دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

مرآة موتنا المتكرّر
تعالوا نتسامرْ .. هلمّوا نتساردْ أحاديثَ الحلم في وطـن لذيــذٍ، تطيبُ فيه الصبابة والغزل وثَملُ النّصْرِ بما سوف "يكون"..
هذا النوعُ من التسامر، هو هدْنــة مع الكوابيس البذيئة، كوابيس اليوميّ الشّائك حيثُ تُدارُ كؤوسُ الحنظل، وتُحْتَسَى على أنّها رحيقٌ فريدٌ .. هذا النوعُ هو اغتصابُ لحظاتِ خَلاص وهميّ، من عنكبوت حزن يعكف على نسيج فوضويّ،تماما، عند حدودِ بداية الإبصار و عتبات الأفق المُؤمَّل.. هذا التّساردُ هو تناغم حميميّ مُـليِّـنٌ ومُلوّنٌ لوحشة اللغة، تلك التي تستولي على ألسنتنا وتتحكّم بألفةٍ وازِرة، في حوارات حِقــب إيثارِنا (موتِنا الرّتيب النّسيق) الطّويلة.. تلك اللغة / اللغـوُ، التي تجتهدُ تلقائيّا في أنْ تُـلْغيَ اختلاساتنا من ذخائر الجَماليّ المُجْذِل.. وأنْ تخترقَ مناخاتِ إسرافنا في الغنائيّ الحالِم، الروّمنسيّ العفيف (و لكنّه المبتذلِ)..
لا داعي للنّدم.. 
ههنا فسحة لاستجماعِ شتيتِ الفرحِ الشّاردِ.. قطعة مغناطيس تستقطبُ شذراتِ معادنِ الأمل المنثور، في بِقاعِ منسوفةٍ من أنفُـسِ البَـشَـر السُذّج البُشْرَى.. 
سنجتهدُ أنْ نتناسى لوهلة حالمة، أنّنا في وطنٍ يليق بنا.. وطنٍ يرفضُ موتنا، لأنّنا كنّا نموتُ نموتُ ويحيا هو، أنانيّا جدّا، فخورا جدّا بحياته/ موتِنا، متعاليا جدّا بكبريائه/ ذُلِّــنا، صامدا جدّا بانتصاراته/ خيْباتِنا .. لقد عـوّدْنا وطنَنا النرجسيَّ على أنْ يحيا لنفسِه، و لكنْ بنا ، بمَوْتِنا.. وعوّدَنا وطنُنا العزيزُ بمهانتِنا، على أنْ نظلّ نموتَ، مخلصين في العمْقِ، لا هوادة أو نكوصِ،لاتوانٍ أو عدولٍ ... ألِـفَ الوطنُ الحيُّ موتَــنا المسترسلَ، كما ألِفَ حياتَه المسترسلةِ من دوننا.. هكذا يكون الوطنُ نرجسيّا متعشّقا لذاته حدَّ العبادة.. هكذا حملتْه نرجسيّتُهُ إلى أنْ يُقيمَ شعائرَ عشقِه، وتباهيه بطقوسِ بهائه، في مرآةِ موتنا المتكرّر وعلى صفحة بُحيْرةِ عدمِنا الأبديّ (نموت نموت ...و... )..
وكان وطنُنا الحيُّ دوما- أبقاه اللّه كذلك، بموتِنا المُستميتِ في موتِه – يتحوّلُ تدريجيّا بنخوة حياتِه ونرجسيّة عشقهِ لذاتِه، وتعوّده على موتِنا، إلى أنْ يتغذّى مِنْ موتنا، ليحْـيا مزهوّاً بالحياة.. هكذا أصبح وطُنُنا لا نرجسيّا فحسب، بل ساديّا بصمتٍ وإتقان .. لا يكشِفُ ذلك لأيّ كانَ، طالما أنّنا، نحنُ مَن كان يختارُ الموتَ المتواتِرَ ليدومَ لنا وطنٌ عزيزٌ خالدٌ متواتِرُ، وطالما أنّنا نحنُ مَن وطّنّا الوطَنَ بمازوشيّتنا العبقريّة، على ألاّ يألمَ لموتِنا، مادام موتُنا امتدادا لحياته(... و يحيا الوطن)..هكذا، تحوّل (حوّلناه) إلى فَـمْبير/ مصّاص دمٍ – دمِ المخلصين(
هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ
غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا واستباحَتْ حِمانا أيَّ استباحَه)*..
يتلذّذ بارتشاف الأوردة حتّى تنشُف.. ويعتصرُ ثُدِيَّـنا حتّى (تغرز) ينقطع حليبُها.. ونموتُ نموتُ، ويلتحمُ هو بالحياة(وحبّذا لو كان هو المستفيدَ الأوْحدَ).. ونَعْـرى نعْـرى، ويتدثّرُ هو مِنْ عُرْيِنا( وحبّذا لو حظيَ لوحدِه بذلك).. ونجوعُ نجوعُ ويزدرِدُ هو زادنا( ويا ليـته مُفردا شبِع).. ونسقُمُ نسقُمُ، ويسْـلَمُ بُرْءًا بـعِـلّتنا.. ونخافُ نخافُ، لينجوَ هو بطمأنينتِه.. وندخّنُ ندخّنُ نحن القُنّبَ الهنديّ، ليـنْـتـشيَ هو( ويا ليته ينْتشى)..
سيّدي الوطن، اعذرني إذا اعتبرتكَ جشِعاً جدّا، مفرِطاً في نرجسيّتِكَ، مسرِفًا في ساديّتكَ، لا ينقطِعُ شوقُك إلى الحياة والخلود أبدا.. سيّدي الوطن، و لكنّك لستَ إلاها لِتُعْبَدَ..
ليكنْ ذلك كذلك يا وطنَنا.. لتحْيَ أنتَ.. لكن، أجِبْنا فقط عن سؤالٍ وحيدٍ أجبْنا بِحِذقٍ ولا خَتْلٍ..كُنْ معنا، ونحن نموتُ فيك لأجلكَ، صَدوقا.. كنْ مع مَنْ يمنحونكَ حياتهم موْتاً لتحيا أنتَ، شريفًا.( وهذا جودٌ ليس يُضاهيه جود و فضلٌ لا يُحاكيه نظير) و أجِبْ: 
مَنْ تكونُ؟ أأنتَ وطـنٌ حقّا لِنستمِرَّ في موتِنا اللّذيذ لأجل أنْ تحيا أنتَ بلذّةٍ؟ أمْ أنتَ خليّة دبابير؟ لصالحِ مَنْ تشتغلُ أيّها "الوطن"( وعذرا على الظّفريْن لأنّك لم تحسم الإجابة بعد)..
---------------- 
سيف الدّين العلوي
*من شعر أبي القاسم الشّابّي

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 9 فبراير 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

563,738