دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

صورة تلد صورة
1-الصورة الأولى
بجانب جنزير الدبابة يتمدد الجندي الذي لم تحصده رصاصة بعد ، صورة حبيبته في يده وبجانبه بندقيته ،شعره ملبد ، أزرار بزته مفتوحة ،ورائحة عرقه شاهدة على سخونة الصحراء الحارقة ،مرة أخرى تتدفق مليكته السوداء العينين عبر وحشة الصحراء ، وجلافتها ،شاهد أمامه بهاء عشقه الأم ، كانت تدور فيدور معها ،حالة باهتة من التهاوي إلى الخلف ،في الشرود يمكن أن تخلق الأساطير ، ثرثر معها لبعض الوقت ،ذاب في زمنها وهو يحدق في الخواء ،ألم حارق ،رأى زهرة تشتمه وسط ضجيج يصم الآذان ، كان حفل زواج أختها ، وصخب الموسيقى الشعبية يوتر الأعصاب ،و الحديث مستحيلا ، فكر في قرارة نفسه أن يراقصها ، أومأ إليها وحاول أن يبتسم ،اقترب منها يتمايل سعيدا بما سينجزه ، أمعن النظر فيها ،سعى إلى الانفراد بها ، أن يمسك يدها ، ويتفوه بتلك الكلمتين :
-أنا أحبك
هي أكثر الكلمات رجولة ،يمكن بمقتضاها أن يضيء الكون ، لكنها تحشرجت في فمه مثل آخر كلمة تنطقها شفاه رجل يموت ، اتسعت عيناها السوداويتين ، في لحظة بلوغ كلماته منتهاها ،تجاوز تقزز محياها أي قسمة من قسمات القرف :
- بلا إحساس ...
ركضت متنقلة بين خمس عشرة طاولة ، راقب ظلها الليلكي الملقى على البلاط، يتهاوى واهنا في حضن أمها ويبكي كالأطفال ، الوقت أثناء الخيبة طويل ، خجل هائل يلتف حول عينيه ، وارتباك عاجز ، المرأة لا تهرب إلا طلبا للنجدة ، كانت أمنيته أن يرقص مع زهرة ، "الرقص مع زهرة يخلق أحاسيس مثيرة " ،أمها كانت مفتونة بما جرى ،سألتها :
- ماذا حدث
مدت يدها ومسكت بيد أمها وهي تشهق :
- أهانني ...هذا ظلم ...
نهضت أمها بخفة ، وبدا عليها التعبس ،لا بد أنها تعلمت ذلك بشكل غريزي ، وكأن شرف عائلتها تدنس ،وعندما وصلت إليه ،هزته من كتفيه ،ودت لو تتواقح ، لكنها امرأة محنكة ، فاكتفت بالقول:
-عندما تكون غنيا ستصبح جذابا ، لكنك فقير وتحشر أنفك بين فتيات أحذيتهم أغلى منك
2- الصورة الثانية
هنا شاب قمر وحيد في الصحراء،يولد من الصورة صورة ، يفتح باب الحلم ، فيعصف الهواء بصور الذاكرة ، وتتطاير على الأرضية التهيئات الصبيانية،وجد نفسه ينظر إلى تلك الصور واحدة تلو الأخرى .
هذه صورة أمسك بها ، ذاب في تفاصيلها ، امرأة رقيقة مبللة الشعر ، تستحم عارية في النهر ، ترشق أعضاءها بالماء ، خلفها يموج ظلال شجر الحور ، وارتعاشات ضوء القمر القرمزي تتلاعب على سطح البحيرة الأسطورية،يرى كل هذه الأشياء من هناك ،تنصت زهرة ، تسمع صوت عين تراقبها ،قد تكون صدرت عنه نأمة أو حركة ، قالت له بغنج: -هذا أنت ...تعال
تسلق على جسد زهرة ، وأكل تفاحة فوق عنقها ، فسيَّل رضاب يغمر الأرض بالذنوب ، وعلى عتبة الظمأ ارتخت رعشة الاختلاجات ، فازداد اللهيب وذاب كحل الطهارة ،واحمرَّت دالية الجسد ،وتأوهت الأفواه:
- يا منيتي حي إلى الوصل ..وهنئني باحتوائك قبل وصول الرقيب
- زهرة.... وقع كلماتك في فؤادي سلب عقلي
- انسي عقلك أنت قلمي ومجرتي والسماء ....معك تتحول الدنيا إلى أرجوحة النشوة
قدمت له كأسها ، فصب فيه خمره ، شربت منه حبا وعشقا حتى ثملت ،قالت له :
-اجعلني بين ذراعيك
حطم قدسية الخجل بذراعية وفتح حصن الحرام ، حررها من سجنها ، قبلته بعنف وهمست في أذنه أحلى همسة :
- كم أنت قاس في وصالك!!!!!!
3- الصورة الثالثة
أظن أنه الآن يتأمل زهرة لأخر مرة ، تحدث الشيخ بطريقة لا يكتنفها الغموض :
-من الأفضل أن نصلي عليه هناك
وأشار إلى المفرق قبالة بيتها ، قال الجندي في نفسه :
- هذا هو المكان الذي كنت أتسمر فيه وأنا أحدق منتظرا خروجها وكأن أحدا ثبتني بمسامير
ينتابه شعور بالفرح أنه في تابوت مثبت بالمسامير ، في الواقع كان يريد أن يرى إن كانت حزينة عليه ،حدق النظر في شرفة البيت ، مر أمامه حلم ،زهرة تقف بين المعزبن ، تبكي وهي تلوح له :
- وداعا يا حبيبي
بدت الشرفة كنظرة الماضي فارغة ،شعر بالملل من تكرار الخيبة.
زهرة التي لم تسمح أن تناديه " حبيبي " لماذا يحاول أن يقنع نفسه أنها ستقولها الآن ، ولأنه شعر بالضيق ، حاولت روحه أن تطوف حول البيت ،ما رآه كان مثل صاعقة ضربته وجعلته يرى شيئا لا يمكن أن يصدقه أحد.
فؤاد حسن محمد-جبلة- سوريا

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 178 مشاهدة
نشرت فى 14 أكتوبر 2017 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,756