دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

***كنا بخير...لولا الٱخرون***
ترددت و أنا أقف في انتظار سيارة أجرة تقلني إلى ذلك المكان .اول مرة اتردد فيها و أنا ذاهب في زيارة لكنها زيارة من نوع خاص ....
امتطيت سيارة الأجرة و أطلقت العنان لذاكرتني تعيد أمواجا من الذكريات علها تخفف عني مشقة الزيارة .كان صديقا و أخا بنكهة الحب الذي لا تخترقه سهام الفتور و لا تفسده مطامع الدنيا لا يغيب عني و لا اغيب عنه إلا لأمر لا يتطلب حضور اي منا.كم كانت رائعة تلك الأيام و كم كان الصفاء سماء تظللنا و شمسا ترسل الدفء في اوصالنا .افقت من ذكرياتي الوردية على منبه السيارة فادركت من كلام السائق المنفعل انه تعرض لمضايقة من إحدى السيارات فحاولت ان اهدأ من ثورته لكنه انفلت في الكلام معي _و الذي كنت أتحاشاه ليس تكبرا و لكن لأن حالتي لا تسمح لي بأي انحراف في مسيرة تفكيري_و انطلق يعدد مساوئ الطريق و سلوك الناس الذي كان _على حد تعبيره_ لا يطاق. لم اجد ما اقول و لن يجد عندي ما أضيفه لكلامه فاومأت براسي مبتسما ابتسامة مجاراة موافقا على كل كلامه حتى اعود لذكرياتي التي كانت وحدها ستسعفني و تخرجني مما انا فيه ....
تٱلف قلوبنا و احتوتنا الحياة الجميلة بكل ما فيها نقطف من ورد الربيع زهورا نشكل بها كتاب الأحلام و نلهو على بساط الأمل تتقاذفنا الأماني بغد أجمل. لم يحدث قط أن تشاجرنا او حمل اي منا في قلبه كرها او حقدا لصاحبه بل كنا قلبا واحد في جسد رجلين .صداقة بطعم الأخوة التي لا تنصهر و رباط محكوم العقد أصله ثابت و فرعه في السماء .هكذا هي الدنيا تبخل عليك في كل شيء لكنها مرة واحدة تهديك صديقا من الصعب ان تجد له مثيل ...
قطعنا نصف المسافة و قطعت بعقلي كل المسافة و أضعافها و اختمرت الأفكار في الزوايا و احتلني الشوق الممزوج بخوف اللقاء... دفعت للسائق ما دونه العداد و وقفت قبالة ذلك المبنى لا استطيع تحمل اثقال رزحت فوق راسي و تقدمت رويدا رويدا اغالب الأحاسيس العابثة بروحي و ابحث عن طائر يحملني معه إلى جزر النسيان ..لم امكث طويلا دفعت نفسي دفعا و وولجت الباب الرئيسي و جاوزت الحارس الذي ارشدني إلى وجهتي .
مصحة الأمراض النفسية_ الجناح 5 _ في ذلك المكان يرقد صديقي و أخي "هارون" لعنة التردد مازالت تلقي بظلالها المخيفة على عقلي .امشي و كأنني اتقدم إلى الوراء و أزحف في جوف الارض و كأن فم الإندثار يبتلعني . مررت بعدة غرف بعضها مغلق و بعضها مفتوح ككتاب ابيض ليس به كلام .بحثت عن كل الكلام فلم أجد في جرابي حرفا واحدا ابلل به ظمئي للصراخ .اريد أن اصرخ و اقول "أين هارون؟ .أين صديقي و اين اخي؟ " همت في الممر حتى اعترضتني ممرضة او خيل إلي ذلك من ميدعتها البيضاء كم كنت محتاجا لمساحة كبيرة من البياض .وجهتني بيدها إلى الغرفة رقم 20 جاوزتها و أنا اعيد على نفسي ذلك الرقم هل هي مصادفة ؟ام ان القدر الاحمق يبالغ في التوظيف .الجناح 5و الغرفة رقم 20 مجموعهما يساوي عمر "هارون "عندما أصابه اكتئاب حاد اوصله إلى انهيار عصبي جعله يقبع في هذا المكان. لعنت الحساب و العد و المعدود و استنشقت وجعا ساخنا أحرق فؤادي المكسور و وقفت امام الغرقة رقم 20 كان الباب مغلقا لونه الوردي هدأ من روعي قليلا أدرت قفله و أنا اخاتل الشوق الذي يتربص بي حتى انفتح الباب على مصراعيه و كأن قلبي هو الذي فتحه. دلفت وجلا و انا ابحث بين الأسرة عن "هارون" حتى وجدته في ٱخر سرير من جهة اليمين .
لم يكن هناك الكثير من النزلاء سوى اربعة و باقي الأسرة خاوية على عروشها تقدمت مرتعشا اتكأ على عكاز الذكرى حتى كنت امامه .
كان جالسا على حافة السرير وجهه الدائري كفلقة القمر في ليلة دامسة لم يعفره المرض و جسمه النحيل كجذع نخلة باسقة تعانق السحاب مطأطأ الرأس شاردا في ملكوته الذي تمنيت أن ألجه و يداه تداعبان خيطا تدحرج من لحاف السرير وضعت يدي على كتفه و انحنيت قليلا حتى أكون في زاوية رؤيته .هز رأسه بثقل العذاب و الٱهات فتلاقت أعيننا لقاء مرا مرارة الاوجاع التي ثارت في قلبي عندما رأيته .لم يعرفني لكنه تبسم ابتسامة محت كل احزان الأرض.مسحت على رأسه و فاضت عيني بدمع سخي أطفأ حريق الروح و جلست بجانبه و انا افحصه من رأسه حتى اخمص قدميه كان كطفل صغير بريئ من كل ذنب او خطيئة و كنت كتلة من الحزن تجمدت في حرارة مقدارها الف سنة من الضياع كلمته فلم اظفر منه بكلمة واحدة و انتابني الاسف مع الإحباط و التفت أعاين زملائه علهم ينقذونني من حيرتي و ضياعي فلم أجد غير الشتات كلهم صامتون صمت اهل الكهف لم أعرف ما اقول و تملكني الوجوم و بقيت خامدا جامدا تأكلني الأسئلة و ينهشني الفراغ. لم يتحرك و لم يتحركوا و لم يأت بأي ردة فعل تشعرني بأنه احس بوجودي فوقفت بعد ان يأست من محاولة إثبات الوجود و أرسلت له سلاما حارا من قلبي لقلبه سيشعر به عندما اغيب و قررت الخروج .
ودعته بقبلة طبعتها على جبينه و انسحبت كلص يحاذر الوقوع في الفخ و قبل أن اخرج سمعت صوتا قادما من ورائي فالتفت مسرعا ظانا انه صوت "هارون "لكني خذلت عندما كان مصدر الصوت أحد النزلاء الٱخرين فلم افهم ما قاله و واصلت طريق الخروج فعاد الصوت من جديد و كان هذه المرة قويا أكثر متقطعا مفهموما و كأنه ترتيل لشيء ما استدرت مجددا لمكان الصوت و تسمرت في مكاني فاعاد نفس الجملة التي سمعتها في المرة الثانية و قال "ك--ن--ا ب--خ--ي--ر ... لولا الٱخرون " 
انتهى 
سفيان مرزوقي

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 23 يناير 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

577,254