كان يعمل بها .. كانت تعود لشركة أجنبية كبيرة شهيرة .. أحس الشاب الطموح بأن هناك ثمة شراكة خفية مع الأمير .. وكانت شركة ناجحة بكل المقاييس وتدر في نهاية كل عام أرباحًا خيالية يعود على الأمير نصيب الأسد منها .. وعلى الشاب بعضًا لا يستهان به منها.. كبدلات وإكراميات ومكافآت وحوافز .. عدا عن ذلك الراتب الشهري المجزي والمصاريف النثرية العديدة الأخرى .
كان قد مضى على عمله في الشركة ما يقارب الأعوام الثلاثة .. عندما كانت الشركة تقوم بأعمال " حفر بئر بترول " جديد .. لم تشأ الشركة أن توكل للشاب مهمة قيادة وترأس فريق المهندسين .. فقد أوكلت المهمة لمهندس أجنبي ذو كفاءة وخبرة عريضة في ذلك المجال .. علاوة على أنه كان يحمل نفس جنسية الشركة الأجنبية العاملة..
.. استغرق العمل في مشروع " حفر البئر " أشهراً طويلة .. وعلى أعماق بعيدة جدًا في جوف الأرض ؛ والتي كان من المتوقع العثور على البترول فيها .. ولكن كل تلك الجهود المضنية للعثور على النفط قد باءت جميعها بالفشل .
.. في النهاية .. أصاب اليأس والقنوط والإحباط " كبير المهندسين الأجنبي " .. وكل المسئولين في الشركة .. من العثور على البترول رغم وصولهم إلى أعماق سحيقة لم تصل إليها آبار البترول في العالم كله من قبل .. فقرر الاستسلام للأمر الواقع والاعتراف بالفشل الذريع في مهمته .. وكان لهذا بالطبع أبلغ الأثر في أنفس المسؤولين في الشركة والأمير على حد سواء ؛ لأن هذا سوف يعود عليهم جميعًا بالخسارة الجسيمة ..
وفي النهاية ؛ كان القرار من الجميع بإغلاق فوهة البئر ورفع الراية البيضاء علامة الاستسلام والهزيمة والتخلي النهائي عن المهمة .
المهندس الشاب ... وفي الزيارة التالية لأمير الدولة ؛ كان يقوم بعرضه المثير ومفاجأته العظيمة ؟؟!! .. فقد طلب من أمير الدولة أن يسمح له بتولي القيام بمهمة إتمام المشروع بحفر البئر الذي فشل فيه " المهندس الأجنبي " الشهير وفريقه المتخصص وعلى حسابه الخاص ؟؟ ..
بهت الأمير لطلب الشاب ... وكاد أن يعتبره عرضًا متهورًا من شاب متهور لا زال في ميعة الشباب وتهوره ... فحاول أن يثنيه عن عزمه بشتى وسائل وطرق الإقناع .. كي لا يتعرض لخسارة جسيمة أخرى .. وحتى لا يتعرض الشاب الطموح أيضًا لخسائر جسيمة لا قبل له بها .. ولكنه وجد من الشاب تصميمًا غير عادي وتصلبًا وعنادًا غريبًا .. وثقة في النفس بلا حدود .. فوافق على مطلبه وهو يرثى لحاله ... وكأن لسان حالة يردد في سره " مكرها أخاك لا بطل " ؟؟!! .
الشاب ؛ في قرارة نفسه كان متأكدا .. - من خلال خبرته الدراسية وخبرته العملية - بأن البترول موجود فعلًا .. ولكنه كان يختفي في طبقة سفلية سحيقة من باطن الأرض لم يصل إليها الحفر في المشروع ...
كانت لديه ثقة عظيمة في معلوماته الدراسية وخبرته العملية وثقته بنفسه ... وكان لديه الحافز القوي بأنه سوف ينجح في تحقيق الفكرة التي تراوده بالعثور على البترول في باطن الأرض وعلى المسافة التي كان يقدرها بنفسه .
قام الشاب بتجميع ما لديه من أموال .. وقام بالاستدانة من البنوك لما يكفيه لتغطية من مصاريف ونفقات لاستئناف العمل في إكمال مشروع حفر البئر .. وراح يتم المهمة بهمة ونشاط مع مجموعة مختارة من المهندسين وعمال الحفر الذين كان يثق بهم والذين اختارهم بعناية فائقة ...
.. استمر العمل لوقت طويل .. عدة أيام .. أسابع .. شهور .. ولم يصب الشاب باليأس والإحباط ؛ فلقد كان على يقين وثقة بالله أولاً وأخيرًا .. ومن ثم بنفسه وبمعلوماته وخبرته بأنه سوف يصل إلى مكان تجمع البترول في النهاية ..
كان الأمير - على غير عادته - يقوم بزيارات متقطعة لمكان العمل .. لكي يطمئن على سير العمل من ناحية .. ولكي يطمئن على الشاب الطموح ( المتهور ) حسب وجهة نظره .. من الناحية الأخرى ؟؟!! لأن الأمير كان على يقين بأن الشاب سوف يفشل في تكملة المهمة التي فشلت بها الشركة ذات الخبرة العريضة ؛ وكبار مهندسيها الأجانب ذائعي الصيت من قبل .. ولا يسع الأمير في نهاية كل زيارة قصيرة خاطفة سوى أن يهز رأسه بشكل خفيف .. وأن يتمتم بحروف وكلمات مبهمة وكأنه يرثى لحال الشاب .؟؟!! ولما ستؤول إليه الأمور من فشل ذريع .
لم يصب اليأس قلب الشاب .. ولم يجد الإحباط مكانًا في نفسه وقلبه ... بل كان الشاب ينتصر على الموقف بابتسامته الرائعة الجميلة العذبة ... رغم أن اليأس والإحباط كان قد استوطن في قلوب وأنفس الفريق العامل معه من مهندسين وعمال وفنيين .
الشاب الطموح " المهندس " كان يتابع العمل لحظة بلحظة .. ويشرف بنفسه على سير العمل .. ويحث العمال والمهندسين والفنيين ويشجعهم ويحمسهم .. ويقوم بفحص عينات التربة المستخرجة من باطن الأرض لحظة بلحظة ... فتزاد ابتسامته الغامضة الرائعة اتساعا .. ويزداد حماسة وهمة ونشاطًا ... 
إلى أن كان ذلك اليوم ؛ .. عندما كان المهندس يقوم بفحص آخر عينة من التربة المستخرجة من الأعماق السحيقة لباطن الأرض ... وما كاد أن يتم عملية الفحص ... حتى أخذ بالدعاء والتهليل والتكبير ... وغطت الابتسامة الجذلى كامله وجهه .. وراح يندفع نحو المهندسين والعمال والفنيين يقبلهم واحدًا واحدًا .. وهو يصرخ بأعلى صوته :
" الحمد لله ... الحمد لله ... انتهت المهمة .. لقد وصلنا إلى مخبأ البترول ... هيا يا رفاق ... أخرجوه من المخبأ .. هيا .. هيا .." ..
لم يلبث العمال والفنيين والمهندسين أن تحلقوا من حول " المهندس " الشاب .. وراحوا يقبلونه ويهنئونه بالفوز العظيم ... ولم يلبث أن أصدر أوامره بطريقة جميلة مهذبة محببه لقلوب الجميع ... وهو يهدر بصوته الرائع :
" .. هيا يا شباب .. هيا الآن .. استخرجوا البترول من مخبئه العميق ... هيا .. هيا " ..
اندفع الجميع إلى أماكن عملهم .. وما هي سوى لحظات يسيرة ... حتى كان البترول يتدفق بقوة غير معهودة من باطن الأرض .
ما هي سوى لحظات يسيرة .. حتى كان الأمير يصل إلى المكان على عجل .. ويرى الأمر الغريب ويشاهده بأم عينه .. ولم يلبث أن اندفع ناحية الشاب الطموح " المهندس " .. وراح يحتضنه ويقبله بسعادة .. كان المهندس يحتضنه ويقبله بسعادة ؛ بينما كانت عيناه مغرورقة بالدموع .
الفحوصات المخبرية والجيولوجية فيما بعد أثبتت بأن هذا البئر .. يعد من أغزر آبار العالم إنتاجًا للبترول ... ويعتبر البترول المستخرج منه .. من أرقى مستويات أنواع البترول المستخرجة من آبار العالم ..
فيما بعد .. كان لأمير الدولة نصيب الأسد في إيرادات بئر البترول .. ولم يكن نصيب " المهندس " الطموح بأقل منه بأي حال من الأحوال .
في لحظة من اللحظات .. كان أمير الدولة يفكر وبشكل جدي بتعيين الشاب المهندس الطموح الرائع " وزيرًا للبترول " .. لولا أن قانون الإمارة لا يسمح لغير مواطني الإمارة بتولي مناصب الوزارات المختلفة .
.. وبدأ نشاط " المهندس " بالاتساع والتطور المطرد .. فقام بإنشاء الشركات والمؤسسات التجارية في كل مكان .. وأصبح اسمه لامعًا ذائع الصيت وطبقت شهرته الآفاق .. وأصبح الرجل من أثرى أثرياء العالم العربي والغربي على حدٍ سواء .
.. لم يلبث أن امتد نشاط عمله إلى أوربا وأمريكا .. فازدادت شهرته ونمت ثروته بشكل سريع .. وطبقت سمعته الآفاق لسنوات وسنوات طوال ...
.. ويبدو بأن النهاية قد أزفت فلكل بداية نهاية .. فبدأ نجم الرجل بالأفول .. ليس مادياً .. بل صحيًا وجسديًا .. فيبدو بأن جسد الرجل قد كل وأصابه الوهن والإعياء والضعف .. وتناوشته الأمراض والهموم .. فاتحدت الأمراض وتحالفت ضد جسد الرجل المنهك وغزته .. فاستعان بأشهر الأطباء في العالم وأمهرهم .. بدون فائدة ترجى أو جدوى .. فقد أصبح الرجل في سن وعمر متقدم .. ساعدت الأمراض في غزوها للجسد المنهك .. ولم يكن منه سوى أن استسلم للأمر الواقع .. واستسلم للمرض .. بل لرزمة الأمراض التي راحت تناوشه وتهاجمه بضراوة .. ورقد في الفراش ؛ واستسلم لأوامر وتعليمات الأطباء الذين كانوا يقومون بالزيارات البيتية الدورية اليومية له .. والذين وجدوا في النهاية بأن لا فائدة من زياراتهم تلك .. ولا جدوى من علاجاتهم وعقاقيرهم .. فتركوه آسفين .. ليس على الرجل .. بل على تلك المبالغ الباهظة التي كانوا يتقاضونها بعد كل زيارة تطبيب له .
.. انفض الجميع من حوله بالتدريج .. ولم يعد يعوده في مرضه من أحد .. اللهم سوى القلة القليلة ... من المنتفعين والطامعين .. والذين وجدوا في النهاية بأن الرجل قد فطن لطمعهم وجشعهم .. فمنع عنهم الأعطية وحرمهم من العطاء ... فانفضوا من حوله .
.. أخيرًا .. أخيرًا جدًا .. شعر الرجل بأنه يودع الحياة .. بعد أن وجد بأنه لا أمل له في الحياة .. بعد ان أنهكه المرض واستوطنه .. وبعد أن هده التعب وأنهك جسده الذي أخذ في النحول .. وبعد أن انفض الجميع من حوله .. وقد أصبح وحيدًا بلا أنيس ولا جليس ... و ...
... حاول الرجل أن ينهض عن السرير .. أعاد المحاولة المرة تلو المرة دون جدوى .. فلقد أنهكه المرض وهدته سنوات العمر .. وغزت جسده الأمراض تباعًا واستوطنته الهموم والنوائب .
راح يصرخ وينادي بكل ما تبقى به من بقايا قوة واهية .. وما بقي له من أنفاس لاهثة .. وحروف ينطقها بصعوبة بالغة وهو يحاول طلب العون والنجدة والمساعدة .. وقد عز عليه أن أحدًا لم يبادر لمد يد العون والمساعدة له ؛ مع علمه الأكيد ويقينه بأن لا أحد في المكان سواه ؟؟!! .
.. انهمرت الدموع من عينيه مدرارًا كالمطر المنهمر .. تحشرج صوته بأنين الألم ورهبة المكابدة والمعاناة والوحشة وسيل الدموع .
راح من جديد يعيد الكرة بالمحاولة تلو الأخرى .. محاولة النهوض عن السرير .. وهو ما زال يتمتم بما تبقى له من أنفاس وزفرات متقطعة :
" .. ليتني أستطيع النهوض عن هذا السرير اللعين ... لقد سئمت المرض .. سئمت الدواء والعلاج ... سئمت النوم ... سئمت السرير ... سئمت الحياة " ..
" .. فقط ليت بي من القوة ما يساعدني على النهوض عن هذا السرير اللعين ... ليتني أستطيع ذلك .. " .
" لم يبق شبرًا واحدًا على الأرض إلا وغزوته ... ولم يبق قطرًا واحدًا في المعمورة إلا وزرته ... وها أنا أموت على الفراش كما يموت البعير ... ألا نامت أعين الجبناء .. ألا نامت أعين الجبناء .. " .
... صرخ الرجل بأنفاس متقطعة بما تبقى له من بقايا أنفاس متلاحقة متقطعة ...
" لا .. لن أموت كما يموت البعير .. لن أموت على هذا الفراش اللعين .. لا .. لن أموت سوى كما تموت الأسود ... فالأسود دومًا تموت واقفة ... " .

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 214 مشاهدة
نشرت فى 24 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,637