نظرا لاتساع الحيز الإقليمي للدول يتم تقسيم الدولة الي أقاليم إدارية بأشكالها المختلفة، والذي عادة ما يتأثر بالظروف التاريخية وبالطبيعة الجغرافية والاجتماعية لکل دولة، لتقريب الخدمات العامة للسكان من جانب، وتطبيق القوانين والمحافظة علي الأمن والنظام العام بفاعلية من جانب أخر. ويختلف الحيز الجغرافي لهذه الأقاليم کما تختلف في درجاتها ومستواها التنظيمي، فهناك الأقاليم ذات مساحة جغرافيّة کبيرة، مثل المحافظات والتي تتولي في الغالب مهام تنسيقية وإشرافية وتعد مستوي أوسط بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية، وأقاليم متوسطة الحجم مثل المراكز والمدن الكبرى، کما ان هناك الأقاليم صغيرة الحجم مثل القري.
ومن المفترض أن تولي الدول اهتماما خاصا بتوفير المقومات التنظيمية التي تمکن الوحدات الإقليمية الكبرى والوسيطة بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية بالمدن والقري من الإشراف علي توفير الخدمات العامة وإدارتها بكفاءة، لما في ذلك من أهمية في الحد من الهجرة الداخلية الي المدن الکبرى، والذي يؤدي الي ظهور عديد من المشكلات مثل التلوث البيئي والزحام والفقر وظهور المناطق العشوائية. وما يجب التأكيد عليه أن تحقيق الأهداف التنموية بأعلى قدر من الفعالية والكفاءة يتوقف علي حسن اختيار الأسلوب التنظيمي والإداري للوحدات الإدارية الإقليمية.
من المعلوم أن الأساليب التنظيمية التي تأخذ بها الدول في توزيع المهام والاختصاصات الحکومية بين الوزارات والوحدات الإدارية الإقليمية هي:
عدم التركيز الإداري:Déconcentration)) وهو اسلوب يعمل علي التخفيف من ترکيز سلطة اتخاذ القرارات في الوزارات بالعاصمة ، حيث يتم إنشاء فروع إقليمية تابعة لها تنظيمياً لمباشرة مهامها بالمناطق المختلفة بالدولة ، ووفقا لهذا الأسلوب تخضع هذه الوحدات الإقليمية للإشراف والرقابة الفنية والإدارية والقانونية للوحدات التنظيمية الأعلى بالوزارة، کما أنها لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية ولا تعد من وحدات الإدارة المحلية . ويساعد هذا الأسلوب علي تقريب الخدمات العامة للسكان وتنفيذ القوانين بفاعلية. وسرعة حل المشكلات التي قد تواجه سير العمل الإداري نظرا لقرب هذه الفروع من المواطنين جغرافيا . ويعد هذا الأسلوب فعالا في تنفيذ المهام والأنشطة ذات الطابع القومي مثل الخدمات المتعلقة بالمحافظة علي الأمن والنظام العام ، والدفاع والقضاء .
اللامركزية: وهذا الأسلوب يقوم علي إنشاء هيئات عامة تتمتع بالشخصية الاعتبارية ينقل إليها بعض مهام واختصاصات الوزارات، أي انه يتم استخدام آلية النقل Devolution، التي تعني هنا إعادة توزيع السلطات والمسئوليات بين السلطات المرکزية (الوزارات) وبين الوحدات التنظيمية المستقلة الجديدة بشکل قانوني بحيث تصبح ما ينقل إليها من مهام اختصاصات أصيلة قانونية لا يجوز للسلطة المركزية انتزاعها منها . وتأخذ هذه الوحدات اشکال ودرجات استقلال مختلفة، ويعد أعلي درجات اللامركزية هي اللامركزية السياسية، ومن أشكالها الأخرى اللامركزية الإدارية التي تتفرع الي اللامركزية الإدارية المصلحية( المرفقية) واللامركزية الإدارية الإقليمية. ونظرا لأن اللامرکزية المصلحية تقوم علي منح هيئات متخصصة قدر من الاستقلال ولا تتعلق بتوزيع المهام الحکومية الي وحدات إقليمية لذا سنکتفي بتوضيح اللامرکزية السياسية والإدارية الإقليمية کما يلي:
اللامرکزية السياسية: وهو اسلوب تنظيمي يعتمد علي تقسيم الدولة الي وحدات إقليمية شبه سياسية ومستقلة وتشکل بها مجالس منتخبيه من سکان الإقليم تملك في الغالب سلطات تشريعية، وتختص هذه الوحدات الإقليمية بسلطات واختصاصات واسعة إدارية وتنفيذية ومالية.. لذا يري أساتذة القانون ان الصورة الواضحة لهذا الأسلوب يظهر في الدول الفيدرالية التي تتکون نتيجة لاتحاد دول او کيانات مختلفة نتيجة ظروف تاريخية واتفاقيات سياسية .علي اية حال تتمتع الوحدات الإقليمية هنا وفق هذا الأسلوب باستقلال تشريعي وإداري واسع يحدده الدستور الاتحادي ويرأسها في الغالب رئيس منتخب.
اللامرکزية الإدارية الإقليمية.. وتعني نقل مجموعة من الاختصاصات الإدارية والتنفيذية من الوزارات، والمتعلقة بإدارة الخدمات العامة المرتبطة بحياة السكان اليومية، لوحدات محلية لممارستها في نطاق جغرافي محدد. وقد اتجهت غالبية الدول علي تشكيل مجالس منتخبة من المقيمين بنطاق هذه الوحدات للمشارکة في إدارة ما نقل إليها من اختصاصات، وذلك لإتاحة الفرصة للمواطنين للاهتمام بالشؤون العامة؛ وهذا النوع من اللامركزية يساعد علي تعميق الديمقراطية، وينمي المسئولية الاجتماعية ويخفف من أعباء الوزارات مما يمكنها من القيام بمهامها الأساسية وهي وضع الخطط القطاعية والاستراتيجية، والإشراف علي تنفذيها.
ويلاحظ ان عملية نقل الاختصاصات في هذا النوع من اللامركزية الي وحدات إقليمية ومحلية قد تتسع او تضيق تبعاً لظروف کل دولة، وتميل الدول الغربية إلي التوسع في نقل الاختصاصات لها ومنحها سلطات اکبر تدريجيا سواء من الجوانب المالية أو الإدارية، وأحيانا قد ينقل إليها الحق في صنع بعض اللوائح القانونية مثل لوائح البلدية (لوائح الضبط الإداري، واللوائح التنظيمية)، والحق في فرض الضرائب والرسوم المحلية. ومن هنا تعددت المسميات للنظم المحلية، فقد تفضل بعض الدول استخدام مصطلح الحکم المحلي، ويفضل دول أخري مصطلح إدارة محلية نظرا للطابع الإداري والتنفيذي لمهام هذه الوحدات الإقليمة کما هو الحال بالنسبة للدساتير المصرية. ويجب الإشارة أنه نظراً للتوسع في نقل الاختصاصات التنفيذية والإدارية للوحدات المحلية في بعض الدول الغربية علي سبيل المثال في المملکة المتحدة، وفرنسا يري البعض أن هذه الدول تتجه إلي تطبيق نظم شبه فيدرالي أي انها تتجه نحو تطبيق اللامرکزية السياسية تدريجيا. ويجب التأکيد هنا ان الدول عادة ما تعتمد علي کل من اللامرکزية الإدارية وعدم الترکيز الإداري في إدارة المهام الإدارية والتنفيذية للدولة.