جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بعد نصف ساعة أو ما يزيد قليلا من مغادرتهما، وجدتني جالسا إلى الحاسوب.. كتبتُ فقرة، اثنتيْن ربّما. ألقيتُ نظرةً في فضاء الصّالة. كانت آهلة بالوحشة. (أحيانا أشعرُ أنّني من فصيلة البوم،آنس بالوحشة و أستكينُ بصفير الرّيح في ثقب الخراب من حولي).. صدمني الفراغُ لوهلة.. وأنا أستبطنُ ذلك الثقلَ الطفيفَ، هاتفني صديقي يستدعيني إلى قهوةٍ..
جلسات القهوة اليوميّة تكون سريعة عادة، لكنّها تكاد تكون متواترة لا يقطعها إلا سبب قويّ، أو مزعوم أنّه قويّ.. تحدّثنا عن العلّة التي تصيب الإنسان. و عن علل السياسة الراهنة والسياسيّين.. شتمنا كلّ الأحزابِ والفصائل السياسيّة (إنها تتصارع بعنف وغباء على ابتكار أساليب جديدة للدكتاتورية المغلّفة بالمفاهيم العليا عن الديموقراطيّة والحوار والنّزاهة وتقرير الشعب لشؤونه... الخخ...). نقل إليّ خيْبتهُ عن تأجيل الموعد السنويّ لدورة معرض الكتاب العربي بتونس.. أحسّ كلانا بالغبْن، لأنّ ذلك متنفّسنا الوحيد و متاقنا من حلم دولة الثورة ومِنْ دوخة الحلم التي نحن نستيقظُ منها..( إنّ اليقظة والنّهوض من الدّوخة أحياناً، لا تقلان بشاعة عن الوقوعِ فيها.. و لربّما كانتْ اليقظة أنْكىَ من الدّوخة نفسها ،بما يعني بالمقابل أنّ الدّوخة لم تعد تعني انقطاعا عن فطنة الألم المتيقّظ)..
الحادية عشرة والربع، إنْ لم أخنْ ذاكرتي في تقدير الزمن الحقيقيّ(وفْقَ عقاربِ ساعةٍ ما. ذلك يعني أنّ عقارب ساعةٍ أخرى قد تكون قد أعلنتْ عن توقيتٍ آخرَ).. عدتُ إلى المنزل.. عثرتُ على بعضِ ما يُؤْكلُ.. أكلتُ بعضِ ما عثرتُ عليه.. درتُ في المنزل دوراتٍ عابثة،غيّرتُ خلالها الوجهة أكثر من مرّة (تلك الدورات العابثة التي تشابه لَـوْبَ جَمَلٍ ضالّ لائب، لها ما يبرّرها في اعتقادي، حيث يكون الإحساسُ فيها بالفراغِ قد بلغَ أشدّه، يعني أنّك، أنتَ -أنا- إمّا في اللحظة الصّفر من القَرار و الحسْم، وإمّا قد تفرّقتْ بك – بي- السبلُ، و شغلتك الدنيا بشؤونها، بما بثّ في نفسك الحيرة المربكة إزاءَ اختيار فعلٍ أسبقَ في الترتيبِ، و أجْدى نفعا مِن سواه، في إزالة صدأ اللحظة )..
اهتديتُ إلى الخروج نسبيّا من الربكاتِ الصّغرى.. فتحتُ كتاب"العواصم من القواصم". تصفّحتُه. قرأتُ شيئا من مقاطعه.. استعصتْ عليّ منه مسائلُ.. أعجبني لاستعصائه.. فتركتُه (لا يسمح ذهني الضّيّقُ بفسحةِ التريّث والتركيز الفقهيّ )..
على الساعة الواحدة وسبع دقائق، لنقلْ و خمس(يسهل الكذب في ضبط توقيت نهائيّ، إذ و أنت تحدّد التّوقيت المضبوط تتسارع العقارب و توقعك في الخطأ)، كنتُ أَمامَ الإِمامِ جالسا أصغي إلى خطبة الجمعة (حديث عن المشعوذين والدجّالين و وسائل تعاملهم مع شياطين الجنّ) و تجري تلك الخطبة في زمن يسقط فيه العالم العقلانيّ في لاعقلانيّته..و دار الوعظُ على أشدّه.
________
سيف الدّين العلوي
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية