بحيرة مريوط .. موعودة بالعذاب :
آثار تلوث البحيرات المصرية انتباه الباحثين بسبب الزيادة المستمرة في كميات وانواع الملوثات المنصرفة الي هذه البحيرات من المصادر الادمية والصناعية والزراعية تبعا للزيادة المستمرة في عدد السكان وتعتبر بحيرة مريوط اكثر البحيرات تلوثا حيث اصبحت حالتها سيئة للغاية حيث تصلها الملوثات من كل اتجاه فالجزء الشمالي من المخلفات الادمية ومخلفات العديد من المصانع القريبة من البحيرة والمواد عديمة الاوكسجين .
وتعاني ايضا بحيرة مريوط من العديد من الاعتداءات ومن ضمنها انشاء ما يسمي (بالحديقة الدولية) عند نهاية الطريق الصحراوي علي ارص المزرعة السمكية
وأكدت الابحاث التي اجراها الدكتور مسعود عبد الرحمن شيخ اساتذة علوم البحار ان الاجراءات اجريت علي تلك المزرعة السمكية قبل ردمها علي انها كانت من اكثر مناطق بحيرة مريوط نظافة لاحتوائها علي مياه غير ملوثة وبالتالي علي اسماك جيدة صالحة للاستهلاك الادمي وكان من الافضل الابقاء علي تلك المزرعة السمكية .
ويقول د. مسعود ان بحيرة مريوط وصلت في بداية هذا القرن الي نحو 50ألف فدان ثم تضاءلت هذه المساحة بسبب اطماء اجزاء من البحيرة وتجفيف اجزاء اخري بغرض زراعتها واقامة المشروعات المختلفة ، كما تم تقسيم البحيرة الي اربعة احواض تصل مساحة الحوض الرئيسي الي 6500 فدان ويتراوح عمق مياهها من 90 الي 150 سنتيمترا وهو الجزء المعرض للتلوث الحاد .
ويضيف ان هناك انواعا من الاسماك كانت تعيش في البحيرة الا انها انقرضت نتيجة تراكم بعض العناصر السامة في اجسام الاسماك وتراكم المواد الكيماوية نتيجة التلوث مما اثر علي صحة الصيادين حيث شوهد بعضهم مصابا بالتهابات جلدية بين اصابع اليدين والارجل ومن نتائج الابحاث التي اجريت لبعض النقاط هي نقص تركيز الاوكسجين في المياه وتواجد غاز كبريتيد الهيدروجين السام وكذلك املاح الكبريتيد بكميات كبيرة .
ويقول د. مسعود عبد الرحمن ان الذين يجففون بحيرة مريوط بالكامل سيرتكبون اكبر الجرائم في حق الاجيال القادمة الذين سيجنون فوائد وجود هذه البحيرة كما ان الذين يفكرون في استخدامها لزيادة رقعة المباني بسبب الزيادة في تعداد السكان علي خطأ لانهم سيحولون الاسكندرية الي (غابة من الاسمنت ) وفي العقود القادمة اذا لم يتم التفكير في ان يكون الامتداد العمراني جنوب بحيرة مريوط فسوف تتعرض المدينة للاحتباس الحراري .
معالجة الميــاه
ويشير الي انه لابد من المطالبة بتحويل المجاري التي تصب في اماكن مركزية لعلاجها العلاج الامثل قبل عملية الصب وضرورة تطبيق قانون البيئة والعمل علي التجفيف من مياهها بما يقلل من الاضرار .
4 دعاوي قضائية
وكان قد تجمع اكثر من 5آلاف صياد من المقيدين بالجمعية التعاونية لصائدي الاسماك ببحيرة مريوط واعضاء الاتحاد التعاوني للثروة المائية ومعهم العديد من المواطنين وكذلك جمعية اصدقاء البيئة امام محكمة القضاء الاداري بالاسكندرية واقاموا 4 دعاوي قضائية مطالبين فيها في البداية بوقف تنفيذ قرار محافظ الاسكندرية بردم وتجفيف وتخصيص مساحة 20 فدانا بحوض الـ 3 آلاف فدان ببحيرة مريوط لاحد المستثمرين لاقامة مشروع تعبئة البوتاجاز عليها مما يهدد ارزاقهم في الصيد بالبحيرة بعد ان علموا ان هذه هي البداية نحو تجفيف مساحات اخري اكبر وبيعها للمستثمرين بحجة ان هذه الاجزاء من البحيرة تعتبر اجزاء ميته وغير صالحة للثروة السمكية .
وقف صرف المخلفات
واقام مواطنون اخرون دعوي امام ذات المحكمة لوقف صرف المخلفات الصناعية والزراعية والصحية التي تتم بدون معالجة كاملة مما يسبب تلوث البيئة والاسماك ويضر بصحة المواطنين لان عمليات الصرف تتم دون الالتزام بمواصفات المعالجة التي اوصي بها العلماء .
بداية لابد ان نشير الي ان هذه القضية استمرت لعدة اشهر لدراستها من كل جوانبها حتي قضت المحكمة مؤخرا برئاسة المستشار حسين علي السماك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين د. محمد عبد الوهاب خفاجي وكيل مجلس الدولة وجابر خليل بوقف تنفيذ قرار محافظ الاسكندرية بتخصيص مساحة 20 فدانا لاحد المستثمرين لتجفيفها واقامة محطة لتعبئة اسطوانات البوتاجاز عليها وبطلان ردم هذه المساحه للمستثمر المذكور وازالة الردم الموجود الذي اقامه المستثمر وعدم ردم اي جزء من البحيرة كما قضت بوقف الصرف بالبحيرة دون اجراء المعالجة الكافية طبقا للمعايير والمواصفات العلمية السليمة المقررة قانونا .
عدم ولاية المحافظة
كما اكدت المحكمة عدم ولاية محافظة الاسكندرية علي هذه البحيرة وان الجهه الوحيدة المسئولة عنها هي هيئة الثروة السمكية .
والمثير ان المحكمة كشفت في حيثياتها عن تضارب الاختصاصات والصراعات حول تبعية هذه البحيرة كما انها شددت علي ضرورة الاخذ برأي العلماء حول ما هو صالح لها بعد ان اتضح للمحكمة ان كل دراسات العلماء في هذا الشان كان يتم اهمالها وعدم الالتفات اليها وظهرت بحيرة مريوط والتي تصل مساحتها الي 20 ألف فدان وكأنها بلا صاحب !
وقف اعمال الردم
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها انه قد تبين لها ان محافظ الاسكندرية خصص في البداية مساحة 20 فدانا واقعه ضمن حوض الــ 3 آلاف فدان ببحيرة مريوط لاحد المستثمرين لاقامة " مشروع انابيب البوتاجاز " واعترضت علي ذلك الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التي تختص وحدها بالاشراف علي البحيرة وخاطبت علي الفور نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة بذلك واثناء قيام المستثمر بردم هذه المساحة تجمهر 5 آلاف صياد ضده وحرروا عدة محاضر في قسم شرطة المسطحات المائية وارسلوا برقيات عاجلة الي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة الذي ارسل فورا لمحافظ الاسكندرية كتابا يطلب فيه سحب هذا التخصيص ووقف اعمال الردم فورا حفاظا علي المسطحات المائية وعدم اثارة الصيادين وللصالح العام.
واوضح سيادة النائب في كتابه للمحافظ ان الردم يتم في منطقة من اجود وانظف الاحواض وهو حوض الــ3 آلاف فدان ورجاه ان يعدل عن قراره الا ان محافظ الاسكندرية اصدر قرارا لاحقا بردم هذا المسطح بناء علي طلب المستثمر .
إزالة التعديات
فأرسل وزير الزراعة كتابا آخر للمحافظ مفاده إزالة التعديات الواقعة من المستثمر والصادر بها تخصيص من المحافظ إلا ان المحافظ امر رغما عن ذلك بمنح ترخيص بناء علي المسطح المائي رقم 52 لسنة 2001 لاقامة مصنع تعبئة انابيب البوتاجاز ولم يجد المواطنون والصيادون وعددهم 5 آلاف صياد ومعهم جمعية اصدقاء البيئة سوي اللجوء للقضاء الاداري حماية للبحيرة من التلوث والهلاك .
وأكدت المحكمة ان المشرع تحقيقا منه لسياسة التنمية الاقتصادية للاقتصاد القومي في مجال الثروة السمكية انشأ هيئة عامة اقتصادية أطلق عليها الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وناط بها مهمة تنمية الثروة السمكية ضمن اطار السياسة العامة والخطة العامه للدولة وعهد اليها العمل ايضا علي تنظيم استغلال مناطق الصيد والمرابي السمكية والمسطحات المائية .
وخصها وحدها بالاشراف علي استغلال المسطحات المائية والبحيرات بحسبانها جزءا مهما في منظومة التوازن البيئي .. ولم يجز المشرع تجفيف اي مساحات من البحيرات الا في حالة استثنائية واحدة والاستثناء لا يجوز التوسع فيه او القياس عليه .. ومن ثم لا يجوز لاي جهة اخري غير تلك التي حددها المشرع حصرا ان تقرر عدم صلاحية اي مساحة من البحيرات للاستغلال السمكي اقتصاديا والا كان ذلك تعديا علي اختصاصات تلك الهيئة ..
منع التجفيف
ومن ثم فإن الجهات الادارية حرمت بذاتها علي نفسها تجفيف اي مساحة من البحيرات بحسبانها ثروة قومية الا بعد اتباع اجراءات معينة بتقرير من الهيئة المشكلة علي النحو السابق .
ومن ثم يكون القرار المطعون فيه الصادر من محافظ الاسكندرية قد صدر من جهة غير منوط بها اصداره قانونا .
وفي مجال البحيرة وتدهورها بسبب عمليات الصرف فيها فقد قالت المحكمة ان الظاهر من الاوراق ومما قرره العلماء والباحثون والجهات المعنية بالبحوث المائية والبيئية فان الادارة لاتلتزم بالحفاظ علي المواصفات والمعايير التي اوجبتها التشريعات المتنوعة في مخلفات الصرف الصحي والزراعي والصناعي التي تجد طريقا سهلا للتخلص منها في مياه بحيرة مريوط دون الوقوف علي المعالجة التي استوجبتها تلك التشريعات بل ان هؤلاء العلماء والجهات العلمية دونوا في ابحاثهم ان التحليلات والتجارب التي اجروها علي مياه بحيرة مريوط قد كشفت عن تشبعها بالملوثات والسموم التي اثرت فعلا علي خواصها وافسدت واضرب بالكائنات الحية فيها وادت الي نفوق اعداد تفوق الحصر من الاسماك بل ان الاسماك التي تجوب هذه البحيرات قد غدت ملوثة بحيث تؤثر علي صحة المواطنين تأثيرا مؤكدا كل يجد ما ينشده من صيد الاسماك بالاضافة الي الطيور المهاجرة التي لم تجد لها مكانا تسكن اليه بعد تلوث البحيرة .
معالجة غير كافية للموثات
وأضافت المحكمة ان الدراسات العلمية من الجهات المعنية بالبحوث المائية والبيئية قد اثبتت ان الصرف الصحي والصناعي والزراعي بمختلف اصنافه والذي يصب في بحيرة مريوط دون اجراء المعالجة الكاملة الكافية لمنع التلوث اذ ان ما تلجأ اليه الجهه الادارية في بعض انواع المصرف يعد اوليا وابتدائيا فقط ولا يرقي الي المعالجة المتكاملة .
والبعض الاخر دون اجراء ثمة معالجة علي الاطلاق بالمخالفة لاحكام التشريعات المتنوعة وهي معالجة باتت ضرورية وجوهرية متعارف عليها علميا وزخرت بها كتب العلماء وابحاثهم وهو ما رددته وسائل الاعلام المختلفة لكن مازال الوضع ثابتا لم يتغير .. وتزداد البحيرة سموما يوما بعد يوم ولهذا قالت المحكمة في نهاية حيثياتها انه مما لاشك فيه ان منع الصيادين الفقراء من الارتزاق ونشر التلوث البيئي بالبحيرة هو كالحريق يتعين اخماده والوقت حرج مما يتعين معه الحكم بوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما وتنفيذ الحكم بمسودته بغير اعلان لذات دواعي الاستعجال المشار اليها ..