دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

وانتصرَ الحُب نشأت في عائلةٍ مترفة حيث كنتُ الأبنةُ البكر لوالدي ووالدتي كانَ أبي يحبني كثيراً وينفذُ لي كل طلباتي لكنهُ كان لا يريد أن أكمل دراستي سمعتهُ مرةً يقول لأمي : الكل يقول علموا الفتاة وهذبوها وربوها تربية حسنة بكل معنى الكلمة فأن هذه الفتاة تلاحظ عاجلاً أم آجلاً تفوقها على النسا ء الأخريات. - ستفسدها يا رجل بدلالكَ المفرط - وفي يوم دخل أبي وهو يحمل ماكنة خياطة ومعه شابة لطيفة - إبنتي الحبيبة هذه المعلمة تعلمك إصول الخياطة وفن التطريز أصبحت كل ما أخيطُ شيئاً لي أو لأمي أو أطرز الشراشف يشتري لي قطعة ذهب حتى الخلاخل اشتراها لي . - كنت سعيدة بهذه الرعاية الأبوية أنبضُ مشاعر طيبة وأحياناً ساذجة لم تكن لي تجارب في الحياة فلقد كنت ما زلت في مستهلها فتاة في دور المراهقة (زهرة في كمها لم تتفتح بعد ) وفي يوم تسللت أشعة الشمس الغاربة ارجوانية دامية من خلال المتسلقات فصبغت الشرفة باللون الأحمر . أحب إلى نفسي أن أخلو بتلك الشرفة المحببة فأشردُ بذهني في عالمٍ جميل من الأحلام وأعتبرُ ذلك اليوم في حياتي يوماً خطيراً , رأيتهُ ولاح لي وجهه وقد لوَحت الشمس فحولتهُ إلى سمرةٍ حمراء وافترَ ثغرهُ عن ابتسامةٍ أبدت أسنانهُ بيضاء منظومة تلك الصورة الخاطفة التي اختطفتها عيناي له ومضيتُ تلك الليلة أفكر , أغمضتُ عينيَ وأنا قلقةٌ حائرة بين متعةِ الإحساس الجديد وخوف الخطر المجهول أحس أن ناقوس القلب يدقُ إيذاناً باقتراب الخطر أو إيذاناً بميلادٍ جديد .. ميلادُ عاطفة .. ميلادُ قلب وتكررت لقاءاتنا وفي يومٍ دخلَ أبي فجأةً إلى غرفتي فاستشاطَ غضباً _ هل هذه الثقة التي منحتكِ إياها ؟ سوف ترين الأيام القادمة كيف تكون معاملتكِ وأغلق الباب بعصبية ! عرفتُ من خلال محادثتي لهذا الشاب أنه إنسان بسيط يعملُ خياطاً للملابس الرجالية وليس لديه أصدقاء أو معارف , ورغم ذلك تم إصراري على التقدم لخطبتي . وتقدمَ لخطبتي ووافق والدي بدون تردد. _ هذا هو اختياركِ حتى الناس استغربوا أبي من أعيان البلد يزوج ابنته لهذا الشاب ! وتم زفافي وعرفتُ أني مسافرة سأصنعُ منه إنساناً آخر كما أريد . _ سأكونُ بين يديك خادمةً وزوجةً وعشيقة وأكونُ لكَ ما تريد . _ سأجلسُ معكِ في قطارٍ واحد هو قطار الحياة ونسافرُ كل ليلةٍ في عالمنا الجميل . حملتُ تاريخي على أكتافي ورضيتُ العيش معهُ . فتفتقت أولى بذور حبي وشغفي الأول والأخير فأصبحَ كل عالمي تفتحت براعم أنوثتي في أحضانهِ , اكتشفتُ الحياة عبر تجاربهِ تحولتُ بين أصابعهِ إلى امرأةٍ وأم . وفجأةً تحولت أحلامنا إلى آلامٍ مزمنة ومشاهد من البكاء والعويل المرسومة بحبر الدموع كان يعاملني امرأة للحمل والإنجاب والبيت فقط . قاسٍ جداً بتعاملهِ ولا مبالاتهِ بين الحين والآخر تتعبني . بدأ عملهُ بالتراجع لأن الناس بدأت تميل إلى شراء الألبسةِ الجاهزة , علماً أن البيت الذي نسكنه قديم جداً , أنجبتُ منهُ ثلاثة أولاد . نتيجة معاملتهُ الفضَة كنت أتمنى الموت الذي هو اطلاقة الرحمة التي تنقذنا من الصراع غير المتكافئ والحياة المعجونة با للاعدالة والإضطهاد كنتُ أعيشُ ليال موجعة , شعورٌ غريب يملأُ صدري أشبهُ بالخوف , ونتيجة لتردي الوضع المادي للعائلة بدأتُ أبيع ما أهداهُ لي أبي من الذهب كنتُ أهدهدُ الألم وأقتلُ الزمن بحباتِ مخدرٍ قوي اسمهُ الذكريات كنتُ أرسمُ عمراً قادماً لأبنائي . _ هل أطلقتَ رصاصة النسيان على حبكَ لي ؟ أنا مَن حملتُ عينيك وصوتكَ في جعبة ذاكرتي , نظراتك في محجري وكلماتك في أذني . بدأتُ أقلب أوراق الزمن عائدة إلى الماضي أمضي في طريق العتمة والمجهول من دونِ بوصلة أو خريطة بلا نهاية محطمة مشتتة الفكر غاربة عن الذهن وأنا ألاحظ أولادي واحتياجاتهم وليس لدي القدرة على تلبيتها , أنا لست مذنبة إنما الذنب هو القدر الذي عقد لي الطريق وقلب لي الأوضاع وأساء التدبير أنا لا أخجل من اعترافي بل أطلقهُ يملأ فمي لأعلن براءتي , مَن منا لم يعشق , لم يذق طعم الهوى ؟ كلنا عشاق وكلنا عشاق في مهب الريح العاصفة العاتية . كنتُ كلما تضيق بي الحياة وتحاصرني الخيبة ألجأ إلى أقرب حديقة كي أنصتُ لحديث الطبيعة والأشجار إنها مخلوقات مثلنا يبادلوننا المشاعر وفي داخلي رغبة جامحة للوصول إلى أقرب شجرة لأحتضنها وأستمدُ منها جرعات قوة وصبر للزمن الآتي . أرددُ دائماً مع نفسي الحياة رحلة وهذه إحدى محطاتها فلنغيرها مترعين بالأمل ورغبة البقاء أمنَي روحي بالأمل وأحررها من اليأس سأقومُ قدري وأغيره كنتُ لا أمارس عبادة الأنا , قررتُ أن أستغل موهبتي في الخياطة فالعمل مصدر اللذة لأفكر بعقلٍ سديد قبل أن أعزم على أمر ,كنت لا أراهن على المستقبل كل شيء أبنيه على الحاضر أسعى وراء سعادة أبنائي وتغيرت حياتنا نحو الأفضل فالسعادة هي في التفكير الصحيح كي يكون الإنسان سعيداً لا بد أن يكون في قلبه من الحزن الدفين . حبي له وتمسكي به هو الذي منحني القوة والصبر والتحمل لم اندم يوماً على ارتباطي به . وفي يوم جاء وهو يريد أن يقول شيئاً ويتعمد الإبطاء في سرد الحكاية , يدٌ حانية امتدت لتهدئ من روعه وتابعها صدرٌ دافئ. _ بالله عليك أفصح عن لسانك الخفي وأرني إياه ولو بكلمةٍ واحدة _استيقظتُ مما كان فيَ من مصيبةٍ و يا لها من مصيبة ! ستنقلني إلى عالم جديد إن شاء الله . _ اليوم جاءني زبون لأخيط له بدلة بكى بحرقة استغربت أنت رجل كيف تبكي ! _ في يوم اتصل بي أبني ليخبرني عن نتيجته النهائية انه الأول على دفعته أجبتهُ أتصل بي في وقت آخر لا وقت لدي , أدمن الولد المخدرات مما أدت به إلى الموت والسبب هو أنا أخذتني دوامة الحياة ولم أسال عن أبنائي وعن أحوالهم وكانت هذه النتيجة . وبعد ذهابه أصابتني صحوة أين أنا من أبنائي ؟ أريد أن أحدثهم , أجلس معهم , أسمعهم يضحكون , يقهقهون _مصطفى في حجرته يتابع دروسه _ أحمد وضع شعار النوم فوق كل شيء لكثرة متابعته قنوات التلفاز _ باسم مع زملائه يتهيئون لامتحان الغد وجدت أن حجة الاشتغال ما هي إلا حجة واهية نتخذها لنلتمس الأعذار لأنفسنا ونتخذها ذريعة لعدم التواصل . سأحطم الجدار العازل بيني وبينهم وسأبدأ أنا أحدثهم _ أنا من سلمتكِ مفاتيح جناتي كي تدوسها أقدامكِ .. أنتِ التي صنعتِ مني رجلاً تحدى بخيباته وكسر أطواق دواخله . _ نذرتُ نفسي ناسكةً لحبك ممسوكةً بذراعكَ سعاد محمد الناصر

المصدر: واحة التجديد
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 135 مشاهدة
نشرت فى 23 مايو 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,936