مما يثير الاستغراب أن تجد شخصا متعلما لديه إلمام ولو بشكل مبسط عن تركيب الجهاز العصبي وغيره من أجهزة الجسم ثم لا يوقن بأن هذا الجهاز قد تم تصميمه من قبل مصمم لا حدود لعلمه وقدرته وهو الله سبحانه وتعالى.
إن الإنسان لتعتريه رجفة وتصيبه قشعريرة عندما يدرس تركيب الأعصاب والطرق التي استخدمت لتمديدها بين الدماغ وبين أعضاء الجسم. فهل يمكن لأي إنسان عاقل أن يصدق أن عشرات الملايين من الألياف العصبية يمكنها أن تحدد مساراتها من تلقاء نفسها لتنقل إشارات عصبية بالغة الأهمية من مراكز الدماغ إلى ما يرتبط بها من أعضاء! بل إن الأعجب من هذا أن كل ليف من هذه الألياف قد نما من خلية واحدة في الدماغ أو في الحبل الشوكي وبدأ يشق طريقه بين آلاف البلايين من خلايا الجسم ليصل إلى هدفه المنشود في أحد الأعضاء ولمسافة قد تزيد عن المتر. ومن العجائب في هذا النظام أن الألياف التي تذهب إلى عضو معين أو مجموعة من الأعضاء المتجاورة تتجمع مع بعضها البعض لتكون حزم يتم تغليفها بعدة عوازل لتخرج على شكل كيبلات يحتوي بعضها على ما يزيد عن مليون ليف عصبي. وعندما يصل أحد هذه الكوابل إلى أحد الأعضاء تتفرع منه الألياف الخاصة به فقط بينما تكمل بقية الألياف مسيرها حتى تصل إلى الأعضاء التي تخصها. إن مهندسي الاتصالات الذين يعملون في مجال تمديد وربط الكوابل الكهربائية الخاصة بالهواتف يدركون جيدا تعقيد هذه العملية فهم يعانون من مشاكل جمة عند ربط أسلاك الكوابل بالأجهزة الطرفية فيعملون على تلوينها أو ترقيمها رغم أن عددها لا يتجاوز عدة مئات في الكيبل الواحد. وفي المقابل نجد أن العصب البصري لوحده يحتوي على مليون ومائتي ألف ليف يتم ربط أطرافها بالخلايا الحساسة للضوء في الشبكية من جهة وبالخلايا الموجودة في مركز الإبصار في الدماغ من الجهة الأخرى وبحيث يقابل كل خلية في الشبكية خلية مقابلة في الدماغ لتظهر الصورة بشكلها الصحيح وقلما نجد أي خطأ في عملية الربط هذه رغم أنها تكررت وتتكرر بعدد ما خلق الله عز وجل من كائنات حية مبصرة. وعلى الإنسان الجاحد الذي لا يؤمن بوجود خالق لهذا الكون أن يتساءل عمن قام بعملية الربط هذه والتي يعجز البشر عن القيام بها ولا يتبجح فيقول أنها تمت بمحض الصدفة. وسيتبين للقارئ من الشرح التالي أن جميع مهندسي العالم لو اجتمعوا ليقوموا بتوصيل وربط الأعصاب بين مراكز التحكم في الدماغ وبين أعضاء الجسم المختلفة لما أمكنهم ذلك بل إنهم أعجز من أن يقوموا بإعادة ربط عصب واحد إذا ما انقطع وصدق الله العظيم القائل
"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)" الطور. يقدر العلماء عدد الألياف أو الشعيرات العصبية التي تربط مراكز الدماغ بجميع أعضاء الجسم بأكثر من عشرة ملايين ليف عصبي حيث يربط كل واحد من هذه الألياف خلية عصبية محددة في أحد مراكز الدماغ أو في العقد العصبية مع خلية عصبية مناظرة لها في أحد أعضاء الجسم. ويجب أن تتم عملية الربط هذه بدقة متناهية لا مجال للخطأ فيها وإلا سيترتب على هذه الأخطاء عواقب وخيمة تؤدي إلى فشل العضو في القيام بوظيفته. وبما أن معظم المراكز العصبية موجودة في القشرة المخية والمخيخ فإن الألياف العصبية المنبثقة منهما تنزل هابطة إلى الأسفل باتجاه الحبل الشوكي. وتمر هذه الأعصاب قبل ذهابها إلى أعضاء الجسم المختلفة بمراكز تحكم مختلفة موجودة في المخ البيني وجذع المخ ومن أهمها المهاد الذي يعتبر البوابة الرئيسية التي تمر من خلالها معظم الألياف العصبية إلى القشرة المخية. وتقوم هذه المراكز بوظائف متعددة أهما ترتيب الألياف العصبية ووضعها في حزم أو مسارات (Tracks) مختلفة كل حزمة منها تحتوي على ألياف عصبية من نفس النوع أو أنها تخدم نفس المنطقة من الجسم. بينما تقوم مراكز تحكم أخرى بتنظيم حركة الإشارات العصبية الخارجة والقادمة من وإلى المخ وذلك حسب المعطيات القادمة من مختلف مراكز الدماغ فتقوم بحجب بعضها والسماح للبعض الآخر بالمرور حسب ما يتطلبه الموقف. وتعمل بعض المراكز كمحطات ترحيل أو تقوية حيث يتم ربط الخلية العصبية القادمة من القشرة المخية بخلية عصبية جديدة لها محور عصبي طويل تمكنه من الوصول للأعضاء البعيدة في الجسم. وفي النخاع المستطيل يتم نقل معظم الألياف العصبية القادمة من الشق الأيمن للمخ إلى الشق الأيسر لتذهب إلى أعضاء الجسم في اليسار وكذلك العكس بينما يبقي على بعض الألياف دون تبديل. وقد تم تقسيم الألياف العصبية من حيث الوظيفة إلى ثلاثة أنواع فالنوع الأول هو الألياف الحسية التي تنقل الإشارات العصبية التي ترسلها المستقبلات الحسية المختلفة المنتشرة في مختلف أعضاء الجسم إلى الدماغ أما النوع الثاني فهي الألياف الحركية الجسدية والتي تنقل الإشارات العصبية من الدماغ إلى العضلات والغدد بمختلف أنواعها أما النوع الثالث فهي الألياف الحركية الذاتية والتي تنقل الإشارات العصبية الخاصة بالنظام العصبي الذاتي إلى العضلات والغدد. وقد تم أيضا تقسيم الألياف العصبية من حيث مكان خروجها إلى قسمين فالقسم الأول يخرج من الجمجمة وعددها اثنا عشر زوجا وتسمى الأعصاب الجمجمية أو الدماغية ويذهب معظمها إلى حواس البصر والسمع والشم والذوق وكذلك العضلات الموجودة في الرأس والوجه والرقبة. أما القسم الثاني فيتفرع من الحبل الشوكي وعددها واحد وثلاثين زوجا ولذلك تسمى الأعصاب الشوكية والتي تخدم بقية أعضاء الجسم. تخرج الأعصاب الدماغية أو القحفية (Cranial Nerves) على شكل أزواج من جذع الدماغ حيث يخرج من النخاع المستطيل ستة منها ومن الجسر أربعة ومن الدماغ الأوسط اثنان وهما الشمي والبصري. وتتكون الأعصاب الدماغية الأثنا عشر من عصبين حسيين وخمسة أعصاب حركية وأربعة أعصاب مختلطة تحتوي على أعصاب حسية وحركية. فالعصبان الحسيان هما العصب الأول (الشمي Olfactory Nerve) وهو المسؤول بالكامل عن حاسة الشم حيث يقوم بنقل الإشارات العصبية من عشرة ملايين خلية شمية موزعة على رقعتين من النسيج الشمي موجودتين في سقف التجويف الأنفي ويوجد ما يقرب من ألف نوع من خلايا الشم الحساسة لمختلف أنواع المواد الكيميائية قادرة على تمييز ما يزيد عن عشرة آلاف رائحة مختلفة. أما العصب الحسي الثاني فهو البصري (Optic Nerve) وهو المسؤول عن حاسة البصر حيث يبلغ عدد الخلايا الحساسة للضوء في شبكية كل عين ما يقرب من 130 مليون خلية منها خمسة ملايين من المخاريط الحساسة للألوان الأساسية الثلاث والبقية من العصي الحساسة لشدة الضوء. وتجتمع الألياف الخارجة من الشبكية بعد مرورها بالعقدة العصبية الشبكية لتخرج على شكل كيبل يتكون من مليون ومائتي ألف ليف عصبي وهو أكبر الألياف العصبية في الجسم. وأما الأعصاب الحركية فهي العصب الثالث (البصري الحركي Oculomotor Nerve) وهو المسؤول عن حركة عضلات العين الداخلية والعضلة الرافعة للجفن العلوي وحدقة وعدسة العين والغدد الدمعية وهو يتكون من ثلاثين ألف ليف والعصب الرابع (البكري Trochlear Nerve) وهو المسؤول عن حركة العضلة المائلة العلوية لكرة العين ويتكون من ثلاثة آلاف ليف والعصب السادس )المبعد Abducent Nerve) وهو المسؤول عن حركة عضلة العين الوحشية المستقيمة ويتكون من أربعة آلاف ليف والعصب الحادي عشر (العصب الشوكي الإضافي Spinal Accessory Nerve) وهو المسؤول عن حركة بعض عضلات الرقبة والعصب الثاني عشر (تحت اللساني Hypoglossal Nerve) وهو المسؤول عن حركة اللسان. وأما الأعصاب المختلطة فهي العصب الخامس (ثلاثي التواؤم Trigeminal Nerve ) وهو المسؤول عن حركة العضلات الماضغة والغشاء المخاطي للفم والأنف وفيه جذر حسي ينقل أحاسيس الوجه والأسنان ويتكون من ثمانية آلاف ليف والعصب السابع (العصب الوجهي Facial Nerve) وهو المسؤول عن حركات عضلات الوجه وفروة جبهة الرأس والغدة اللعابية وفيه جذر حسي لحاسة التذوق في مقدمة اللسان ويتكون من عشرة آلاف ليف. وفي حاسة التذوق يوجد عشرة آلاف برعم تذوق غالبيتها موجودة على سطح اللسان والبقية في اللهاة وجوانب الفم ويوجد ما بين 50 و 150 مستقبل تذوق على كل برعم وهي مقسمة إلى أربعة أنواع تستجيب للحلاوة والملوحة والحموضة والمرارة. والعصب الثامن (السمعي Vestibulocochlear Nerve ) وهو المسؤول عن كل من حاستي السمع ونظام توازن الجسم حيث يبلغ عدد الخلايا الشعرية الحساسة لحركة سائل القوقعة ما يقرب من 20 ألف تمر الألياف الخارجة منها على عقدة عصبية تقع بجوار القوقعة ثم تخرج في كيبل يحتوي على 30 ألف ليف عصبي. والعصب التاسع (اللساني البلعومي Glossopharyngeal Nerve) وهو المسؤول عن حركة إحدى عضلات البلعوم وحاسة التذوق في الثلث الأخير من اللسان. والعصب العاشر (الحائر Vagus Nerve) وهو العصب الجمجمي الوحيد الذي يخدم منطقة تقع خارج الرأس والرقبة فهو يذهب إلى القلب والرئتين والحنجرة وبقية الأحشاء الداخلية وهو أحد الأعصاب اللاودية. أما الأعصاب الشوكية فيبلغ عددها 31 زوجا ًوهي تتفرع من جانبي الحبل الشوكي من بين فقرات العمود الفقري حيث يخرج من جانبي كل فقرة عصب يخدم منطقة الجسم المجاورة لها وهي ثمانية أزواج عنقية واثنا عشر زوجا صدريا وخمسة أزواج قطنية وخمسة أزواج عجزية وزوج واحد عصعصي. وجميع الأعصاب الشوكية من النوع المختلط حيث يتفرع من الحبل الشوكي جذران أحدهما حسي وهو الجذر الظهري أي من جهة الظهر وآخر حركي وهو الجذر البطني ثم يتحدان بعد خروجهما ليكونا عصبا واحدا يخرج من بين فقرات العمود الفقري ثم يتفرقان عند وصولهما إلى العضو أو الأعضاء التي تخدمها. وتصنف الأعصاب الشوكية إلى نوعين فالنوع الأول هي الأعصاب الجسدية (Somatic nerves) وهي مكونة من أعصاب حركية مسؤولة عن حركة العضلات الإرادية والتي تنتشر في عضلات هيكل الجسم ومن أعصاب حسية والتي تنتشر في جميع أنحاء الجلد. أما النوع الثاني فهي أعصاب النظام العصبي الذاتي أو اللاإرادي (Autonomous Nervous System) وهي مسؤولة عن العمليات اللاإرادية في أعضاء الجسم الداخلية كتحريك عضلات القلب والرئتين والحجاب الحاجز والمعدة والأمعاء والأوعية الدموية والأعضاء التناسلية والتحكم بإفرازات الغدد بمختلف أنواعها. والنظام العصبي الذاتي ينقسم بدوره إلى نوعين وهما النظام العصبي الودي (Sympathetic Nervous System) وهو الذي يستثير الأعضاء لتعمل بأقصى جهد ممكن عند مواجهة الأخطار كزيادة دقات القلب وزيادة إفراز السكر من الكبد والأنسولين من البنكرياس وبعض أنواع الهرمونات وتوسيع شرايين القلب والرئة والدماغ وتضييق شرايين الجلد وبقية الأعضاء وتوسيع حدقة العين والشعب الهوائية وتقليل إفرازات اللعاب والمعدة وزيادة الانتباه. وأما النوع الثاني فهو النظام العصبي غير الودي (Parasympathetic Nervous System) وهو على عكس النوع الأول يعمل على تهدئة الأعضاء المثارة لتعود لتعمل بشكل طبيعي فتقل دقات القلب ويزيد إفراز الغدد اللعابية وتزداد حركة الأمعاء و توسع الأوعية الدموية في الجلد ويرتخي صمام المثانة البولية وتضيق حدقة العين. وتخرج الأعصاب الودية أو ما يسمى بأعصاب ما قبل العُقدة الودية (Preganglionic Sympathetic Nerves) من القرن الجانبي للحبل الشوكي ابتداء من الفقرة الصدرية الأولى وينتهي خروجها عند الفقرة القطنية الثانية. وبعد خروج الأعصاب الودية من الحبل الشوكي فإنها ترتبط بعُقد عصبية متصلة ببعضها البعض على شكل سلسلتين تقعان على جانبي العمود الفقاري تسميان السلاسل الودية (Sympathetic Chains) ومن هاتين السلسلتين تنشأ أعصاب ما بعد العقدة الودية (Postganglionic Sympathetic Nerves) والتي تغذي كامل أعضاء الجسم.
ويبلغ عدد عقد السلسلة الودية الواحدة 22 عقدة منها ثلاثة عنقية وإحدى عشرة عُقدة صدرية وأربعة قطنية وأربعة عجزية. وتتحد السلسلتان مع بعضهما عند أسفلهما أمام العصعص مكونتان عقدة مشتركة تسمى العقدة (ganglion impar). إن اختيار هذا الموقع للعقد اللاودية لم يأتي اعتباطا فإلى جانب حمايتها بعظام الفقرات فإن الألياف الخارجة منها والداخلة إليها يتم دمجها داخل الأعصاب الشوكية وذلك لتقليل عدد الأعصاب الذاهبة والقادمة من أعضاء الجسم كما هو واضح في الشكل المرفق.
أما الأعصاب اللاودية فتخرج من الحبل الشوكي عند الفقرات العجزية الثانية والثالثة والرابعة و كذلك توجد في الأعصاب القحفية الثالث و السابع و التاسع و العاشر كما هو واضح في الشكل المرفق.
وتحتوي العقد الموجودة في الجهاز العصبي الذاتي على برامج عصبية تعمل بشكل مستقل ومتواصل دون الحاجة لأوامر من الدماغ في الوضع الطبيعي.
فعلى سبيل المثال فإن القلب يتم التحكم به بشكل رئيسي من إشارات تصدر من عدة عقد موجودة في جدرانه (Heart Ganglia) ولكن يتم ربطه بالنظام العصبي المركزي من خلال النظام العصبي الذاتي وذلك لكي ينم التحكم به جزئيا بما يتماشى مع حالة أجهزة الجسم الأخرى من خلال الأعصاب الودية وغير الودية.
وكذلك هو الحال مع الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي فهي تعمل تحت سيطرة البرامج المخزنة في العقد العصبية المزروعة في جدرانها ولا يتدخل النظام العصبي المركزي إلا في الحالات الطارئة فقد يوقف النظام العصبي الودي حركة المعدة وإفرازاتها في حالة تعرض الإنسان للخطر ويوجه الطاقة إلى عضلات الجسم والدماغ وذلك لمواجهة الخطر.
ونأتي الآن على شرح التركيب الداخلي للحبل الشوكي وتبيان مدى الإبداع والإتقان في طريقة توزيع الألياف العصبية المختلفة في داخله وكذلك طرق إخراجها منه وتوزيعها على أعضاء الجسم.
فالحبل الشوكي جسم أسطواني طويل يبدأ من جذع المخ ويبلغ معدل طوله في الإنسان 44 سم ويزيد قطره قليلا عن السنتيمتر الواحد أي بحجم الإصبع أما وزنه الكامل فهو 35 غرام تقريبا.
ويحتوي الحبل الشوكي إلى جانب ما يزيد عن ستة ملايين ليف عصبي على ما يقرب من ألف مليون عصبون. وقد تم تغليفه بنفس الأغشية الثلاث التي تغلف الدماغ ومحاط كذلك بنفس السائل ولذلك اعتبره العلماء أحد أجزاء الجهاز العصبي المركزي.
ولقد تم حماية الحبل الشوكي بفقرات العمود الفقري بشكل بالغ الإتقان فهو موجود في داخل مجري مبني من عظام متحركة وذلك على عكس الدماغ المحمي بعظام الجمجمة الثابتة.
وفي هذا الحال يتطلب تصميم فقرات العمود الفقري بشكل بالغ الدقة لكي لا تقطع الحبل الشوكي أو تضغط على الأعصاب الخارجة منه عند تحرك هذه الفقرات أو عند تعرضها للضربات والصدمات والحركات العنيفة. وكما هو واضح من الشكل المرفق فإن الحبل الشوكي محمي من جهة الظهر بالأشواك العظمية الموجودة في كل فقرة ومحمي من الجهة البطنية بجسم عظمة الفقرة وكذلك بالقرص (Disk) الموجود بين الفقرات والذي يستخدم لتسهيل حركة الفقرات وكذلك لامتصاص الصدمات بسبب مرونته. وإذا ما تفحصنا مقطع الحبل الشوكي نجد أنه يتكون من مادة رمادية لها شكل الفراشة محاطة بمادة بيضاء مما يعني وجود أجسام العصبونات في المادة الرمادية ومحاور العصبونات أو الألياف العصبية في المادة البيضاء.
والمادة البيضاء في الحبل الشوكي هي حزم أو مسارات الألياف العصبية التي تربط الدماغ مع بقية أعضاء الجسم وقد تم تقسيمها إلى نوعين النوع الأول حزم الألياف الصاعدة (Ascending tracts) وهي تنقل المعلومات الحسية من أعضاء الجسم إلى الدماغ والنوع الثاني حزم الألياف النازلة (Descending tracts) والتي تنقل الأوامر الحركية من الدماغ إلى أعضاء الجسم.
وقد تم تقسيم الحبل الشوكي على مدى طوله إلى واحد وثلاثين منطقة بحيث توجد منطقة واحدة في داخل كل فقرة من فقرات العمود الفقري ويتفرع من كل منطقة عصبان شوكيان يخدمان منطقة الجسم المجاورة لها. وعندما قام العلماء بدراسة تركيب الحبل الشوكي وجدوا أن له نصفان متناظران كما هو الحال مع الدماغ حيث يخدم كل نصف منها الأعضاء الموجدة في أحد نصفي الجسم.
وقد تمكنوا من رسم خرائط مفصلة لمقطع الحبل الشوكي تحدد مسارات الألياف العصبية الصاعدة والنازلة وكذلك المراكز العصبية الموجودة فيه. ويوجد في المادة البيضاء ستة أزواج من المسارات العصبية النازلة وهي أعصاب حركية بالكامل حيث يوجد في كل نصف ستة مسارات كما هي موضحة باللون الأحمر في الشكل المرفق.
ويوجد كذلك في المادة البيضاء سبعة أزواج من المسارات العصبية الصاعدة وهي أعصاب حسية بالكامل حيث يوجد في كل نصف سبعة مسارات كما هي موضحة باللون الأزرق في الشكل المرفق. ويحتوي كل مسار من هذه المسارات الصاعدة والنازلة على ألياف عصبية تحمل نفس النوع من الإشارات العصبية وترتبط بنفس المركز العصبي في الدماغ.
فمن المسارات الحسية الصاعدة على سبيل المثال المسار الشوكي المخيخي ( Spinocerebellar Tract) والذي يحمل معلومات حسية عن وضعية الجسم إلى المخيخ لضبط توازن الجسم وكذلك المسار الشوكي المهادي (Spinothalamic Tract) والذي يحمل معلومات عن درجة حرارة الجسم إلى المهاد لتنظيم حرارة الجسم.
ومن أمثلة المسارات الحركية الهابطة المسار القشري الشوكيCorticospinal Tract)) والذي يحمل الأوامر الحركية من القشرة الحركية إلى عضلات الجسم. وقد تم ترتيب الألياف العصبية في كل مسار على شكل طبقات بحيث يسهل إخراج الأعصاب الشوكية من الحبل الشوكي عند كل فقرة فأعصاب الفقرات العنقية تكون في الطبقة الأقرب من المادة الرمادية تليها الأعصاب الصدرية ثم القطنية وأخيرا العجزية.
وقد يتساءل القارئ عن سبب وضع الأعصاب التي تخرج أولا في عمق الحبل الشوكي وكان الأولى أن توضع أقرب للسطح والجواب على ذلك أن الأعصاب لا بد أن تدخل المادة الرمادية قبل خروجها من الحبل الشوكي كما سنشرح ذلك بعد قليل. وكما أن المادة البيضاء مقسمة إلى مناطق فكذلك هو الحال مع المادة الرمادية فهي مقسمة إلى مناطق متعددة وهي عبارة عن مراكز عصبية تقوم بمهام مختلفة.
والمراكز العصبية تنقسم إلى نوعين رئيسين نوع حركي ترتبط به الألياف الحركية القادمة من الدماغ ونوع حسي ترتبط بها الألياف الحسية القادمة من الجسم. وكذلك يوجد في المادة الرمادية مركزان متماثلان واحد في كل نصف منها يخدمان نصفي الجسم.
ومن أهم هذه المراكز المركز الحركي (Motor Nuclei) والذي يحتوي على أجسام الخلايا العصبية للألياف الحركية التي تخرج من الحبل الشوكي لتحرك العضلات والغدد. ومنها المركز الذي يربط الألياف العصبية القادمة من الدماغ بالعقد العصبية الذاتية (Autonomic preganglionic).
أما المراكز الحسية الموجودة في المادية الرمادية فهي مقسمة إلى مراكز بعضها يرتبط بالألياف الناقلة لإشارات الألم وبعضها لإشارات اللمس وكذلك الضغط والحرارة وغيرها كما هو مبين في الشكل المرفق. أما المعجزة الكبرى في النظام العصبي الطرفي فهي الطريقة التي يتم من خلالها توزيع هذه الملايين من الألياف العصبية الموجودة في الحبل الشوكي على جميع أنحاء الجسم بحيث يصل كل ليف عصبي إلى هدفه المنشود.
وبما أن معظم أعضاء الجسم تحتاج لمعظم أنواع الأعصاب القادمة أو الذاهبة إلى الدماغ فإنه يلزم توجيه ألياف عصبية بأعداد محددة من جميع المسارات الحركية والحسية الموجودة في الحبل الشوكي إلى مخارجها. وتتم عملية التوزيع عند كل فقرة من فقرات العمود الفقري حيث يخرج من القرنين الظهريين جذران من الأعصاب الحسية أحدهما يذهب إلى يمين الجسم والأخر إلى يساره ويخرج كذلك من القرنين البطنيين جذران من الأعصاب الحركية.
وبمجرد خروج هذه الجذور من الحبل الشوكي يتحد الجذر الحسي مع الجذر الحركي في كل جانب ليكونا زوجين من الأعصاب الشوكية المختلطة أحدهما يذهب إلى يمين الجسم والأخر إلى يساره. وتوجد أجسام عصبونات الألياف الحركية في داخل المادة الرمادية للحبل الشوكي وترتبط زوائدها المرتبطة بجسمها بنهايات الألياف القادمة من الدماغ بينما ترتبط زوائدها الشجرية الموجودة عند نهاية الليف العصبي الحركي بالعضلات والغدد أي أن عصبوناتها من النوع متعدد القطبية (mulipolar).
أما أجسام عصبونات الألياف الحسية فهي موجودة في عقد خارج الحبل الشوكي تسمى عقد الجذر الظهري (Dorsal root ganglion) وترتبط زوائدها الشجرية القريبة بنهايات الألياف القادمة من الدماغ بينما ترتبط زوائدها الشجرية البعيدة بالمستقبلات الحسية المنتشرة في الجسم وعصبوناتها من النوع أحادي القطبية (Unipolar).
وإلى جانب هذه المرحلات العصبية يوجد في الحبل الشوكي عصبونات متعددة القطبية أو ثنائية القطبية (Bipolar) تسمى العصبونات البينية (Interneurons) تستخدم لأغراض متعددة كربط بعض الأعصاب الموجودة في مسارات الحبل الشوكي مع الأعصاب الخارجة منه وربط عصبونات المستقبلات الحسية في الجلد وغيره من الأعضاء بالعصبونات الحركية في العضلات والغدد وذلك بدون مرورها على الدماغ أو ما يسمى الأقواس الانعكاسية (Reflex arcs) وذلك لتسريع رد فعل الجسم على المثيرات الخارجية أو الداخلية وذلك لتجنيب الجسم من مصادر الخطر المختلفة كتعرض الجلد للحرارة أو الأشياء الحادة وكإعادة توازن الجسم عند الإنزلاق أو غير ذلك. ويوجد نوعان من هذه الأقواس وهي الأقواس الانعكاسية الجسدية(somatic reflex arc) والأقواس الانعكاسية الذاتية (autonomic reflex arc) فالنوع الأول بسيط التركيب حيث ترتبط عصبونات المستقبلات الحسية مع العصبونات الحركية من خلال عصبون بيني موجود في داخل المادة الرمادية للحبل الشوكي وعندما يتعرض المستقبل الحسي لمؤثر خارجي فإن إشارته تذهب مباشرة للعصبون الحركي فيحرك عضلة أو أكثر في منطقة المستقبل الحسي. فعلى سبيل المثال عندما يتعرض الجلد في بعض أعضاء الجسم لحرارة عالية أو وخز مفاجئ فإن عضلات تلك المنطقة تنقبض بحيث تبعد ذلك العضو عن مصدر الخطر. أما النوع الثاني فهو أشد تعقيدا ويستخدم في النظام العصبي الذاتي حيث يلزم معالجة الإشارات القادمة من المستقبلات الحسية في عقد النظام الذاتي وليس في الدماغ ثم تخرج إشارات التحكم من هذه العقد لتحرك العضلات أو الغدد في العضو المعني ومن أمثلة ذلك المنعكسات الموجودة في العين كالمنعكس الضيائي (Light reflex) ومنعكس التكيف (Accommodation Reflex) أو غير ذلك من المنعكسات.
وبعد تفرع الجذرين الحركي والحسي من الحبل الشوكي واتحادهما خارجه ليكونا عصبا شوكيا مختلطا واحدا فإنه يخرج من فتحة جانبية في الفقرة وتبدأ عمليات توزيع الألياف العصبية لتصل إلى أماكن عملها.
إن أول عمليات التوزيع تتم بربط الأعصاب الشوكية بالنظام العصبي الذاتي حيث يخرج من العصب الشوكي بعد خروجه مباشرة من الفقرة فرعان صغيران يرتبطان بالعقدة العصبية الودية المجاورة. فالفرع الأول هو الفرع الأبيض (White ramus) والذي سمي بذلك لأن الأعصاب فيه مغطاة بطبقة المايلين البيضاء وهو يحتوي على ألياف عصبية قادمة من الدماغ عبر الحبل الشوكي خاصة بالنظام العصبي الذاتي.
وأما الفرع الثاني فهو الفرع الرمادي(Gray ramus ) وأعصابه غير مغطاة فتبدو رمادية اللون ويحتوي على ألياف عصبية تخرج من العقدة العصبية الذاتية وتذهب إلى أعضاء الجسم من خلال العصب الشوكي. ويتضح من الشكل المرفق أن هناك سبعة أنواع من الأعصاب من حيث مساراتها اثنان منها فقط جسدية (Somatic) أحدهما حسي وآخر حركي أما الخمسة المتبقية فهي أعصاب ذاتية (Autonomous) منها اثنان حسيان وثلاثة حركية.
فالعصبان الحسيان اللذان يخرجان من الجذر الحسي للحبل الشوكي يمران على العقدة العصبية الودية فيعود أحدهما إلى العصب الشوكي عبر الفرع الرمادي بينما يبقى الآخر داخل النظام الذاتي وأما الأعصاب الحركية الثلاث فتمر على نفس العقدة فيعود واحد منها إلى العصب الشوكي عبر الفرع الرمادي ويبقى الآخران داخل النظام الذاتي. إن العصب الشوكي الواحد يحتوي على عشرات الآلاف من الألياف العصبية من جميع هذه الأنواع السبعة وللقارئ أن يتخيل مدى الدقة اللازمة لتوزيع هذا العدد الكبير من الألياف بحيث يذهب كل ليف في مساره الصحيح ثم يرتبط بمكون محدد كمستقبل حسي أو ليف عضلي أو غدة.


أما المحطة التالية من محطات التوزيع فهي ما يسمى بالضفائر أو الشبائك العصبية (plexuses) حيث يتم فيها إعادة ترتيب الألياف العصبية الموجودة في عدد من الأعصاب الشوكية لتخرج في عدد آخر من الأعصاب قد تحمل نفس النوع من الأعصاب أو أنها تحمل أعصابا ذاهبة إلى نفس المنطقة في الجسم كالأيدي والأرجل. ويوجد في الجسم عدد كبير من هذه الضفائر إلا أن خمسة أزواج منها هي الأكبر وهي الضفيرة العنقية (Cervical plexuses) والضفيرة العضدية (Brachial plexuses) والضفيرة القطنية (Lumbar plexuses) والضفيرة العجزية (Sacral plexuses) والضفيرة العصعصية (Coccygeal plexuses).
وكل ظفيرة من هذه الضفائر تخدم منطقة الجسم المجاورة لها فعلى سبيل المثال فإن كل ظفيرة من الضفيرتين العضديتين تخدم إحدى الأيدي حيث يدخل إليها خمسة أعصاب شوكية أربعة منها تخرج من بين فقرات العنق الأخيرة والخامس من الفقرة الصدرية الأولى ويتم إعادة ترتيب الألياف ألعصبية الموجودة في هذه الأعصاب الخمسة لتخرج في خمسة أعصاب وهي العصب الأبطي (Axillary nerve) والعصب الكعبري (Radial nerve) والعصب الوسطي ( (Median nerve والعصب العضلي الجلدي (( Musculo cutaneous nerve والعصب الإنسي الجلدي (Medial cutaneous nerve).
أما المرحلة الأخيرة من عملية التوزيع فهي توزيع الألياف العصبية الموجودة في الأعصاب على المناطق التي تخدمها. فعلى سبيل المثال فإن عضلات العين تحتاج لتحريكها ثلاثة أعصاب وهي العصب الثالث (محرك العين) والذي يحرك عضلات العين الداخلية والعضلة الرافعة للجفن العلوي وحدقة وعدسة العين وهو يتكون من ثلاثين ألف ليف والعصب الرابع (البكري) والذي يحرك العضلة المائلة العلوية لكرة العين ويتكون من ثلاثة آلاف ليف والعصب السادس )المبعد) والذي يحرك عضلة العين الوحشية المستقيمة ويتكون من أربعة آلاف ليف.
إن عملية توزيع ما يقرب من أربعين ألف ليف عصبي على عضلات العين المختلفة يجب أن تتم بمنتهى الدقة فأخطاء بسيطة في عملية التمديد قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. ويزداد الأمر تعقيدا عندما نعلم أن هذه الألياف يجب أن يمر بعضها على عقدة عصبية (Ciliary Ganglion) ترتبط بأحد ظفائر النظام العصبي الودي كما هو واضح في الشكل المرفق.
ومن المؤسف أن الإنسان لا يقدر نعمة تحريك عينيه في كل اتجاه بكل سهولة ويسر وبمجرد أن نعطيها الأمر لفعل ذلك بينما يقف وراء عملية التحريك هذه أنظمة بالغة التعقيد أقل ما فيها تعقيدا هو تمديد هذه الآلاف من الألياف العصبية أما البرامج المسؤولة عن توليد وإرسال الإشارات العصبية لهذه العضلات والموجودة في مراكز التحكم في الدماغ وفي العقد العصبية فإن فيها من التعقيد ما فيها ولا زال العلماء يجهلون كثيرا من أسرار عملها.
إن مما يدل على أن هذا النظام العصبي قد صمم من قبل خالق عليم قدير سبحانه وتعالى هو في عبقرية الطريقة المستخدمة في نقل الألياف العصبية من مراكز التحكم في الدماغ إلى أماكن تأثيرها في جميع أنحاء الجسم. فعندما تخرج هذه الألياف من المراكز العصبية يتم تجميعها على شكل حزم وبدون تغليف طالما هي في داخل الدماغ والحبل الشوكي وذلك لكي لا يزداد الحيز الذي تحتله فيهما.
وقد تم تحديد مسارات خاصة لكل حزمة في الحبل الشوكي لكي لا تختلط الأنواع المختلفة من الألياف ببعضها كما شرحنا ذلك آنفا. ولكن بمجرد خروج هذه الألياف من الحبل الشوكي فإنه يتم تغليفها على شكل كيبلات يسهل تمديدها بين أعضاء الجسم المختلفة لكي تصل إلى أهدافها بسهولة ولحماية الألياف العصبية من التلف.
وغالبا ما يحتوي الكيبل الرئيسي على كيبلات أصغر حجما يحتوي كل منها على ألياف عصبية من نفس النوع مما يسهل من عملية توزيع الألياف على أعضاء الجسم. ويوجد أربع مستويات من التغليف أولها تغليف المحور العصبي أو الليف العصبي (axons) بطبقة المايلين الدهنية (Myelin sheath) والتي تزيد من سرعة انتشار النبضات الكهربائية في الليف.
أما ثانيها فهو تغليف الليف بنسيج ضام(Endoneurium) ومن ثم يتم تجميع الألياف على شكل حزم (Fascicles) كل حزمة تحتوي في الغالب على نفس النوع من الألياف ويتم تغليفها ثالثا بنسيج ضام آخر (Perineurium) ومن ثم أخيرا يتم تغليف جميع الحزم بنسيج ضام رئيسي (Epineurium).
ويحتوي الكيبل العصبي إلى جانب الألياف العصبية على شرايين وأوردة لتغذية المحاور والزوائد الشجرية بما تحتاجه من غذاء. وقد صنف العلماء الألياف من حيث وظيفتها وقطرها وسرعة انتشار النبضات فيها إلى أنواع متعددة مع العلم أن سرعة الانتشار تزداد مع زيادة قطر الليف العصبي.
فمن حيث الوظيفة يوجد ألياف حركية وألياف حسية وألياف ذاتية فالألياف الحركية لها نوعان وهما نوع ألفا (α) الذي يتراوح قطره بين 13 و 20 ميكرومتر وسرعة انتشاره تتراوح بين 80 و 120 متر في الثانية ونوع جاما (α) الذي يتراوح قطره بين 5 و 8 ميكرومتر وسرعة انتشاره تتراوح بين 4 و 24 متر في الثانية. أما الألياف الحسية فهي أربعة أنواع فالنوع الأول هو نوع ألفا (Aα) الذي يتراوح قطره بين 13 و 20 ميكرومتر وتتراوح سرعة انتشاره بين 80 و 120 متر في الثانية ويستخدم بشكل رئيسي لنقل الإشارات الحسية من المغازل العضلية (muscle spindle). أما النوع بيتا (Aβ) فيتراوح قطره بين 6 و 12 ميكرومتر وتتراوح سرعة انتشاره بين 30 و 80 متر في الثانية ويستخدم لنقل الإشارات الحسية في معظم المستقبلات الميكانيكية (mechanoreceptors). وأما النوع دلتا (Aδ) فيتراوح قطره بين 1 و 5 ميكرومتر وتتراوح سرعة انتشاره بين 5 و 30 متر في الثانية ويستخدم لنقل الإشارات الحسية في مستقبلات اللمس والحرارة. أما النوع سي (C) فيتراوح قطره بين 0.2 و 1.5 ميكرومتر وتتراوح سرعة انتشاره بين 0.5 و 2 متر في الثانية بسبب أنه غير معزول بطبقة المايلين الدهنية كما في الأنواع الأخرى ويستخدم في الألياف القصيرة. أما الألياف الذاتية فمنها نوعان وهما نوع بي (B) الذي يتراوح قطره بين 1 و 5 ميكرومتر وسرعة انتشاره تتراوح بين 3 و 15 متر في الثانية ويستخدم في ألياف ما قبل العقدة (Preganglionic fibers) ونوع سي (C) فيتراوح قطره بين 0.2 و 1.5 ميكرومتر وتتراوح سرعة انتشاره بين 0.5 و 2 متر في الثانية ويستخدم في ألياف ما بعد العقدة (Postganglionic fibers). أما الطريقة التي تعمل من خلالها الخلية العصبية في نقل ومعالجة الإشارات العصبية فقد شرحناها في مقالة الدماغ. وأخيرا أعتقد أن القارئ بعد قراءته لتركيب النظام العصبي الطرفي أصبح يقدر تمام التقدير قوله سبحانه وتعالى "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)" الذاريات.
فالله عز وجل يعلم تمام العلم ما في جسم الإنسان وكذلك أجسام الكائنات الحية الأخرى من معجزات الخلق، كيف لا وهو الذي أبدعها، ولذا فقد أمرنا بالتفكر في تركيب أجسامنا لعلنا نوقن بأن الذي صممها خالق لا حدود لعلمه وقدرته. وللأسف أن بعض المختصين في هذا المجال من علماء أحياء وأطباء يرون بأم أعينهم هذه المعجزات في تركيب أجسامهم ثم لا يوقنون بأن الله عز وجل هو الذي أبدعها بل ويصل الجهل ببعضهم إلى درجة اعتقادهم بأنها قد خلقت بالصدفة. وسأستعرض مع القارئ بعض أوجه الإعجاز في تركيب النظام العصبي الطرفي فقد يقرأ بعض الناس عن تركيب النظام العصبي وغيره من الأنظمة ولكنهم لا ينتبهون إلى أوجه الإعجاز فيها ولكن بمجرد تذكيرهم بها فإن أذهانهم ستتفتح على عالم ملئ بالأسرار والمعجزات.
إن أبسط أوجه الإعجاز في هذا النظام هو وجود ما يزيد عن ستة ملايين ليف عصبي في كيبل يبلغ قطره سنتيمتر واحد فقط وهو الحبل الشوكي بل إن هذه الألياف لا تحتل فعليا إلا أقل من نصف مساحة مقطع الحبل حيث يوجد إلى جانب هذه الألياف أجسام ما يقرب من بليون عصبون. وللمقارنة فإن أضخم الكيبلات المستخدمة في أنظمة الهواتف لا يتجاوز عدد الأسلاك فيها ثلاثة آلاف سلك وبقطر يصل لعدة عشرات من السنتيمترات ويلزم تلوين وترقيم كل سلك منها لكي يتم التعرف عليها ومن ثم ربطها بأقل جهد ممكن. إن من ينظر من غير المختصين إلى كيبل الهواتف الضخم المشاهد في الصورة قد يصاب بالدهشة ولا بد أن يعجب من قدرة المهندسين على التعامل مع هذه العدد من الأسلاك بحيث يضمنوا وصول المكالمات الهاتفية للمنازل بدون أخطاء. ولكن يجب أن تكون الدهشة أشد عندما يعلم أن الحبل الشوكي يحتوي على ملايين الألياف العصبية وتربط نفسها بنفسها ولكن بهداية من الله عز وجل.
ومن معجزات الحبل الشوكي هو غياب التداخل بين الإشارات الكهربائية التي تحملها هذه الملايين من الألياف العصبية رغم أن محصورة في حيز ضيق جدا ورغم أن أقطارها تقاس بالميكرومترات بينما نجد أن المهندسين يعانون أشد المعاناة من ظاهرة التداخل بين المكالمات الهاتفية (Crosstalk) المحمولة في نفس الكيبل. ومن أوجه الإعجاز هو تمديد وربط ما يزيد عن عشرة ملايين ليف عصبي بين مراكز الدماغ وبين أعضاء الجسم بحيث يتم ربط خلية محددة في الدماغ بخلية محددة في أحد أعضاء الجسم بنسبة خطأ لا تكاد تذكر. إن تمديد وربط الأسلاك في كيبلات الهواتف تتم من قبل أشخاص يسمعون ويبصرون ويعقلون ولهم أيدي يمسكون بها الأسلاك ومعدات تقوم بعملية الربط بينما هذه الملايين من الألياف العصبية لا يوجد من يمددها ولا من يربطها بل تمدد وتربط نفسها بنفسها وذلك بهداية من الله عز وجل.
إن عملية التمديد هذه تتم بعدد ما يخلق الله سبحانه وتعالى من كائنات حية في كل يوم والتي تعد بمئات البلايين ولو أن الأمر قد ترك للصدفة لتقوم بمهمة التمديد شبه المستحيلة لما رأينا بلايين الطيور تطير بكل اتزان في جو السماء ولما رأينا بلايين الأسماك وهي تسبح بكل رشاقة في مياه البحار ولما رأينا بلايين الدواب التي تسير على بر الأرض بكل طمأنينة منها ما يزحف على بطنه ومنها من يمشي على رجلين ومنها من يمشي على أربعة أرجل أو أكثر من ذلك! وليتخيل القارئ معي عواقب الأخطاء في عملية تمديد الأعصاب في الجسم فلو تم ربط الأعصاب التي تتحكم باليد بمركز تحكم اللسان في الدماغ وذلك على سبيل المثال فإن الشخص عندما ينوي تحريك لسانه فإن لسانه لن يتحرك بل تتحرك يده بدلا من ذلك. وأذكر القارئ وهو يتفكر في عملية مد الألياف أن هذه الألياف تمر وهي في مسارها بمحطات ترحيل مختلفة يتم فيها إعادة ربط الليف العصبي بليف جديد لكي يصل إلى مسافات أبعد وتختلط كذلك ببعضها البعض في مسارات الحبل الشوكي وكيبلات الأعصاب الطرفية ويعاد أيضا ترتيبها في الضفائر العصبية.
وأعتقد أن الشخص الذي يتفكر بعمق في عملية مد الأعصاب سيصاب بالصداع إذا ما تابع رحلة أحد الأعصاب وهو يشق طريقه من الدماغ إلى أن يصل إلى مكان عمله في أحد أعضاء الجسم. فعلى سبيل المثال فإن الأعصاب الشوكية الذاهبة إلى اليد تخرج من مراكز مختلفة في الدماغ وتمر أثناء سيرها في الدماغ بعدة محطات تحكم ومن ثم يتم توزيعها على المسارات المختلفة في الحبل الشوكي لتختلط مع بقية الألياف العصبية الذاهبة لبقية أعضاء الجسم. وعند وصول هذه الألياف للفقرات العنقية تبدأ بالانفصال عن بقية الألياف من المسارات المختلفة لتخرج الألياف الحسية من جهة والحركية من جهة لتتحد بعد خروجها من الحبل الشوكي في كيبل عصبي واحد. إن المعجزة الكبرى التي تصدع رأس من يفكر بها هي في كيفية انفصال ألياف اليد التي تعد بمئات الآلاف عن بقية الألياف دون أن يتخلف منها ليف واحد عند فقرات محددة ثم تتجمع الألياف الحسية مع بعضها البعض والحركية مع بعضها البعض ثم تتحد المجموعتين مع بعضهما ليتم تغليفهما بعازل واحد. وللقارئ أن يكمل بنفسه رحلة هذه الأعصاب حتى تصل إلى أهدافها على ضوء الشرح السابق ليكتشف معجزات لا تعد ولا تحصى يعجز الإنسان مهما أوتي من بيان عن شرحها وصدق الله العظيم القائل "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)" لقمان.

el-rahmapt

مركز الرحمة للعلاج الطبيعى المكثف للأطقال

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1498 مشاهدة
نشرت فى 3 فبراير 2011 بواسطة el-rahmapt

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

2,393,116

مركز الرحمة للعلاج الطبيعى

    أ.د/ محمد على الشافعى
 استاذ مشارك العلاج الطبيعى للأطفال  بكلية العلاج الطبيعى جامعة القاهرة و استشارى العلاج الطبيعى المكثف للأطفال 
لمشاهدة قناه الفيديو الخاصة بالمركز 

اضغط