Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

 

جدوى تدخل الهيئات قضائية في تأديب الموظف العام   

ا.د. ماهر الصواف

 

تعتمد الشركات الكبري الخاصة علي نظام مرن لتأديب العاملين بها  وعادة تمنح  الرئيس المباشر والإدارة العليا للشركة  السلطة الكاملة في معاقبة من يهمل أو يقصر في الأداء من العاملين لديها  وذلك وفقا لمبدأ  "تلازم السلطة والمسئولية " فالرؤساء الإداريين هم المسئولون عن إنجاز المهام المعهود بها إليهم وتحقيق الأهداف الدّاخلة في اختصاصاتهم عن طريق مرؤوسيهم ، ولا شك أن هذه المسئولية هي المبرر لتلك السلطة الرئاسية فحيث توجد المسئولية يجب أن تكون هناك سلطة، وإلا استحال على الرئيس الإداري القيام بأعباء وظيفته. ولا شك أن ذلك يضمن الفعالية لنظام تأديب العاملين. ولعلنا نلمس جميعا حسن المعاملة والانضباط إذا ما تعاملنا مع العاملين بالبنوك والشركات الكبري الخاصة  .

وإذا إنتقلنا إلي نظم  تأديب الموظف العام  بالدول يمكننا التميز بين شكلين مختلفين لهذا النظام هما :

أولاً : حرص بعض الدول علي الفاعلية الإدارية للتأديب و دعم السلطة الإدارية في التأديب وأعطائها سلطات تقديرية في هذا المجال مع  وضع بعض القيود وعدد من الضمانات للموظف خوفا من تعسف الإدارة أثناء ممارستها لحقها في توقيع الجزاء أو غلوها في تقرير العقوبة المناسبة والملائمة مع الخطأ المقترف من الموظف.

ومن الأمثلة الواضحة لذلك نظام التأديب المصري الذي حدده قانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فنصت المادة 85  منه علي انه لوكيل الوزارة أو لرئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه توقيع عقوبتي الإنذار والخصم من المرتب عن مدة لا تجاوز خمسة عشر يوما في السنة الواحدة، وقد حدد القانون عدد من الضمانات للموظف وهي : ضرورة إجراء تحقيق إداري بمعرفة إدارة الشئون القانونية  لسماع أقواله، وتحقيق دفاعه واشترط أن يكون القرار في ذلك مسببا . ايضا لم يجيز القانون توقيع العقوبات الشديدة إلا بقرار من مجلس التأديب .

ويشكل  مجلس التأديب المشار إليه وفق هذا  القانون من:

<!-- اثنين من الموظفين في درجة مدير عام أحدهما من غير المصلحة التابع لها الموظف المحال على المحاكمة التأديبية

<!--ومن نائب من إدارة الفتوي والتشريع بمجلس الدولة

<!--وتكون الرئاسة للمدير العام الأقدم في الدرجة

<!-- ويكون تشكيل المجلس بقرار من الوزير.

كما قضي هذ القانون بتشكيل مجلس التأديب العالي  لمحاكمة موظفي الدرجات العليا عند ارتكابهم المخالفات المالية الإدارية كما  يختص هذا المجلس أيضا بالفصل في الطعون المقدمة إليه عن القرارات الصادرة من مجلس التأديب العادي.

و يشكل هذا المجلس العالي من:

<!-- وكيل مجلس الدولة أو أحد الوكلاء المساعدين أو أحد المستشارين رئيسا ،

<!-- ووكيل ديوان المحاسبة أو ديوان الموظفين ،

<!-- وموظف من الوزارة أو الهيئة المختصة في الدرجة الأولى أو ما يعادلها

وكل ذلك مراعاة للاعتبارات الضمان .

ثانيا : ورغم الضمانات التي وفرها النظام السابق نجد ان مصر أخذت بعد قيام ثروة يوليو 52  بنظام شبه القضائي لأسباب سياسية  مغلبة بذلك إعتبارات الضمان علي حساب اعتبارات الفعالية الإدارية وقيدت حق الجهات الإدارية في محاسبة الموظف وفصل الفاسدين من العاملين  إذا ثبت عدم صلاحيته للعمل وإهماله الجسيم في الأداء .  فطبقاً لذلك النظام تم إنشاء هيئة قضائية مستقلة وهي هيئة النيابة الإدارية  بموجب القانون رقم 480 لسنة 1954 تتولى التحقيق فى المخالفات الإدارية والمالية ،ويكون لها بالنسبة لهذه المخالفات السلطات المقررة لجهة الإدارة فى توقيع الجزاءات التأديبية ، ويكون الطعن فى قراراتها أمام المحكمة التأديبية المختصة بمجلس الدولة، كما تتولى تحريك ومباشرة الدعاوى والطعون التأديبية أمام محاكم مجلس الدولة .

 وقد غلب قانون العاملين المدنيين رقم 47 لسنة 1978م وقانون الخدمة المدنية الآخير  الطابع شبه القضائي بعد ذلك.

وقضي قانون الخدمة المدنية الجديد القواعد التالية:

<!--يجوز لشاغلى الوظائف العليا كل فى حدود اختصاصه  توقيع جزاء الانذار أو الخصم من المرتب بما لا يجاوز ثلاثين يوما فى السنه بحيث لا تزيد مدته فى المرة الواحدة عن خمسة عشر يوما

<!--وللرؤساء المباشرين  الحق فقط في توقيع جزاء الانذار أو الخصم من المرتب بما لا يجاوز خمسة عشر يوما فى السنة بحيث لا تزيد مدتة فى المرة الواحدة على ثلاثة ايام .

<!--وللوزير المختص أو من فى حكمه (المحافظ أو رئيس الهيئة العامة) حفظ التحقيق أو الغاء القرار الصادر بتوقيع الجزاء أو تعديلة وله أيضا إذا الغي الجزاء ان يحيل العامل إلى المحاكمة التأديبية .وله توقيع باقى الجزاءات الواردة فى القانون عدا عقوبتى الاحالة الى المعاش أو الفصل من الخدمه  حيث تختص المحكمة التأديبية بمجلس الدولة بتوقيعهما  .

 

ويلاحظ انه قد أثبتت التجربة التي استمرت أكثر من خمسون عاما  أن نظام التأديب في مصر وتغليب الطابع شبه القضائي للتأديب وإنشاء هيئة النيابة الإدارية لم يساهم في الحد من فرص الفساد و التسيب والإهمال رغم التكلفة المالية والبشرية العالية لهذا النظام ، بل للأسف  قد اتسعت دائرة الفساد والإهمال في الجهاز الإداري للدولة . فبدون شك أن إحاطة نظام التأديب بالضمانات القانونية المبالغ فيها يطيل من إجراءات توقيع العقوبات ويطيل الفاصل الزمنى بين ارتكاب الفعل وتوقيع العقاب، ولا يدرك العاملون الأثر السلبى للسلوك المخالف . فضلا عن ذلك فإنه  كثيرا ما ترفض الجهات القضائية الحكم بفصل الموظف المنحرف إما لإعتبارات إنسانية أو لعدم كفاية الأدلة رغم علم كافة زملائه بما أرتكبة من مخالفات إدارية ومالية . كل ذلك أفقد نظام التأديب في مصر فعاليته.

 

ومن هنا يتعين إقامة التوازن الدقيق بين اعتبارات الضمان وبين اعتبارات الفاعلية، مع دراسة الجدوي المالية والبشرية من التدخل القضائي في تأديب العاملين في الدولة إعمالاً للقاعدة المالية المتفق عليها وهي ( أن تحقق النفقات العامة أكبر قدر ممكن من المنفعة العامة ) وهنا يثور التساؤلات التالية : هل ما ينفق لتسيير أعمال النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية يعادل العائد الإجتماعي ومساهمتها في الحد من الفساد والإهمال الوطيفي ؟  وهل من الأفضل العودة لنظام التأديب الذي حدده قانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي يغلب إعتبارات الفعالية الإدارية وفي نفس الوقت يراعي حقوق الموظف ويقرر عدد من الضمانات للموظف؟  

 

وأعتقد ان ما قرره قانون 210 لسنة 1951 يتفق تماماً مع النظام  المطبق في المؤسسات العسكرية حيث تستقل بنظام تأديب أفرادها ولا تتدخل الهيئة القضائية، واستطاعت بذلك ان تحقق قدراً كبيراً من الانضباط والحد من التسيب والإهمال . لذا نري إنه من الأهمية العودة لنظام التأديب وفق قانون 210 لسنة 1951  حتي يمكن المحافظة علي المال العام وتحقيق أكبر منفعة ممكنة من النفقات العامة من جانب ، ورفع فعالية نظام التأديب بالجهاز الإداري للدولة والحد من الفساد والإهمال والتسيب الذي استشري به من جانب أخر . والله ولي التوفيق.

 

 

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

325,463

ابحث