الصم والبكم ووسائل التواصل الحديثة...
بقلم محمود سلامة الهايشة- كاتب وباحث مصري
كُنت جالسا بالسيارة الأجرة (الميكروباص) عند توجهي من مدينة فارسكور إلى مدينة دمياط، لحضور محاضرة في اللغة الألمانية بالجامعة، وكان يجلس في الكرسي الذي أمامي شابان في الثلاثينيات من العمر، وبملاحظتهما رأيتهما يتواصلان بلغة الإشارة بدقة شديدة، ففهمت أنهما من الصم والبكم (أو كما يقال عنهم بمصر من الخُرس) وعلى درجة من العلم والتعلم، وأيضا من خلال هيئتهما عرفت أنها يعملان في مجال النجارة والأثاث، أي في أشهر المهن الحرفية بمحافظة دمياط، ففي دمياط صناعة الحلويات بكافة أنواعها، صناعة الجلود، وزراعة بساتين الفاكهة.
كان سائق المركبة مشغل التسجيل على شريط قرآن، وعندما سمعت عدة آيات فيها حمد وشكر لله عز وجل، شكرت الله وحمدته على نعمة السمع والكلام، وسألت نفسي سؤال: هذان الشابان لم يسمعان طوال حياتهما آية واحدة من آيات الله القرآنية؟!، فأجبت على نفسي: يا لها من نعمة عظيمة، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولكم الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
وبدأت أتابع حركة أصابع يديهما والإشارات السريعة المتوالية، وفجأة اهتز تليفون أحدهم، معلنا عن وجود اتصال من شخص ما، ففتح المكالمة ورفع التليفون أمام وجهه، فشاهدت المتحدث على الشاشة وهو يتحدث معه بلغة الإشارة هو الآخر، وعن طريق الكاميرا الموجهة لوجه الشاب الممسك بالتليفون يجيبه ويحاوره بالإشارات، فقلت لنفسي: ما أجمل التكنولوجيا الحديثة عندما توظف وتطوع في تواصل ذوي الاحتياجات الخاصة.
ساحة النقاش