جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
امرأة من ورق ....
رائحة التبغ تملأ المكان ....كل من يمر جانبها يحني رأسه يبتسم ثم يمضي ..اعتادت تلك الجلسة في زاوية المقهى منذ سنين ...تضع أمامها مجموعة أوراق كثيرة وبيدها قلم تخط به كلمات ...ترسم صورا تبدو لمن يراها عبث أو فيض جنون ....
- نارة ياولد ...
يتقدم الولد يزيد الأركيلة نارا تتنفسه بشوق غريب ثم تطلق الدخان الكثيف من فمها وتكتب اولى مفرداتها ..
أمي !!!
كل ما أذكره صراخها الدائم في وجهي ...تعلمي أن تكوني بنتا ...يقطع خلفةالبنات ...أخفضي صوتك ... اسمعي كلام أخيك ...وحين يضربني هذا المسمى أخي لم تكن تهتم ...تقول لأبي اتركها يرببها فهو الرجل ...
أمسكت قلمها ويداها ملطختان بالحبر ...رسمت صورة لأمها تشبه كل صور الأمهات ...جعلت لها شاربا وذقنا احتلا وجهها ...ضحكت كثيرا وهي تتأملها ...قلبت الاوراق بسرعة أخذت نفسا عميقا من الأركيلة ...نفثت الدخان ..اختفت اللوحة أمامها ...أمسكت قلمها خطت فوق الورقة الثانية ..
- أبي : متى ستدركين أنك بنت ؟ لعنة الله على خلفة البنات لا يأتي منهن إلا المصائب ...رجل بائس رغم كل تسلطه وجبروته كانت أمي تدير رأسه بذكاء ويمشي وراءها دون تفكير ...حاولت رسم صورة له ...رسمت وجهه على جسد أرنب ...
أف قالتها ثم أمسكت ورقتها الثالثة ...كتبت فوقها ...
- زوجي : جاءني خاطبا أسكنته عرشي ...غسلت قدميه بماء الياسمين ...عطرت جسده بالورد ..جعلت جسدي رداء له ...هدهدته ....كنت طوع يديه ...بعد عدة سنوات أتاني بأنثى تصغرني أعلنها زوجته ...رسمت صورة مشوهة لرجل لم تفلح في تحديد ملامحه ...زفرت بقوة ..تناولت بسرعة ورقتها التالية ...
- العرافة : جاءتني منذ زمن بعيد زحفت نحو راسي سكنت شراييني أمسكت يدي قرأت طالعي ...أخبرتني عن خطيئة البشر الاولى ...لم أفهم منها شيئا ...تركتني ومضت قائلة : لن يكون هناك امتداد لوجهك ...بعد سنين فتحت كفي لأقرأ طالعي ...أدركت أني عقيم ...
مسحت بقوة دمعة انحدرت ..تعرف الدموع طريقها ستسقر في النهاية أسفل ذقنها ....تحسست دمعها ..ذاقت معه مرارة الأيام تسمرت في مكانها حين وجدت ورقة مكتوب عليها ...
حبيبي : أشمه ..رائحته يميزها أنفي ..تكويني رغبة ملحة في أن أكون بين يديه ...أتلمسه في قمصانه ...عطره ...لمسة كفه فوق فنجان القهوة ...قبلاته المحمومة التي حلمت بها ولم أنل منها سوى الحرمان ...أعلنته حبيبي ...رغبت في تكوري داخله ...حلمت بأصابعه تداعب جسدي الصغير ...تحولت يده إلى فراشة غابت واستقرت فوق جسد غيري ...صورته مشوهة والكلمات فيها فقدت معانيها ...
أمسكت قلمها ...جذبت الورقة الأخيرة حاولت رسم صورة لها ...اشترت ملايين الأثواب لكنها لم تخلق الروح فيها ...رسمت أشكالا هندسية تضيق حول جسدها تخنقها ...رسمت نوافذ لا يصلها الهواء ...رسمت امرأة فوق الغيم ...فوق الزجاج ..فوق الورق ..رسمت ظلالا لامرأة لاتعرفها ...مدت يدها مسحت الغبار العالق به منذ سنين ..أزالته لتكمل المسير ....بقلمي
السيدة غدير محمد وليد عبارة/ سورية - حمص
كتبت في مصر -المنيا بتاريخ ٢٧ / ١/ ٢٠١٨ م
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية