<!--[endif] -->


تقرير: محمد مسعد

حالة من النشاط الثقافى شهدتها مدينة إسنا بمحافظة الأقصر من خلال مبادرة جاءت بجهود ذاتية لتؤكد على دور الإنسان فى بيئته وأثره على مجتمعه، وما ينتج عن تشارك الأفراد مع مؤسسات الدولة نحو إحداث بناء وتنمية على مختلف الأصعدة، حالة كان وراءها «ملتقى سيانا الثقافي» الذى لفت فى أقل من عام أنظار المهتمين بالفضاء الأدبى فى مصر.

الدكتورة أسماء خليل مؤسسة الملتقى، تقول إن فكرة تأسيس الملتقى نبعت من معايشة مباشرة لواقع النشاط الثقافى فى مدينتها، فقد عرفت العمل الأدبى منذ انضمامها لنادى الأدب فى جامعة جنوب الوادى أثناء دراستها بها، ثم استمرت علاقتها بالوسط بعد التخرج على صعيد الممارسة من جانب والتخصص البحثى من جانب آخر فى رسالتيها بالماجستير والدكتوراه، واتضح لها أن أبناء الجنوب مبدعون فى ذاتهم ككل، لكن المعاناة توجد على صعيد الأدباء ومن لديهم مواهب، حيث كان البعض يفتقر للوعى وقراءة المشهد العام، ثم على صعيد القراء، وبالتالى كان هدفنا إيجاد مساحة مشتركة بين الأدباء والقراء.

«أسماء» توضح أن الملتقى الذى تم تدشينه فى نوفمبر العام الماضى يثرى البيئة الثقافية فى إسنا ويُخرج طاقات مبدعيها، ومنذ تأسيس الملتقى ونحن نسعى فى المقام الأول إلى تنمية صناعة الثقافة الجنوبية ورصدها ويكون معبرًا عنها، ويكشف عن الموهوبين والمبدعين، ويستغل البيئة الثرية بطبيعتها، فالمواطنون فى الجنوب مثقفون بالفطرة، الرجل العادى يقول شعرًا خلال حياته اليومية، وهذه البيئة ساهمت فى صناعة الأدب بفنونها التقليدية (الواو) و(النميم)، لذلك وجدنا أن الاستعداد للتثقيف موجود بشكل تلقائى.

وعن فعاليات الملتقى تقول الدكتورة أسماء إن أولها جاء فى قصر ثقافة إسنا ثم استمرت بالتعاون مع عدد من المؤسسات بفعاليات عن الشعر- الفصحى والعامية- بمشاركة عدد من أبرز الشعراء من مختلف أنحاء الجمهورية، وأيضًا شعراء عرب، منهم الشعراء والروائيون وليد ثابت، موسى حوامدة، صفاء أبوصبيحة، رضا عبدالنبى، ابتهاج الشايب، يحيى سمير، وغيرهم من رواد العمل الثقافي.

كما قمنا بإصدار كتاب حول «انتولوجيا القصة القصيرة»، ويرصد حركة هذا اللون الهام فى إقليم وسط وجنوب الصعيد، إضافة إلى الاهتمام بأبرز الأحداث مثل اليوم العالمى لـ«الشعر» و«اللغة العربية»، وعلى هامش الملتقيات نضع خطة للضيوف من خارج المحافظة للتعرف إلى الإرث الحضارى والتراثى لإسنا.

وعن عدم الانضمام لنادى الأدب بإسنا أو المؤسسات الثقافية فى المدينة تكشف أن هناك حالة من البيروقراطية سائدة تحول دون تنفيذ المرجو وتعرقل أفكارًا إبداعية، لذلك لجأت لإنشاء الملتقى خروجًا من هذه الحالة وليكون فى الوسط الثقافى الجنوبى طاقة فردية ورؤية مستقلة رغم أنها تهتم كثيرًا بفعاليات نادى الأدب المركزى لمحافظة الأقصر، وتؤكد أن كل فعاليات الملتقى تتم بجهود فردية دون الحصول على تمويل من أى جهة، إلا أنها لاقت قبولاً وحفاوة من الأدباء والشعراء الذين يرحبون بالمشاركة وتقديم كل الدعم لمثل هذه المبادرة. وحول مستقبل الملتقى تقول الدكتورة أسماء إن ملتقى سيانا انطلق من الجنوب لنقل ثقافتنا للعالم كله، من ذلك جاء اسم «سيانا» الذى يقصد به اسم مدينة إسنا فى العهد القبطى، ومعناه الجميلة الحسناء، فأملنا أن يقدم الملتقى هذه الصورة عن ثقافة المدينة لا لمصر فقط ولكن للعالم كله، الأمر الذى سيؤثر على كل الأصعدة، حتى السياحية التى ستضعها الثقافة على خريطة سائحى مصر الذين يأتون لأماكن محددة.

وتضيف: لن أتحدث عن مركزية الثقافة فى الشمال أو انعدام الفرص فى الجنوب فمن يبحث يجد، كان بإمكانى أن انتقل للشمال حيث الفرص أكثر، لكن لو فعلت هذا فماذا استفادت بيئتى وماذا تغير الواقع الثقافى لمدينتي، وهذه هى الخدمة المجتمعية الواجبة على كل مثقف، وفى هذا الصدد أنصح كل الشباب الذين لديهم هدف نبيل لمجتمعهم ومجالهم ألا يستسلموا للتحديات والظروف، بإيمانهم بفكرتهم يستطيعون تحقيق أحلامهم.

من جانبه يقول الشاعر وشريك الملتقى وليد ثابت إن «سيانا» جاءت فى نفس التوقيت الذى بدأت فيه حركات عديدة بجهود ذاتية؛ من أجل سد فجوة وإحداث إضافة للمشهد الثقافى مثل تجربة «نوافذ» فى السويس و«الحضرة» فى المحلة، و«سيانا» على وجه التحديد استطاعت أن تقول للمثقف البسيط فى عمق الصعيد الذى لا يستطيع أن ينتقل للقاهرة نحن نأتى لك بأهم النماذج الأدبية فى مكانك، الشىء الذى كان يصعب تخيله من قبل، فهى مشروع لمصر وليس لأحد، وكشاعر أقول إننا نعانى فى الشعر من أزمة متلقين، لكن وجدنا فى «سيانا» الحل، ففى القاهرة الحضور محدود لكن فى مدينة إسنا وجدنا حضورا وصل لحد الإبهار لكل الضيوف والأدباء، ثم إنه أتاح لنا مساحات جغرافية غير معهودة بعد أن كنا نذهب لنفس الأمكنة لمحادثة نفس الناس بذات الأفكار، اكتشفنا تجربة أخرى ثرية تتوق للثقافة بشدة، ثم أتاح الملتقى للمشهد الثقافى لأول مرة تفاعلية بين الأدب الشعبى الفلكلورى وأدب ما بعد الحداثة.

وعن التأثيرات على البيئة الثقافية يقول وليد: كنا على مشارف ركود فى العملية الثقافية لكن الفعاليات التى تقوم بجهود ذاتية فى كل دول العالم هى الحل فيها، الشىء الحادث بالفعل مع «سيانا» -والتى أضافت لهذا- أنها جاءت معززة للهوية بأبعادها، بداية من الاسم وحتى اختيار مكان الفعاليات التى تأتى فى بعضها وسط الإرث الحضارى الفرعونى، فهى ليست ملتقى فرديا لكن حركة ثقافية شاملة.

وعن مشاركتها فى الملتقى تقول الأديبة صفاء أبو صبيحة إنه حالة فنية شاملة تربط الألوان الثقافية التقليدية للمدينة من جانب بالشعر والموسيقى والعزف من جانب آخر، الأمر الذى يثرى الحس الفنى الإبداعى لدى الحاضرين فنجد الجماهير المتباينة فى الفئة والعمر والخصائص منسجمة مع الفعالية متأثرة بنقاشاتها. وتضيف: الملتقى جاء كحجر ألقى فى ماء راكد فأحدث طفرة فى الحراك الثقافى فى المدينة نلمسها بالحوار مع الحضور وعند مقارنته بالنماذج الشبيهة به فى المدن المصرية نجده يمتاز عليها، فهى طاقات فردية شبابية فقط، وجاءت فى مدينة تفتقر بشدة للألوان الأدبية رغم ثراء إبداع أبنائها، كما يحسب أن الملتقى جاء فى وقت به الكثير من الكتاب والأدباء فى المدينة، لكن لا يوجد مكان ليخرجوا فيه طاقاتهم أو يوصلوها للجمهور، فجاء كمنفذ لهم وفرصة للموهوبين أن يعرضوا ويكتشفوا ما لديهم، وللجماهير أصحاب الرغبة فى التعرض للثقافة أن يجدوا مرادهم، وقد استطاع بفعالياته أن يشير إلى إسنا كبقعة ضوء منيرة أمام أنظار الكثيرين، وتضيف: أخذت من الملتقى تأكيدا على أن الإبداع فى كل مكان فى وطننا مصر، وما ينقص التجربة وجود تعاون مع المؤسسات المعنية كالوزارة وقصور الثقافة وغيرها مما يعطى للفكرة انتشارا أوسع وسهولة فى تنفيذ فعالياتها.

elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 30 مشاهدة
نشرت فى 17 أكتوبر 2023 بواسطة elsayda

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا