هندسة الانتباه

العلوم والفنون والآداب

العوامل التي تتحكم في تكوين ونشاط إنزيمات الهضم والمشاعر

بقلم

محمود سلامة الهايشة

كاتب وباحث وناقد مصري

[email protected]

 

          تعلمنا منذ الصغر، أن أجسام الحيوانات والحشرات والطيور وحتى الإنسان، تتكون من أجهزة والجهاز من أعضاء والعضو من أنسجة والنسيج من خلايا، ولكن مجموعة خلايا تركيب خاص بها. وهناك ملايين التفاعلات الكيماوية والأنظمة الأنزيمية التي تحدث على طول الوقت طالما أنها خلايا حية ولم تمت.

          ولكن هناك كائنات حية هي عبارة عن خلية حية واحدة فقط، والتي تسمى الكائنات وحيدة الخلية، وطالما هي خلية واحدة، فهي في الغالب الأعم لا ترى بالعين المجردة، لذا نطلق عليها الكائنات الحية الدقيقة أو المجهرية، لذلك فإننا نتحدث عن البكتيريا، والتي تسمى بالكائنات البدائية، بينما عالم الحيوان والنبات هي كائنات ذات خلايا راقية، تتحكم العوامل الوراثية في إنتاج الإنزيمات، توجد نظم التحكم داخل الخلية الميكروبية بينما توجد هذه النظم خارج الخلايا الراقية، ومن هذه العوامل التي تتحكم في تكوين وتنشيط الإنزيمات نظم الحث Induction ونظم التثبيط Repression.

          فلا حياة بدون أنزيمات، فإذا ما توقف إنتاج وإفراز ونشاط الأنزيمات، هذا يعني الموت والهلاك، فتقول الدراسات أن الله إذا أمر البكتيريا والميكروبات بالتوقف عن العمل لمدة أربعين يوماً فقط، لسوف تتحول الكرة الله إلى مقبرة من الأموات، وعن الحية والموت كتب الشاعر الكبير إبراهيم رضوان قصيدة بعنوان "الحيا والموت"، في ديوان "مُسدسات"، الصادر عن دار أقلام استثنائية بالمنصورة، ط1، 2016، ص236، يقول فيها:

الحيا والموت

أنا كنت بين الحيا والموت ..

ساعة ما قولتى خلاص ماشيه

وقعت جميع أغصان التوت

وتعبت جداً م الحَاشَّيه

قُصر الكلام أنا مش عايزك

ولا عايز القعده طريَّه

السم واضح في قزايزك

آه يا عوامل تعريَّه

بقصايدى مش قادر اهزِّك

يا سجون حياتى الأبديَّه

إزاى بِيساريا تقاوم حوت

وازاى ها اقاوم مرتشِيه

فقد تحدث الشاعر عن العوامل وبالأخص عوامل التعرية عندما قال (آه يا عوامل تعريَّه)، كما تحدث عن السم في الشطر الذي يسبق العوامل مباشرة (السم واضح في قزايزك). وطالما نتحدث عن الأنزيمات فهي إحدى نواتج الخلايا الحية، والشاعر يتحدث في شعره عن العوامل وعن السم، فمن الحب ما قتل، فكمان أن الحب واحد ولكن يمكنه أما أن يكون ضار أو ما أن يكون نافع، أو مثل السكر والملح كلاهما أبيض اللون، وكما أنهما ضروريان للجسم لفوائدهم الجمة، ولكن عند زيادتهم عن المقرر أو المسموح أو الاسراف فيهما يتحولا إلى سُم قاتل، فلكي تدخل المواد الغذائية الكبيرة والمعقدة إلى داخل الخلية، فلابد أن تتكسر وتتحول إلى مواد بسيطة سهلة، فوسيلة الهضم هي الإنزيمات المحللة للبروتينات والكربوهيدرات والدهون والألياف، ولنفس الإنزيمات استخدامات أخرى في تكسير المواد الضارة والسامة لتحويلها إلى مواد أخرى أقل ضرراً أو غير ضارة تماماً، وتسمى هذه الإنزيمات بالإنزيمات الخارجية Extracellular enzymes، وهي التي تفرزها الخلايا في الوسط الخارجي أو بيئة النمو التي تحي فيها.

فالشاعر يصف الحبيبة التي هجرته بأنه تحولت إلى حية (ثعبان)، وقلبها الحنون المليء بالحب، إلى زجاجة مليئة بالسم القاتل. فالبيئة المليئة بالحب تحث جميع من هو موجود بالبيئة على الحب، فالكل فعل رد فعل، فإذا وجد طعام حضر الجائعون، فعند توفر مادة التفاعل حول البكتيريا قامت بإفراز الإنزيمات، وغذا لم تتوفر لا تفرز هذه الإنزيمات، وهي تسمى بإنزيمات الحث أو التي تنتج بالحث أو التأقلم Adaptive enzymes ، ولابد من توافر العديد من العوامل للبكتيريا حتى تفرز مثل هذه الأنزيمات، أولا الاستعداد الوراثي بوجود التراكيب الوراثية ادخل هذه البكتيريا، وجود مادة التفاعل، توفير الأحماض الأمينية اللازمة لتكوين بروتين الإنزيم المطلوب إفرازه، فتركيب الإنزيم الأساسي هو البروتين، بالإضافة إلى توفير الطاقة المناسبة لتخليق الإنزيم. لا تضاد بين الموت والحياة فالموت يولد من رحم الحياة والعكس صحيح.

فإذا كانت الخلية البكتيرية تفرز إنزيمات خارجها لتكسير المواد المعقدة لتسهيل دخولها عبر جدارها الخلوي، فكان لابد من قيامها بعمليات التحولات الغذائية المختلفة، وذلك للحصول على الطاقة اللازمة للحركة والتكاثر وبناء خلايا جديدة، لذا فهي تفرز إنزيمات داخل الخلية نفسها تسمى الإنزيمات الداخلية Intracellular enzymes.

سكر الحب من سكر الحليب:

اللاكتوز أو سكر الحليب عبارة عن سكر ثنائي ناتج عن اتحاد وحدة من الجلاكتوز وأخرى من الجلوكوز. يتواجد سكر الحليب بشكل طبيعي في الحليب ويشكل ما بين 1.5% و 8% من وزن الحليب. يمكن استخراجه من جوامد الحليب التي تتبقى بعد تصنيع الجبنة. الصيغة ((C12H22O11،  كتلة الجزيء ( ٣٤٢٫٣ جم/مول)، نقطة الانصهار( ٢٠٢٫٨ °C) ، معرّف الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية β-D-galactopyranosyl-(1→4)-D-glucose ، الكثافة: ١٫٥٢ جم/سم3 ، نقطة الغليان(٦٦٨٫٩ °C)، قابل للذوبان في: ماء، إيثانول (ويكيبيديا). فالإنزيم الذي يقوم بتكسير اللاكتوز إلى جلوكوز وجلاكتوز هو β- galactosidase، فالسكر كما نعلم هو مصدر الطاقة للخلايا والكائنات الحية، فإذا أتينا مثلا بميكروب القولون E. coli وقمنا بتنمية في بيئة يكون مصدر الكربون الوحيد فيها هو سكر اللاكتوز سيقوم الميكروب بإفراز هذا الإنزيم المحلل للاكتوز، علما بأنه في الطبيعي لا يفرز، فما حدث أن اللاكتوز يعد مادة حاثة له على تكوين ونشاط الإنزيم، بحث المادة الوراثية DNA داخل الخلية البكتيرية في إعطاء إشارة لتخليق الإنزيم الخاص المراد تكوينه، وكما فعل سكر الحليب اللاكتوز بكروموزم البكتيريا من تكوين وإفراز الإنزيم، فأيضا يقوم سكر الحب بإخراج مشاعر المرهفة من الشاعر الحساس، وذلك عن هذا التفاعل الإنساني كتب شاعر المنصورة الكبير إبراهيم رضوان قصيدة بعنوان "شاعر حساس"، ص112، في ديوانه المشترك مع الشاعر/أشرف عبدالعزيز "مسدسات"، فيقول:

شاعر حساس

ولا أشبع من الضمه .. حبيبتى يا سكة الإحساس

أنا لو حتى بالعمه .. هاضمك وانتى وسط الناس

لأنك راحه للمحروم .. و واحه طاهره لعيونى

بدون حضنك أبات مظلوم .. واقلك كونى فـ تكونى

يا ريت الحب بينَّا يدوم .. يا طاهره يا أصل تكوينى

لأنك في الفؤاد ( أُمَّه ) .. لقلب الشاعر الحساس

فبدون سكر اللاكتوز فقط وحيدا حول البكتيريا سالفة الذكر، لن تستطيع افرازه لعدم وجود العامل الحافز حدوث ذلك، وأيضا هذا الشاعر الحساس مرهف الحس الذي بدون حضن المحبوبة وحبها يبات مظلوم مقهور (بدون حضنك أبات مظلوم .. واقلك كونى فـ تكونى)، فهي غذاء الروح فهي أصل تكوينه (يا ريت الحب بينَّا يدوم .. يا طاهره يا أصل تكوينى) وذلك لأنها حسب قوله قلبه النابض (لأنك في الفؤاد ( أُمَّه ) .. لقلب الشاعر الحساس). فالحاجة تجعل أي كائن يبذل كل ما في وسعه للحصول على حاجته خاصة إذا كانت أساسية وملحة، فمثلا البكتيريا التي تحتاج إلى الطاقة والتي لن تحصل عليها إلا من الغذاء، ولا يتوفر مصدر للكربون الذي هو المصدر الرئيسي للطاقة إلا سكر اللاكتوز، فاضطر بأوامر من الجين الوراثي والذي يعد العقل المدبر بإصدار أوامره لباقي الخلية البكتيرية بإفراز الإنزيم المحلل لهذا السكر الثنائي الذي يحتوي على 12 ذرة كربون للحصول على عدد اثنين جزئ سكر أحادي وهم الجلوكوز والجلاكتوز، فكل واحد منهم يحتوي على 6 ذرات كربون، والشكل البنائي والهندسي لجزيي الجلوكوز والجلاكتوز هو الشكل السداسي أو المسدس، وهو نفس الشكل الشعري الذي كتب بها الشاعر إبراهيم رضوان قصيدته (شاعر حساس)، فهي قصيدة مكونة من ستة أبيات بقافيتين، الأولى (اس)  في الأبيات 1، 2، 6 ، أما الثانية فهي (ونى) في الأبيات 3، 4، 5. وطالما نتحدث عن أوجه التشابه بين تكوين جزئ السكر الأحادي كالجلوكوز والقصيدة المسدسة، فيمكنني أن أشبه البيت الشعري بذرة الكربون، والمسدس الشعري أو القصيدة السدسية بالجلوكوز فكما أن الجلوكوز به ستة ذرات كربون، فالمسدس الشعري به ستة أبيات شعرية، وبالتالي يمكننا أن نقول بأن ذرات الكربون 1، 2، 6 تحمل قافية واحدة، بينما ذرات الكربون 3، 4، 5 لها قافية واحدة مختلفة عن الثلاثة الأخرين. فحتى جزء الجلوكوز Glucose ليس واحد، فهناك جزئ D-glucose ، L-glucose، فأيضا ليس كل ستة أبيات شعرية نقول عليها مسدس شعري، ولا يتسع المجال هناك لشرح الفروق حتى لا نخرج عن الإطار الذي نتحدث فيه.

فالكربوهيدرات والسكريات لا يستطيع الكائن الحي سواء راقي أو بدائي الاستفادة منها وهضمها، إلا إذا ما تم تحويلها إلى سكر بسيط أحادي، لذلك فلابد من إفراز وإنتاج الإنزيمات النشطة التي تستطيع تحليلها إلى عناصرها الأولية، فلا نستطيع الاستفادة من نشا القمح في الخبز والمكرونة أو نشا الأرز والذرة ولا سكر الحليب اللاكتوز إلا إذا تحولوا إلى جلوكوز، فسكر القصب هو السكر الثنائي الفركتوز، بينما سكر الدم، أي دم الإنسان هو سكر الجلوكوز، والإنسان ليس دماً وفقط، بل دماً ومشاعر إنسانية، فكما أن الغذاء المعقد الذي لابد من تكسيره لكي يستفيد منه الجسم داخل الدم هو الجلوكوز لتوفير الطاقة للعمل والحركة والإنتاج وبناء الجسم، فأيضا المسدسات الشعرية والكلمات الشاعرة هي غذاء النفس والرقي بالإحساس. فالحليب أو عصير القصب إذا تعكر لا يصلح للشرب، أيضا الحب لابد أن يظل بلا أترابه أو ملوثات حتى يظل صالح للمشاعر والاحاسيس.

هل تظل الخلية البكتيرية تفرز الإنزيم بلا توقف؟!، بالطبع لا، فلا يوجد شيء يعمل أو يحدث طوال الوقت، فالإنسان إذا أكل أو شرب فلابد أن يشبع، مثل الطريق نظل نسير فيه حتى نصل آخره، ثم نتوقف في هذه المحطة أو تلك، ثم نبدأ رحلة أخرى من جديد، هكذا التفاعلات الإنزيمية، فكلما زادت مادة التفاعل تزيد سرعة التفاعل وبالتالي يزيد ناتج التفاعل هذا الناتج إذا لم يتم استهلاكه وظل يزيد داخل بيئة التفاعل وحول الخلية المفرزة للإنزيم فإن الخلية أو الخلايا ستصل إلى مرحلة تسمى ثابت التفاعل مما يؤدي إلى انخفاض أو توقف التفاعل تماماً.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 373 مشاهدة
نشرت فى 14 فبراير 2017 بواسطة elhaisha

ساحة النقاش

محمود سلامة محمود الهايشة

elhaisha
محمود سلامة الهايشة - باحث، مصور، مدون، قاص، كاتب، ناقد أدبي، منتج ومخرج أفلام تسجيلية ووثائقية، وخبير تنمية بشرية، مهندس زراعي، أخصائي إنتاج حيواني أول. - حاصل على البكالوريوس في العلوم الزراعية (شعبة الإنتاج الحيواني) - كلية الزراعة - جامعة المنصورة - مصر- العام 1999. أول شعبة الإنتاج الحيواني دفعة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,735,852