الأمراض الوراثية هي مجموعة كبيرة من الأمراض، تحدث نتيجة خلل في واحدة أو أكثر من المورّثات Genes، المحمولة على الصبغيات Chromosomes -هذه الصبغيات الموجودة ضمن نواة كل خلية من خلايا جسمنا- هذه المورثات هي المسؤولة وبآلية شديدة التعقيد عن نقل الصفات الوراثية من جيل إلى آخر، وكذلك نقل الصفات الوراثية الأدق داخل العائلة الواحدة.

لذلك فإن أي خلل في هذه المورثات وبأي سبب كان (وهو غير معروف، وما أظنه سيعرف يومًا)، سيؤدي إلى ما يعرف بالتشوهات الخلقية التي هي تخليق غير طبيعي لعضو أو جزء من عضو، وهو ما يؤدي إلى خلل في وظيفة ذلك العضو أو الجزء من العضو، والسبب إما أن يكون وراثيًّا أو غير وراثي: كإصابة الأم الحامل ببعض الأمراض أثناء الحمل، أو تعرضها إلى نوع معين من الأشعة، أو تناولها لبعض الأدوية.

وغالبًا تطلب الاستشارة الوراثية من طبيب اختصاصي بالأمراض الوراثية للإجابة على سؤال محدد وهو: ما هي احتمالات أن ألد طفلاً مشوهًا (أي يحمل تشوهًا خلقيًّا Malformation)، أو طفلاً يحمل مرضًا وراثيًّا خطيرًا أو معقدًا.

ويلجأ لهذه الاستشارة عادة إحدى الحالات الآتية:
1. عروسان مقبلان على الزواج: وعَلِما أن في عائلة أحدهما أو كليهما، أمراضًا وراثية خطيرة، أو حالات متكررة من التشوهات الخلقية، فأتيا قبل الزواج يسألان عن احتمال حدوث مثل هذه الإصابات في ذريتهما.
2. عروسان من عائلة واحدة مقبلان على الزواج: أقبلا يستعلمان عن احتمال أن تظهر في ذريتهما أمراض وراثية خطيرة، أو حالات من التشوهات الخلقية.
3. زوجان سعيدان: لكن الله سبحانه امتحنهما، فرزقهما طفلاً مشوهًا، أو طفلاً يحمل مرضًا وراثيًّا، فجاءا يستفسران عن احتمالات تكرار نفس الإصابة في الحمول اللاحقة.
4. زوجان سعيدان أيضًا: لكن الزوجة المسكينة، تكررت عندها الإسقاطات التلقائية Abortions (أي إسقاطات دون سبب واضح)، فجاءت تستفهم إن كانت تحمل خللاً وراثيًّا يقف وراء هذه الحالة عندها.

ويقوم الطبيب بإجراء دراسة مستفيضة، ثم فحص سريري كامل، مستعيناً ببعض الوسائل التشخيصية الحديثة، وذلك بالتسلسل التالي:

1 - استجواب مفصل للعروسين أو الزوجين عن: عمرهما، طوليهما، وزنيهما، صلة القرابة بينهما إن وجدت ودرجتها، أمراض أصابتهما، أمراض أو حالات من الإعاقة في عائلتيهما، وأسئلة أخرى بحسب كل حالة. ويكون هذا الاستجواب دقيقاً ومفصلاً وكافياً لإعطاء فكرة واضحة عن احتمال أو عدم احتمال حدوث الإصابات المفتش عنها، يتبعه فحص سريري لكلا العروسين أو الزوجين.

2 - إذا ما تم اكتشاف مرض ما يمكن أن ينتقل وراثياً في العائلة، فباستطاعة اختصاصي الوراثة أن يعطي احتمالات تكرار هذا المرض في الذرية والذراري القادمة، وذلك في كثير من الحالات المرضية وليس كلها.

3 - إذا ما رجح احتمال حصول إصابة ما، وفي حال إذا حصل الزواج والحمل، فإن الزوجة الحامل ستخضع لمراقبة طبية دقيقة أثناء فترة الحمل، وذلك بالآتي:
- مراقبة الجنين بالسونار (Echography أو Ultrasound) لمعرفة جنسه، شكله، نموه وتطوره، ظهور تشوهات في أعضائه، وذلك بشكل منتظم ودوري حتى نهاية الحمل.
- إذا كان الاحتمال كبيراً في حدوث الإصابة بمرض وراثي خطير، أو حصول مرض مشوه، فلا بد حينئذ من إجراء فحص آخر يكون مرافقاً ومعيناً للمراقبة بالسونار، وهو أخذ عينة من السائل الأمنيوسي ( (Amniocentesisالمحيط بالجنين، وذلك في حوالي الأسبوع السابع عشر من الحمل (الخامس عشر من التلقيح.. حيث يحسب عمر الحمل عند اختصاصاي الولادة وفي العالم أجمع، اعتباراً من آخر يوم للطمث، أي قبل أسبوعين تقريبًا من التلقيح)، ويتم ذلك بواسطة إبرة طويلة ودقيقة، وعبر جدار بطن الحامل، وتجري على هذه العينة دراسات معقدة ومتطورة لمعرفة وبدقة شديدة نوع الإصابة وشدتها، فيحدد حينئذ وبحسب المعارف العلمية الحالية، درجة الإعاقة الممكنة، أو درجة الإصابة المتوقعة.
- وهناك فحصان آخران أشد تعقيدًا، سأشير إليهما فقط، وهما:
تنظير الجنين Fetoscopy: أي رؤية الجنين مباشرة، وبواسطة منظار يدخل في عملية معقدة إلى داخل السائل المحيط بالجنين، وهذا المنظار يسمح بإجراء فحص دم الجنين وكذلك إجراء خزعة من جلده أو أحد أعضائه، وأما الفحص الثاني فهو: إجراء خزعة Biopsy لمكان اتصال الجنين بالمشيمة Trophoblaste.

وبهذه الوسائل السابقة الذكر، يمكننا حاليًّا أن نؤكد أو ننفي إصابة الجنين بمرض وراثي خطير أو تشوه شديد قبل الأسبوع السابع عشر من الحمل (أي الخامس عشر من الإلقاح).

وليس باستطاعتنا حاليًّا علاج هذه الإصابات لا داخل الرحم ولا بعد الولادة؛ ولذلك فإن العلاج الوحيد المقترح عند التشخيص المبكر يبقى هو التخلص من الجنين المصاب، وذلك قبل مولده.

إذن.. إذا تم التأكد من حدوث الإصابة بعد هذه المراقبة والدراسة، يقترح على الأبوين إمكانية إجراء الإجهاض Abortion، أي إسقاط الجنين قبل مولده، وفي هذا تفصيل علمي وأخلاقي وشرعي.
ففي شريعتنا الغراء أباح الفقهاء إجهاض الجنين المشوه تشوهاً شديداً، قبل مرور 120 يوماً تحسب من لحظة الإلقاح: أي قبل (17) أسبوعًا ويوماً واحداً من الإلقاح، وذلك يترتب على رغبة الأبوين في ذلك.
ولقد صدر ذلك عن المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي (دورة جدة 15 رجب 1410 هجرية، 10 فبراير 1990 ميلادية) استناداً إلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: "إن أحدكم يجمع خلقه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح"، أي أن نفخ الروح يحدث في اليوم الـ120 بعد الإلقاح.

وأباح الفقهاء الإجهاض بعد هذه الفترة، أي بعد مرور 120 يوماً من الإلقاح، وذلك بشرط واحد وهو أن يكون في استمرار الحمل خطراً مؤكداً على الأم، فيُضحى بالجنين لإنقاذ حياة الأم، ولغير هذا السبب لا يجوز إسقاط الجنين بعد هذه الفترة؛ لأن ذلك يُعَدّ قتلاً لنفس بشرية قد نفخت فيها الروح.

ويبقى هنا عزيزتي كيفية الوقاية من هذه الأمراض الوراثية، ومن العجيب أن أفضل وسيلة لذلك أتى في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اغتربوا ولا تضووا"، أي أنكحوا من الأباعد، حتى لا تقعوا في الأمراض التي تضوي الأبدان، أي تنهكها ببطء، وفي هذا الحديث الشريف معجزة نبوية تعجب لها أكبر أستاذ فرنسي في الأمراض الوراثية هو البروفيسور MUNNICH Arnold من مشفى NECKER في باريس، حين أخبرته في أحد المؤتمرات بهذا الحديث عن رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، فتعجب الرجل، ودهِش ثم قال لي: إن له أصدقاء أطباء من إحدى بلادنا العربية أعلموه أن 75% من الزيجات في هذا البلد تحدث بين الأقارب!!.. وتساءل الرجل: لماذا لا تطبقون هذه القاعدة العلمية الوقائية العجيبة في بلادكم؟!

وأنا بدوري أتوجه بهذا السؤال إلى أبناء أمتي الحبيبة وعلى امتداد وطننا الإسلامي الكبير.. لماذا لا نباعد في الزواج؟.. لماذا ما زال أكثر آبائنا يرون في ابنة العم أو العمة أو في ابنة الخال أو الخالة، أفضل من يسعد أبناءهم؟!، "يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، فباعدوا.. باعدوا في الزواج قدر ما تستطيعون، و"اغتربوا ولا تضووا"

المصدر: مركز الرحمة
el-rahmapt

مركز الرحمة للعلاج الطبيعى المكثف للأطقال

  • Currently 22/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 541 مشاهدة
نشرت فى 24 يناير 2011 بواسطة el-rahmapt

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

2,405,287

مركز الرحمة للعلاج الطبيعى

    أ.د/ محمد على الشافعى
 استاذ مشارك العلاج الطبيعى للأطفال  بكلية العلاج الطبيعى جامعة القاهرة و استشارى العلاج الطبيعى المكثف للأطفال 
لمشاهدة قناه الفيديو الخاصة بالمركز 

اضغط