رحل عن عالمنا منذ بضعة أيام الشاعر الكبير أشرف عامر، بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 65 عاماً..
وهو شاعر مصرى، من مواليد شبرا، وهناك كان يشتم رائحة المبدعين أمثال الشاعر إبراهيم ناجى وصلاح جاهين والفنانة مارى منيب ونجيب الريحاني، لينتقل فى طفولته إلى منطقة الوراق، وهناك كوّن جماعة «شعراء الوراق» مع أصدقائه الشاعر محمد كشيك، وعمر الصاوي، ورجب الصاوى، إلى أن تخرج فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1981، وتزوج وله ابنان «أحمد وخالد».
منذ المرحلة الابتدائية تقريبا وهو يحب أن يخلو بنفسه لكى «يشخبط» على كراريس المدرسة وكتبها برسومات وحكايات يعبر فيها عن غضبه من الدنيا، حسبما قال، وسرعان ما تبلورت هذه الشخبطة وأخذت ملامح الشعر، ولكنه كان شعرا مكتوبا بالعامية، وعندما كان فى الخامسة عشرة من عمره، كان يكتب شعرا بالعامية لنفسه ويقرأ بعضه لأمه وأخوته وزملاء المدرسة على خجل، ولقلة خبرته وقتها كان عاجزاً عن الدفاع عن «عاميته» أمام زملائه الذين كانوا وقتها لا يعتبرون الشعر العامى شعراً حقيقياً، وكان من بين هؤلاء الشاعر عمر الصاوى الذى أصبح بعد ذلك شاعراً عامياً معروفاً، وأصبح هو يكتب بالفصحى بعد ديوانه العامى الأول «شبابيك» كواحدة من مفارقات الحياة.
يقول عن نفسه: «فى أحد الأيام وأنا عائد من سور الأزبكية، حيث كنت دائم الذهاب إليه كلما «حوشت» مبلغاً من المال وقام أبي- وفق اتفاق أبرمه معي - بمضاعفته لأشترى كتبا ودواوين شعر، فى أحد تلك الأيام وأنا عائد من الأزبكية مفلساً ومحملاً بالكتب عن طريق الأتوبيس النهرى الذى يربط بين الساحل والوراق تعرفت على الشاعر محمد كشيك، وأصبحنا منذ ذلك التاريخ صديقين حميمين، تعرف على أشعارى وذهبت معه للإذاعة لنسجل ببرنامج «مع الأدباء الشبان»، ثم قام «كشيك» بعد ذلك بتعريفى بالشاعرين مجدى نجيب وسيد حجاب. بعدها التقينا الشاعر الكبير والدنا جميعا، «فؤاد حداد» الذى كان مستمعنا الأهم ومحفزنا الدائم للكتابة، ثم كانت صداقتنا المبكرة بالشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى الذى غمرنا صداقة وشعرا، هذا بالإضافة إلى العبقرى صلاح جاهين، وكان للشاعر أمل دنقل دور يفوق الجميع فى صياغة علاقتى بالشعر وبأهمية دوره ودور الشاعر فى الدفاع عن الوجود الإنسانى بكل ما تعنيه الكلمة من جمال وعدل وحب وحرية».
فى الجامعة تعلم من أستاذه الدكتور عبدالمحسن طه بدر، وعبدالمنعم تليمة، وجابر عصفور، حتى أصبحوا أصدقاءه وأصدقاء لجيله كله، وهو ما ساعدهم على النضوج الفكرى والظهور المبكر، فصدر له عدة مجموعات شعرية، منها: «شبابيك»، «فاعلات ليلية»، «هو تقريبا.. متأكد»، «كأنه يعيش»، «اكتشافات الفراشة»، كما صدر له ديوان «فيما أرى»، «الساعات اللى باقية»، وكتابان شعريان للأطفال وهما «اللون والخيال» و«نجارنا الفنان»، وغيرها من الأعمال، والتى ترجم الكثير منها إلى الإسبانية والإنجليزية والفرنسية.
وعن قلة عدد دواوينه المنشورة بالنسبة لسنوات إبداعه الطويلة، كان يقول إنه يكتب الديوان ثم يتركه سنوات، ثم يعود إليه يتفحصه ويضيف إليه أو يحذف منه، فالقصيدة التى لا يرى أنها ستحيا وتبقى يقوم بإعدامها فورا ولا يمكن أن ينشرها.. حتى إن ديوان «اكتشافات الفراشة» صدر بعد عشرين عاما من كتابته.
شارك الراحل فى عدد من الفعاليات الثقافية المصرية والعربية والدولية، منها مهرجان الشعر العالمى بكولومبيا 2008، يوم الشعر العالمى بالبحرين 2008، وله مساهمات غنائية ومسرحية للأطفال ومنها أغانى مسرحية «المسرحية» للأطفال، وأغانى مسرحية «وادى العمالقة»، وأغانى مسلسل «عنبر»، وكتب عددا من الأغانى لعدة مطربين، منهم على الحجار، أحمد الحجار، محمد الحلو، هدى عمار، أسامة الشريف وغيرهم، وكتب المقال الصحفى اليومى والأسبوعى فى عدد من الدوريات العربية والمصرية.
شغل «عامر» عدة وظائف طوال رحلته: منها أخصائى البرامج الثقافية بدولة البحرين، والمحرر الصحفى لجريدة الخليج الإماراتية بالبحرين، والمستشار الإعلامى والفنى لدار الوطن بالرياض، ورئيس تحرير سلسلة ديوان الشعر العامي، بالهيئة المصرية العامة للكتاب، والمشرف على التحرير والنشر والمنسق الإعلامى بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث بالهيئة العامة لقصور الثقافة، والمشرف على المناطق الثقافية الحدودية والنائية، ثم أصبح رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى أن تولى رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة.
