دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

authentication required

زاوية محايدة
يقعُ المشهد مراتٍ.. يمّحي، يعود.. يتكرّرُ في الزّمان والمكان. في زّمانِ لازمنيّ، ومكانِ تتفتّتُ هويّتُهُ وتتقشّرُ أغلفتُه.. ثمّ يسقط من ذاكرةِ الإثنيْن..لكنّ الأشياء والأشخاص في المكان، يحرسُهما حيّزٌ ما. يحوزُهما حَدٌّ له حافّة ربما..الأشياءُ والأشخاص في الزّمان تُأويهما مساحةٌ فضاءٍ عارية .. الحياة آسرة هكذا !
هي1 أمام المرناة، ترنو إلى أفقٍ واسع ،ثريّ حالم..و مسدود .. هو1 على كتابٍ ينكبُّ.. بين السبابة والوسطى قلمٌ ينغرسُ ذليلاً وعظيماً في آن، تحت نفوذ الإبهام. يَخطُ هندسة الاعتباطِ المعلّل. هو2 في المقهى، الشارِعِ، غرفتِهِ..أمكنة.. لا مكانَ. يروم أنْ يحتوي الأمكنةَ، يحتلّها كلّها.. يُمارسُ اللاّمعنى خواءً محضاً.. لعلّ الخواءَ امتلاء على شاكلةٍ ما.. 
هي22، بين مساحتيْن تُراجِعُ درْسَها، تنهَشُ المعنى ..وتلهو بأزرارِ هاتفها المحمول تواعِدُ حُلمًا..في المنعرجاتِ، تحاولُ أنِ تشْتقَّ سبيلا.. وتنتجَ معناه و معناها..
هي1، تحوك من دراما الفرجة،ومن فرجة الدراما كذلك، حلما يتناغمُ و دراماها.. في ذلك تجد معنى كبيرا، يتجرّد عنْ معناه حالَما تنتهي القصّة.. ومعنى آخرُ، تنحتُهُ أمام المرآةِ تستعيد بهاءَ البدْءِ.. ومعانيَ أخرى تشِـمُـها في المطبخِ.. وأخرى في الباصات، حين تسافِرُ بحثا عن ذكرى.. هي1تمارسُ الذكرى بعويلٍ فذّ، ونكهةِ حزنٍ خلاّقٍ.. يهدمها الحزنُ صمتًا، يكسِرُ شغفَها بأنوثتها الأولى..حين تجيئها الذكرى تستنزفُ الماضي دمعا فسفوريّا.. 
هو1 يَركَبُ غيمةَ وهمٍ آسرٍ.. يتمثَّلُ فلسفةَ أبطال الأفلامِ التي أشعلتْهُ، و الكتبِ التي قرأها وقرأتْه. حين كان يزدرد - ويتوهّم أحيانا- كتبا وسطوراً و تعابيرَ، كان يُسلِمُ وجهَه و باصرتيْه وكثيرا من ذاكرته،إلى المحْوِ.. إنّ الكتب تقرأُ قرّاءَها، وتستهلكهمْ بنفسِ المتعةِ والصمتِ والنّهمِ.. يالَ التآكلِ المتبادل! 
يختلسُ أضواء ذكرى دارسةٍ في القاعِ، وشذرات ذكرى محتملةِ النشأةِ في سُقوف متهاوية..أحياناً يبتسمُ إزاءَ لقطةٍ خاطفةٍ.. وقد تشعُّ في عينيْه لؤلؤةٌ فُجئيّةٌ صادقةُ النصوعِ..أحياناً يرتعِشُ تحت نفوذ الإبهامِ، ما بين السبابةِ والوُسطى، قلمٌ عربيدٌ، إزاء لفظةٍ قاسيةِ الجمالِ، أو عبارةٍ مختلجةِ العِطْرِ، في كتابٍ، تشتهي أن يُعادَ ترسيخُها رسمًا جديدا،وَسْمًا أو وَشْمًا..
هي1 تُصنّفُه في خاناتِ اللاّمعنى..هو1 يُصنّفُها في خاناتِ اللاّمعنى... هي2 تُصنّفهما – بحياءٍ غيرِ مفرط- في دائرةِ الفوضى الفارغةِ الفحْوى.. هو2 يُصنّفهمْ بتمرّدٍ بذيءٍ في منطقةٍ محايدةٍ تماما عن الجدوى:" قد أعترف بوجودكم إن تتوافر نقود تكفي لإشباعِ جنوني الطائر و نزواتي ذات النثار الفولاذيّ ؟ " ..
هي1، في حزنٍ تتزيّنُ..تبتكِرُ للأشياءِ روحيّةً ما..تسْبِغُ جدْوى على محتوياتِ فراغِ الأمكنةِ.. توقِدُ فَرَحا في فتيلٍ منْسيٍّ في زاويةٍ منسيّة .. هي2، بحساسيّةٍ مفرطة فاطرة، تستجيبُ لمعناها الخاصّ.. تواسي في السرِّ المفضوحِ، انعدامَ معاني الآخر، كلِّ الآخرِ..وتنهضُ في صمتٍ نحو حدائق تتدلّى غيرَ بعيدٍ من حِقَبِ الآتي ..
هو22، يقطِفُ يوميّا ثمارَ العُقمِ.. يعتصرُ منها نبيذ يومِهِ الفضّيِّ المتلوّن..حين يسكَرُ ،يبلُغُ المدى في الذعرِ، يُجنّنُ الأمكنة ،ويوتّرُ الهدوءَ ويُدشِّنُ اختراقاتِ فضاء الممكن.. وتُشرِفُ هي1 على الهُلكةِ.. لا يُكْنَهُ رمزُ للهلكةُ بعدُ ؟ أهيَ فقدان الحياةِ؟ أم الرغبة؟ هي1:" الهلكةَ اشمئزاز من وجود خاوٍ من الحُبِّ المطلقِ.. أن تتحرّك الرّوح في فضاءٍ مِنْ عدمٍ أبيض محض ، أو كالمحضِ ذاك تجلّي الهلكةِ"..تئنُّ هي، تزدحمُ غضون البهاءِ القديمِ بتوهّجٍ دمويٍّ يزيدُ البهاءَ بهاءً قبل إغماءةِ تعقُبُ الحزنَ. وتسبِقُ البكاءَ..البكاءُ يبدو حارِقًا،لم يُلْمَسْ، ولكنّ انحدارَهُ الصّامتَ يبدو لَهَبِيّاً. لونُه جَمرٌ.وانسكابُهُ دالّ ..
هو11، يعتبرُ الاشمئزازَ هنيْهة َ معْنى..ما عداها نشازٌ حقيقيّ عن المعنى،،كما اهتدى هو إليه طبعاً.. "الاشمئزازُ منهجٌ في درءِ شُبهةِ الغبطةِ.. الاشمئزازُ علامةُ وَعْيٍ حزين.. والوعيُ لا يكون إلاّ حزينًا ".. عليه أن يشمئزَّ دوما ليتناغم مع إيقاعٍ لا تعرفهُ هي1 و لا هي2 ولا هو1.. لنقلْ تعرفُهُ. ولكنْ، على نحوٍ غيرِ فلسفيٍّ، طالما أنّ النحوَ الفلسفيَّ معناه – كما يُخيّلُ إليه- أنْ تشمئزَّ حتّى تنزاحَ تماماً إلى زاويةِ طّمأنينةِ مثيرةٍ للأعصابِ.طمأنينةٍ ذابحة..
يُسرِعُ باتجاهها..يرشّها بالعطرِ..لا يشتهيها في أثناء كتلك..فقطْ، يريدُ أنْ تستيقِظَ لتستأنِفَ غضبَها الاعتباطيَّ المُعـلّلَ.."كان عليَّ ألاّ أشمئزَّ" يوبّخُ نفسَه.. و يعنُّ له أنْ يُضيفُ:" إنّ اشمئزازَك لا يرتقي إلى بهائهاِ المطموثِ بالكآبةِ".. حالما تستيْقِظُ، يتخبّطُهُ مَسٌّ من الاشمئزازِ، أو يُخيّلُ إليه أنّه يرتدي معناه..
هي2، في طورِ ارتباكها الأنثويِّ، تعشَقُ الموسيقى..لم تبدأ الحكايةُ عِشْقًا، ولكنْ تطوّرت الحكايةُ من نفورِ.إلى معانقةٍ..إلى طوْرٍ لا تستوعبُـه تسميةٌ.. إلى عشقٍ ربّما.. صارتْ تعزِفُ نوطاتٍ مراهقةٍ يافعةِ الجمالِ والشّجى، شفيفةِ الحيرةِ، حالمةٍ.. بالعَزْفِ وحده كانتْ تعـْـزُفُ عنهمْ.."الموسيقى وحدها لها القدرة على أن تتغلغلَ في أعماقنا، أمّا بقيّة الفنون فلا تُقدّمُ لنا سوى مسراتٍ عابرة.".. مثل هذا قرأتْهُ عن بلزاك..*ولم تستوعبْه مليّا ،ولكنّ ظلتْ تحتفظُ به ليطفَرَ في مثل تلك اللحظات بالغةِ المتعةِ والعذاب.. 
تؤدّي واجبها العاطفيَّ نحوهمْ،والدراسيَّ نحوهمْ. ونحوها.. تُسهِمُ في إيقاظِ الدّائخِ مِنْ دوختِه.. وتعكِّرُ صفوَ الصفاقاتِ المستبدّةِ بتمرّدها النّــكِــهِ.. وتشمئزُّ من فلسفة الاشمئزازِ العفنةِ فتردّ عليها باشمئزاز ضديد، يكسرُ حِدّتَها.. تنجِزُ مُذاكَرتَها على نحوٍ يُرْضيها.. ثمّ تنعزلُ بإتقانٍ، للعزْفِ والعُزوفِ..للعزوفِ بالعَزْفِ.. لأحلامِ يفاعتِها الأولى.. وإذا ما أمعنَ هو1 في ارتداءِ أثوابِ معانيه التي يعتقد أنها معاني.أو هو2 في إدارةِ أكوابِ نبيذ العُقمِ واستدرار دراهم المتَعِ اليافعةِ العرضيّةِ المتكرّرة ،والتي تتحوّل بعرضيّتِها إلى ثابتٍ، يعتقدُ أنّه جوهر.. أو هي1 في تمثّلِها لفلسفةِ الهلكةِ. أو معاقرتها لفنِّ الوجود بالجمالِ. أو تصنيف شهيِّ الأطباقِ ..أو الانغماس في حريق دراما عابث،، فإنّ هي 2 ترتاد مناطق الموسيقى..تتنافر معهمْ لتنسجمَ مع العزلةِ والإيقاعِ والحلمِ الضّروس. تطرد سِرْبَ الأشباحِ عاهرِ الحضور.. وتنادم جلساءَ الوجع السحريّ..
أمّا أفراس الحلم فـتجفل في براري الوقت الأصفر. 
الحياة آسرة هكذا.. ذات معْــنى مُـتلاشٍ.. ـيُخيَّلُ إلى عميقي الحسّ و نزر منَ التّافهين، أنّه اللاّمعـنى..
_____ 
سيف الدّين العلوي

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

557,265