جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
لم أعد خائفا .. وضعت رأسي في المشنقة.. ارتديت الدائرة.. هالني فقط أنّها على شاكلة الصفر .. خامرني ألم، ركامٌ، صَلْدٌ، رصاصيّ، أنّ لحظتي العظيمة أضحت تافهة لمجرّد إحساس طارئ بهالة الصِّفر التي توّجتُ بها جيدي .. عاودتني الخيبة مرة أخرى رغم مجيء المتنبّي و ضحك الحلاّج وعنجهيّة نيتشه الخارقة:
" لمّا أتِـي بالحسين بن منصور ليُصلَب رأى الخشبة والمسامير، فضحك كثيرا حتى دمعتْ عيناه"
قال نيتشه : لا شكّ أنّني أنا الأبد".
غير أنّه بمجرّد أن حضرتني مقولة موريس شابلون: " إنّ آخر أوهامنا هو اعتقادنا بأننا قد تحرّرنا من كلّ أوهامنا"، وجدتُـني مدفوعا إلى الاعتقاد بأنّني اتّخذت القرارَ غير الصائب وأنّ الانتحار ليس فعلا إراديّا، و إنما هو إبطال لأفعال إراديّة أخرى، تصبح خلالها العظمة دما وروحا أفعوانَ العنفوان .. هكذا نزعتُ الحبْلَ - الصِّفر عن عنقي.. فككتُ دائرة الحبل.. تأمّلتُ فراغي قليلا.. ثم سحبتُ طرفه الآخر المعقود في الغصن السميك .. وشكّلت أرجوحة أنيقة متوازنة الأطراف تبدو سميكة، متماسكة ..
لم أكن أشعر بعظمتي ولا بمجدي التّالد.. تسنّمتُ أرجوحتي . فررْت ثم كررْت .. كانت الأحلام والخيبة و الانتصارات تترنّح ما بين كـرٍّ و فَـرّ.. و كنتُ في المدّ ـ في لـُجج الفراغ ، يَدْفق قلبي من هلع وخشوع.. و كنتُ في الجزر، في فضاء الشجر، أسْكُن فـأركن للخِزي : " أنا أجبَن من أن أنتحر.. ولكنّ في وسعي – كما كان- أنْ أتأرجح بين فراغ و امتلاء، بين أمان الهاوية حال التدلّي و ذعرِ اليابسة حالَ الإياب"..
________
سيف الدّين العلوي
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية