أفزعنى أن أقرأ كلاماً فى «المصرى اليوم»، صباح أمس، للدكتور أحمد كريمة الذى عرفناه، بامتداد سنين مضت، باعتداله، وتعقله، واتزانه، فإذا به، فيما كتبه بيديه صباح أمس، شخص آخر تماماً، لم نعرفه من قبل، ولا نعرفه اليوم، ولا يجوز أن نعرفه غداً!
فالدكتور كريمة يروى فيما يصفه بأنه حديث عن الرسول، عليه الصلاة والسلام، أنه قال إن أمته سوف تقف أمام ربها، يوم القيامة، ثلاثة أصناف: صنف سوف يدخل الجنة بغير حساب، وصنف سوف يخضع لحساب يسير، ثم يلحق بسابقه، ثم ثالث سوف يأتى وقد ارتكب أفراده ذنوباً مثل الجبال الراسيات، فيسأل عنهم الله تعالى، وهو أعلم بهم، فيقال لله: هؤلاء عبيد من عبادك، فيقول ربنا تعالى: حطوا عنهم ذنوبهم، واطرحوها على اليهود والنصارى، ثم أدخلوهم الجنة!
فما معنى هذا الكلام؟!.. معناه، كما يرويه الدكتور كريمة، الذى صدمنى بكلامه، وأظن أنه سوف يصدم كل صاحب إحساس، أن مسلماً من بيننا يمكن أن يرتكب جرائم وذنوباً بلا حصر، وأنه سوف يأتى القيامة، بذنوبه وجرائمه هذه، ليحاسبه خالقه عليها، فإذا بها بنص الحديث مأخوذة منه وموضوعة فى ميزان شخص آخر، يهودى أو مسيحى، وإذا بصاحبنا الذى جاء محملاً بذنوب وخطايا ارتكبها هو قد دخل الجنة، لأن شخصاً آخر، لا علاقة له بالموضوع من أوله لآخره، قد حملها عنه، لا لشىء، سوى أنه يهودى أو مسيحى!
هل هذا كلام يا مولانا؟!.. وهل عدالة السماء تقبل بظلم من هذا النوع، وهل يمكن أن ينطلى علينا معنى كهذا، فى وقت نقرأ فيه فى القرآن، فى كل صباح، ما معناه أن اليهود أهل كتاب سماوى مثلنا تماماً، وأن المسيحيين مثلهم، وأن السماء قد خاطبتهم من خلال موسى عليه السلام، ثم عيسى عليه السلام، بمثل ما خاطبتنا من بعدهما بمحمد عليه الصلاة والسلام؟!
هل يتقبل عقلك، يا مولانا، أن الله تعالى، الذى وصف ذاته بالعدل، فى أسمائه الحسنى، يمكن أن يقبل أن يحمل شخص خطيئة عن شخص آخر، لمجرد أن الذى عليه أن يحملها يهودى أو مسيحى؟!
هل هذا كلام يقال ما مولانا؟!.. وهل يقبل رسولنا الكريم بظلم كهذا لشخص يهودى أو مسيحى، وقد كان كما قرأنا عنه عليه الصلاة والسلام، يقف لجنازة اليهودى إذا مرت به، فإذا نبهه أصحابه إلى أنها ليهودى، راح يتطلع إليهم فى دهشة وهو يقول ما معناه إنها جنازة لإنسان.. نعم إنه إنسان.. وهذا يكفى جداً.
ما ذنب اليهودى أو المسيحى يا مولانا، فى جريمة، أو خطيئة ارتكبها شخص مسلم، وعليه هو وحده، لا غيره، أن يحملها، لا أن يحملها عنه سواه؟!
يعرف الدكتور كريمة، ونعرف معه، أن هناك أحاديث موضوعة، بمعنى أن الرسول الكريم لم يحدث أن قالها، وإنما نسبها إليه آخرون زوراً، فيما بعد حياته، وهى أحاديث كثيرة، ويقينى أن هذا حديث منها، حتى ولو كان قد جاء فى صحيح البخارى، لأنه ببساطة شديدة يصطدم اصطداماً مباشراً مع عقولنا التى خلقها الرحمن، ومع مقاصد ديننا العليا، التى تعلمناها من قرآننا الكريم، ومن أحاديث نبينا الشريفة، وكلها لا تتكلم عن شىء سوى عن السماحة، والكرم، والنبل، والجمال، والقيم الرفيعة، بشتى أنواعها، ثم عن العدل، باعتباره القيمة الأعلى فى التعامل مع جميع الناس، بصرف النظر تماماً عن دين كل واحد فيهم.
إننى لا أعرف حقيقة الشعور الذى سوف ينتاب شخصاً مسيحياً يعيش بيننا، وهو يقرأ كلاماً كهذا، ثم لا أعرف حقيقة الشعور الذى سوف يتلبس يهودياً على أرضنا، أو خارجها، وهو يطالع هذه المعانى المنشورة لشيخ جليل من شيوخنا، ولكن ما أعرفه أن كل واحد منهم، له عندى اعتذار، بصفة شخصية، ثم إن له، كما هو لى بالضبط، عتاباً على «المصرى اليوم» مادامت قد تحملت مسؤولية نشر كلام لا يرضاه الله تعالى، ولا يرضاه رسوله، ولا ترضاه الفطرة الإنسانية ذاتها، فى أى أرض، ولا فى أى مكان، لأنه بصراحة افتراء على السماء!