الحوسبة العضوية
د. هويدا ابو الغيط
تسبب الإشارات المرورية أحيانا مزيد من الإختناق المرورى بصفة خاصة فى وقت الذروة وإرتفاع الكثافة المرورية، ويرجع ذلك إلى أنها تعمل وفق برنامج زمنى ثابت ومحدد مسبقاً، وفى معظم الأحيان دون مراعاة التوزيع الآلى والمتغير للكثافة المرورية . ولمعالجة ذلك يسعى العلماء إلى تطوير أنظمة ذكية تتأقلم مع الوضع المتغير، وتكون علاوة على ذلك قادرة على التعلم أيضاً .
فيتبنى عدد من الباحثون من مختلف التخصصات العلمية مبادرة "الحوسبة العضوية" بإشراف البروفسور "كريستيان مولر-شلور" من جامعة لايبنيتس فى مدينة هانوفر بألمانيا الإتحادية ويحاول هؤلاء الباحثون دراسة الآليات التى تتبعها الأنظمة البيولوجية المعقدة فى الطبيعة لتبنيها وتطبيقها فى التكنولوجيا. من بين تلك الآليات عملية إيجاد الطرق المنظمة تلقائياً لحشرات النمل على سبيل المثال. ويقول البروفسور مولر-شلور: "عندما تصادف حشرات النمل مصدراً للطعام تبحث عادة على أقصر الطرق إلى وكرها فى ثوان معدودة، وعلينا أن نتساءل: كيف لحشرات النمل أن تنجح فى ذلك على الرغم من محدودية قدراتها الحسية ؟ ".
وإنطلاقاً من الطبيعة تهدف هذه الدراسة إلى إيجاد أنظمة حديثة تتأقلم ذاتياً مع الواقع المتغير حيث تسعى الحوسبة العضوية إلى تقديم الإجابة على ذلك التساؤل المطروح. ويقوم الباحثون بتقليد تلك الأنظمة البيولوجية الطبيعية التى تنظم نفسها ذاتياً وتعمل باستمرار وبصورة تلقائية أيضاً على إيجاد الحلول المثلى وتصويب الأخطاء وتفادى المخاطر. إنهم يدرسون تلك الآليات الذاتية المتعددة والمتنوعة لمستعمرات الحشرات فى الطبيعة ويحاولون تطبيقها فى التكنولوجيا. ففى مدينة دارمشتات على سبيل المثال سيتم فى منتصف العام 2016، تركيب إشارات مرورية ضوئية حديثة تستجيب بطريقة ذكية لمتغيرات الكثافة المرورية فى الطرقات.
غير أن الحوسبة العضوية لا تقف عند تنظيم السير وحسب، بل تتعداه إلى تنفيذ مهام أخرى متنوعة. ففى معهد كارلسروة للتكنولوجيا (كيت) يقوم باحثون فى مجالى المعلوماتية والهندسة الإلكترونية إضافة إلى طبيب مختص فى فيسولوجيا الأعصاب بتطوير رجل آلى "روبوت" ذاتى التحكم والبرمجة لتوظيفه فى مجال الإنتاج الصناعى. وبدلاً من تنفيذ خطوات متتالية محددة مسبقاً، يقوم الروبوت الحديث بتفحص الوضع وتحليله أولاً ومن ثم يقرر ماذا يفعل. وتلجأ الروبوتات ذاتية التحكم بمساعدة عملية تشبيك تلقائى إلى تكوين أنظمة جزئية متناسقة ومتكاملة من الخطوات الآلية لإنجاز المهام المطلوبة منها. وفى حال تعطل بعض الأنظمة الجزئية أو إنشغالها فوق الحد المسموح به، تقوم الروبوتات باكتشاف الأمر وإعادة توزيع المهام بشكل أفضل .
ونأمل أن تقوم المراكز البحثية بدورها نحو إيجاد حلول للمشكلات المجتمعية المختلفة حتى يمكن مسايرة التقدم العلمى السريع والمستمر، وفى هذا الصدد نأمل أن تتبني جامعة الدول العربية إنشاء مركز بحثى علمى عربى يتولى تلك المهام فى إطار معرفى شامل ويضمن التداخل والتكامل بين التخصصات العلمية المختلفة .