<!--<!--
دراسة تحليلية للحروب الصليبية الثلاثاء 02 سبتمبر 2008, 06:24
أولاً أحب أن أنوه أن هذا الموضوع مأخوذ من كتاب تاريخ الحروب الصليبيه للمولف استيفن رنصيمان
سواء اعتبرنا الحروب الصليبيه أروع أو أعنف ما قام به المسيحيون فى الغرب من مغامرات أم آخر ما قام به المتبربرون من غارات فإنها تؤلف حقيقه أساسيه فى تاريخ العصور الوسطى ، فالمعروف أن مركز المدنيه قبل الحروب الصليبيه يقع فى بيزنطه وفى بلدان الخلافه الإسلاميه غير أن التفوق فى المدنيه انتقل إلى الغرب قبل أن تنتهى الحروب الصليبيه ومن ثنايا هذا الإنتقال نبت التاريخ الحديث.
ولفهم الحركه الصليبيه ينبغى علينا آلا ندرس فحسب الأحوال فى غرب أوروبا
ما أدى إلى الباعث الصليبى بل لا بد أيضا - ولعل ذلك لا يقل أهميه - أن نفهم أحوال الشرق ما هيأ للصليبين الفرصه ورسم طريق تقدمهم.
لذا ينبغى أن يتحرك نظرنا أثناء البحث من المحيط الأطلسى إلى منغوليا ، فإذا جرت الرؤيه لهذا التاريخ من وجهه نظر عربيه فقط أو فرنجيه فقط أو من وجه نظر ضحاياها الأولون وهم المسيحيون فى الشرق فإن ذلك يجعلهاتفتقد الدلاله والأهميه لأنها على قول المستشرق حيبون قصه نزاع عالمى..
فى احد ايام شهر فبراير سنه 638 م دخل الى بيت المقدس الخليفة عمر بن الخطاب راكبا جملا ابيضا، وكان وقت ذاك يرتدى ثيابا خشنه.. ومع ان الجيش الذى كان يقوده كان خشنا فانه بلغ الاكتمال فى نظامه ، وسار الى جانب الخليفة البطريرك صفرونيوس باعتباره راس رجال الاداره الرومانيه فى المدينه التى اذعنت على ان عمر بن الخطاب بادر بالتوجه راسا الى موقع هيكل سليمان الذى صعد منه صاحبه سيدنا محمد الى السماء ، وبينما كان البطريرك ينظر اليه اثناء وقوفه تذكر قول المسيح عليه السلام : ( فمتى نظرتم رجسه الخراب التى قال عنها دانيال النبى )..
ثم طلب الخليفه زياره المشاهد المسيحيه فصحبه البطريرك الى كنيسه القيامه واطلعه على كل ما بها، وبينما كان فى الكنيسه اقترب موعد الصلاه عند المسلمين فتساءل الخليفه : اين يستطيع ان يفرش قباءه اثناء الصلاة ؟ ، فتوسل اليه البطريك ان يصلى مكانه ، غير انه غيّر مكانه الى خارج الكنيسه كيلا يزعم احد اتباعه أن عمر صلى فى هذا المكان وان الاسلام له حق فى هذا المكان الذى صلى فيه!!!!!!!!!
اضطراب احوال الشام
ازداد الموقف سوءا اثناء القرن السادس الميلادى اذ ان حروب الإمبراطور جستنيان استغرقت وقتا طويلا وكلفت الدوله اموالا باهظة ، وكانت سوريا اكثر ماتعرض من البلاد للخسارة ، فبالاضافه الى ما تحملته من عبء مالى تعرضت لسلسله من الغارات العنيفه التى شنتها الجيوش الفارسيه فضلا عن هزات ارضيه بالغه الخطورة..
فى سنه 602 استولى على السلطه فوكاس قائد احدى الكتائب الامبراطوريه واغتصب العرش الامبراطورى و طفح عهده بالهمجيه وانعدام الكفايه فبينما عانت القسطنطينيه من عهد الارهاب ساد الاقاليم ما نشب من الفتن والحروب الداخليه بين الاحزاب والمذاهب الدينيه المتنازعه..
ففى انطاكيه مثلا عقد عقد البطريركان اليعقوبى والنسطورى مجمعا مشتركا للتشاور فى اتخاذ اجراء مشترك لمناهضه الارثوذكس ، غير ان فوكاس انزل بهما العقاب بعد ان انفذ جيشا ضخمااجهز على اعداد ضخمه من اتباعهما ، وبذل اليهود المساعده عن طيب خاطر.. وبعد سنتين ثار اليهود بالمدينه وعذبوا البطريرك الارثوذزكسى ثم ذبحوه..
الحرب الفارسيه
وفى سنه 610 م ازاح فوكاس عن العرش نبيل شاب ينتمى الى اصل ارمنى وهو هرقل ابن حاكم افريقيه .......
للقصه بقيه ان شاء الله ولا تستغربوا من سردى لهذا التاريخ المبكر عن الحروب الصليبيه ولكنه مرتبط بموضوعنا الذى نتحدث عنه ان شاء الله
وفى نفس السنه اتم كسرى الثانى ( ابرويز ) ملك الفرس استعداداته الحربيه لغزو الامبراطوريه وتقطيع اوصالها..
واستمر ت الحرب 19 سنه على ان المبراطوريه ظلت 12 سنه تتخذ خطه دفاعيه بينما احتلت الجيوش الفارسيه هضبه الاناضول ، وقام جيش فارسى اخر بفتح الشام فسقطت فى ايديهم انطاكيه سنه 611 ، ودمشق سنه 613 ، وفى ربيع سنه 614 دخل فلسطين القائد الفارسى شهربراز فصار ينهب الاراضى ويحرق الكنائس اينما سار ، ولم يفلت من يده الا كنيسه المهد فى بيت لحم لما كان يعلو بابها من فسيفساء تصور الحكماء القادمين من الشرق فى ازياء فارسيه ، وفى 15 ابريل سنه 614 اقتحم شهربراز بيت المقدس واستعدالبطريرك زكريا لتسليم المدينه لتجنب اراقة الدماء غير ان السكان المسيحيين رفضوا الاستكانه والاستسلام..
وفى 5 مايو سنه 614 وبفضل مساعدة اليهود المقيمن فى المدينه شق الفرس طريقهم الى المدينه ، فتلى ذلك من الشناعه ما يفوق الوصف إذ صحب اشتعال الكنائس قتل المسيحين دون تمييز ، بينما زاد عدد الذين لقوا مصرعهم على ايدى اليهود فقط 60 ألفاً فى بعض الروايات ، اما الارقاء فزادوا على 35 الفاً ، اما المقدسات الدينيه مثل صليب الصلبوت وادوات تعذيب المسيح اختفت!!! غير انه عثر عليها وتقرر ارسالها مع البطريرك الى الشرق للملكه مريم النسطورية..
وما حل من الخراب داخل المدينه وما حولها قد بلغ من الضخامه ان الاراضى المحيطه بها لم تنتعش او تهض حتى اليوم..
وزحف الفرس على مصر بعد ثلاث سنوات سنه 617 واضحوا سادتها فى سنة ، وفى تللك الاثناء زحفت جيوش الفرس شمالا حتى البسفور ..
على ان سقوط بيت المقدس فى ايدى الفرس كان صدمة كبيرة فى العالم المسيحي ، وما قام به اليهود من دور مطلقا لم يجر نسيانه واغتفاره ، فاتخذت الحرب مع الفرس صفة الحرب المقدسة!!
فلما اتم هرقل استعداداته الحربيه سنه 622 نذر نفسه وجيشه لله ان يطهر .. ومضى على انه محارب مسيحى يقاتل قوى الشر ، فتصورته الاجيال التاليه على أنه اول محارب صليبى.
وحينما الف وليم الصورى بعد خمسه قرون تاريخه عن الحروب الصليبيه ضمن هرقل ضمن قصه الحرب الفارسيه ، واشتهر كتابه فى ترجمته الى الفرنسيه باسم كتاب هرقل!!
ونجحت الحرب الصليبيه واستطاع هرقل اخر الامر ان ينزل الهزيمه الساحقه بالفرس عند نينوى فى ديسمبر سنه 627 ، على ان كسرى (ابرويز ) لقى مصرعه سنه 628 ، وسكر خليفته لعقد الصلح ، ومع ذلك فان السلام لم يستقر ، ولم تسترد الامبراطوريه اقاليمهاالتى استولى عليها الفرس الا سنه 629 ، واحتفل هرقل بانتصاره فى القسطنطينيه ، وفى الربيع التالى ارتحل نحو الجنوب لتسلم الصليب المقدس.
اما الاجراءات التى اتخذها هرقل ضد اليهود فعلى الرغم من انه لم يكن لهم الكراهيه والعداء فانه وقف على التفاصيل لما قاموا به من دور اثناء الغزو الفارسى للامبراطوريه وذلك حينما نزل ضيفا على رجل يهودى كريم فى طبريه فى طريقه الى بيت المقدس.
واذ تاثر ايضا فيما يبدو بنبوءه غامضه عن عنصر يتخذ عادة الختان سوف يدمر الامبراطوريه فاصدر امرا يفرض التنصير على جميع اليهود فى الامبراطوريه ، وكتب الى ملوك الغرب يحثهم على ان يحذو حذوه..
كان من المستحيل تنفيذ هذا الامر الا انه هيأ الفرصه الرائعه للمسيحين لاجراء مذبحه فى هذا العنصر البغيض ، ولم تكن النتيجه الوحيدة لذلك سوى ازدياد كره اليهود للامبراطورية..
كان هرقل سنه 629 يستقبل السفارات من الهند وفرنسا قالت الروايه انه استقبل وقتذاك كتابا وجهه اليه زعيم عربى !!!!!!!!! أعلن انه رسول الله ، وامر الامبراطور بان يعتنق دينه ، وجرى انفاذ كتب مثله الى ملك فارس ونجاشى الحبشه ووالى مصر..
وما اشتهر به محمد ( صلى الله عليه وسلم) من عبقريه فذه رائعه يضاف الى ذلك ما ادخره من مهاره سياسية نادرة هيأت له فى عشر سنوات ان يقيم من العدم امبراطوريه تجهزت لقهر العالم ، ففى سنه 622 وهى السنه التى هاجر فيها النبى صلى الله عليه وسلم ولم يتجاوز اتباعه أهل داره وطائفة قليله من العدد من اصدقائه ، وحينما توفى سنه 632 صار سيدا على بلاد العرب وصارت جيوشه تعبر الحدود..
على ان ظهور المغامرين الفجائى لم يكن مالوفا فى الشرق على ان تداعيهم يحدث ايضا فجأة غير ان محمدا صلى الله عليه وسلم خلف نظاما متينا كفل له القران الدوام والبقاء ، والواقع ان ما للاسلام من قوه يرجع الى بساطته فلا اله الا الله فى السموات وامير المؤمنين على الارض يحكم بكلامه الذى هو القران.
واصابت الغارات اقاليم الامبراطوريه اثناء حياه النبى الا انها لم تحرز نجاحا كبيرا ، على ان سياسه التوسع اضحت جليه فى زمن ابو بكر الصديق رضى الله عنه فاكتمل فتح بلاد العرب بطرد الفرس من البحرين، بينما اجتاز جيش عربى اخر عبر البتراء مخترقا الطريق التجارى الى ساحل فلسطين الجنوبى فانزل هزيمه بحاكم المنطقه سيجيوس فى مكان يقع بالقرب من البحر الميت واستولى على غزة..
وولى بعد خلافه ابو بكر سنه 634 عمر بن الخطاب الذى اتصف مثل ابو بكر بالعزم والاصرار على مد سلطان الاسلام..
ملحوظة هامة..
رأى المؤلف (استيفن رنسيمان) فى المسلمين عامه رأى صليبى بحت وان ادعى غير ذلك ، والدليل على كلامى سيرد من خلال الروايه حيث انه على الرغم من كلامه فى المقدمه من التزام الاعتدال فى الروايه الا انه لم يستطع التخلى عن روحه الصليبية.
حدث بعد ذلك من فتوحات اسلاميه روته كتب التاريخ بالتفصيل فنحن فى غنى عن تكرارها مره اخرى..
ثم مر عهد الخلفاء الراشدين على ما سلف من فتوحات ، وجاء عهد الامويين الذى تميز بالهدوء والاعتدال من جانب الخلفاء تجاه المسيحيين ، فمااشتهر به الخلفاء الامويون من الكفايه النادره والتسامح الشديد كفل للمسيحيين الرخاء ، اوما اصابوه من الثراء ما يزيد على ما كانو عليه زمن الاباطره البيزنطيين اذ استتب الامن ونشطت التجارة وازداد هبوط الضرائب ، يضاف إلى ذلك ان الامبراطور المسيحى خلال الشطر الاكبر من القرن الثامن كان مناهضا لعباده الصور ظالما لكل الارثوزكس الذين يبجلون الصور ( راجع تاريخ الامبراطور ليو الايسورى واسرته).
الخلافه العباسية
على ان هذه الفترة السعيده لم تستمر اذ تداعى الامويين بسبب الحروب الاهليه التى ادت الى قيام العباسيين ببغداد سنه 750 الذى اثار الاضطراب والفوضى مما ادى ببعض الحكام المحليين فى فلسطين وسوريا بجبايه الاموال ومصادره الكنائس..
على ان انتصار العباسيين اعاد الامن الى نصابه..
على ان العباسيين كانوا يفوقون الامويين فى شده التعلق بالايمان ويقلون عنهم فى التسامح مع المسيحيين ..
ومع ذلك لم يكن المسيحييون من الاشقياء فى ظل الحكم العباسي.
فيصح انهم تعرضوا الى الهجمات العنيفه من قبل المؤلفين المسلمين كالجاحظ فى القرن التاسع غير أن ذلك يرجع الى ما اصابوه ثراء وافر والى أنهم ازدادو تجبرا وعتوا وانهم لم يابهوا للشهادات التى صدرت ضدهم من البابا فى روما.. على ان بطريرك بيت المقدس عند كتبته احوال ذلك الوقت إلى زميله فى القسطنطينيه ( هذه الرساله موجهه من تيودوسيوس بطريرك بيت المقدس الى اجناتيوس بطريرك القسطنطينيه) يقول عن السلطات الاسلامية : ( إنها عادله ولم تنزل بنا الضرر ولم تظهر شيئا من العنف نحونا).
شارلمان وفسطين
والواقع ان المسيحيين الارثوذكس فى الشرق اكتشفوا عدوا جديدا فما حدث من ظهور امبراطور الكارولنيجين فى الغرب لم يغب عن بال الشرق ، فحينما أظهر شارلمان اهتماما خاصا برفاهيه الاماكن المقدسه فى الشرق لقى ترحيبا من جهات عديدة ؛ واذ فرح هارون الرشيد بالعثور على حليف ضد بيزنطه بذل له كل تشجيع لانشاء موسسات فى بيت المقدس ولإرسال الصدقات الى كنيسة القيامه، فحل شارل فترة من الزمن محل الامبراطور البيزنطى باعتباره ملكا له من السلطه ما يكفى لحمايه الارثوزكس فى فلسطين.
على ان ما حدث من انهيار امبراطوريته زمن الخلافه ونهوض بيزنطه فى نفس الوقت جعل تدخل الفرنجه قصير الاجل ، ولم يعد لهم من ذكرى سوى بعض الفنادق التى انشأها شارل .. وفي الراهبات اللاتينيات اللاتى يباشرن الخدمه فى كنيسه القيامة..
غير ان هذا الحادث لم يجر نسيانه مطلقا من الغرب ، اذ بالغ فيه ما ذاع من اساطير ، ولم يلبث الناس ان ظنوا ان شارل اجرى حمايه شرعيه على الاماكن المقدسه فى الشرق ، بل شاع فى وقت من الاوقات ان شارل قام بنفسه إلى الحج فى تلك الجهات.. وبذلك جرى الاعتراف والاقرار بما للفرنجة من حقوق فى الاجيال المتأخرة فى حق الحكم بيت المقدس.
اشتد اهتمام المسيحيين الشرقين بافاقه الدوله البيزنطيه اذ انه طوال القرن التاسع ظلت تلتزم خطه دفاعيه فسقطت كريت وصقليه فى ايدى المسلمين وكل سنه تشهد غاره عنيفة من المسلمين على جوف اسيا الصغرى ، على انه جرى فى منتصف القرن التاسع إعاده تنظيم البحريه البيزنطيه من جديد ، ويرجع الفضل فى ذلك الى ما اتخذته الامبراطوره تيودورا من تدابير اقتصاديه سليمة ، وبفضل قوه الاسطول البيزنطى لم تلبث من جديد ان توطدت على جنوب ايطاليا ودالماشيا..
ظهرت اسرات حاكمه محليه فى الموصل وحلب منهم الحمدانيون والاخشيديون فى مصر ، وقد اشتهر الاولون بانهم مقاتلون بواسل واستمرت فتره من الزمن سياجا مانعا لكل اعتداء من قبل بيزنطه ، غير انهم لم يكن بوسعهم ان يمنعوا تداعي الدوله الاسلاميه بل انهم اسهموا فيه وزادوه بما لجأوا اليه من حروب داخليه ، وفى اثناء الحروب الداخليه ظفر الاخشيديون بفلسطين وجنوب الشام ، وبادر البيزنطيون بالافاده من الموقف فالتزموا اول الأمر الحذر فى الهجوم..
غير انه حدث فى سنه 945 ورغم بسالة الامير سيف الدين الحمدانى ان حاز يوحنا كراكوس لللامبراطوريه البيزنطيه من البلاد والمناطق فى اعالى الجزيره ما لم تشهد جيشا مسيحيا منذ ثلاثه قرون...
وازدادت الامور سرعه بعد عام 960 حينما تولى الجندى الكبير نقفور فوقاس قياده الجيش الامبراطورى ، ففى سنه 961 استرد نقفور جزيره كريت ، وفى 962توجه بحمله الى طرف قلقيليا فاستولى على عين زربه ومرعش فعزل بذلك قلقيليه الاسلامية.. على ان نقفور امضى سنه 963 فى بيزنطه حيث دبر الانقلاب الذى جاء به الى العرش بمسانده الجيش والامبراطوره الوصيه ، وعاد نقفور إلى الشرق سنه 964 ، فاتم سنه 965 فتح قلقيليه ، وأرسل حمله الى قبرص أعادت سيطره بيزنطه المطلقة على الجزيرة..
وفى سنه 966 توجه نقفور بحمله الى الحوض الاوسط لنهر الفرات كيما يقطع الاتصال بين حلب والموصل ، فنهض كل الشرق المسيحي وأدرك ان الخلاص قد قرب ، وكتب اليه البطريك يوحنا بطريرك بيت المقدس يحثه على القدوم الى بيت المقدس ، على ان هذه الخيانه بلغت من الشدة ما استنفد صبر المسلمين فتقرر القاء القبض على يوحنا وبادر الثائرون إلى إحراقه..
والواقع ان آمال البطريرك كانت سابقة لاوانها، ففى سنه 967 انصرف نقفور إلى ما يجرى من احداث الى المنطقه الشماليه من الامبراطورية ، غير انه قاد سنه 969 جيشه صوب الجنوب مره اخرى الى جوف بلاد الشام ، فاتخذ طريق وادى الاورنت ومضى فى الاستيلاء على المدن الكبيرة ونهبها الواحده بعد الاخرى أمثال شيرز وحماه وحمص ، ثم اجتاز البلاد الى الساحل حتى اجتاز ارباد طرابلس ، ثم عاد الى الشمال بعد ان ترك وراءه انطرسوس وجبيل واللاذقيه، وقد اشتعلت فيها النيران ، بينما قام نوابه بالقاء الحصار على انطاكيه وحلب فسقطت فى اكتوبر الحاضرة القديمة انطاكية ، واستسلمت حلب فى نهايه السنة..هذه الحروب جعلت من الامبراطوريه المسيحيه مره اخرى من الدول الكبيره فى الشرق ، واذ اضحى الامل فى تخليص المسيحيين فى الشرق قريب المنال نالت هذه الحروب الصفه الدينية.
وكلما احتفل الإمبراطور بالنصر على المسلمين هتف المنشدون ( المجد لله الذى قهر العرب ) واصر نقفور على أن حروبه كانت مسيحية.
على ان نقفور فى انذاره الحافل بالشتائم الذى وجهه الى الخليفه العباسى قبل المضى فى حملته سنه 946 اعتبر نفسه بطل المسيحيين بل انه حدد ان يزحف الى مكه ليقيم بها عرش المسيح.
وتراءى اخر الامر احتمال عوده الارض المقدسة الى حكم المسيحيين غير ان انتظار الارثوذكس ضاع هباء ؛ ذلك ان خليفه يوحنا على العرش وهو الإمبراطور باسيل الثانى لم تتهيأ له الفرصه مطلقا فى الزحف جنوبا على الرغم من انه اصبيح قائدا كبيرا، فما حدث من الحروب الاهليه التى تلت حرب البلغار الطويله الامد تطلب منه كل الاهتمام.
ولم يقم بزياره الشام الا مرتين لكي يعيد السياده البيزنطيه على حلب سنه 995 ويمضى فى سيره على الساحل حتى طرابلس سنه 999 ، على انه قرر سنه 1001 على انه لا جدوى فى مواصله الفتوح فانعقدت الهدنه مع الخليفه الفاطمى لمده عشر سنوات.. فتقرر ان يجرى الحد الفاصل بين الإمبراطوريتين من نقطه على الساحل بين بانياس وانطرسوس حتى جنوب شيرز فبقيت حلب رسميافى منطقه نفوذ البيزنطين غير ان الاسره المرادسيه التى استقرت فى حلب قامت بالاستقلال فعلا سنه 1030 بعد ان هزم اميرها جيشا بيزنطيا غير ان ضياع حلب عوضه ماحدث فى السنه التاليه من ادماج الرها فى الامبراطوريه البيزنطية.
ولقى الصلح قبولا بين البيزنطيين والفاطميين لان كلا منهما ازعجه من نهوض الخلافه فى بغداد على يد المغامرين الترك القادمين من وسط اسيا (السلاجقة).
اعتبر البيزنطيون ان حدهم الشرقى الاكثر تعرضا للخطر من الحد الجنوبى ، وترتب على الخوف من الترك (السلاجقه)ان بادر باسيل الثانى الى ان يضيف إلى الامبراطوريه اقرب ما يقع اليها من الاقاليم الارمينيه بان استولى على اماره فاسبوركان التى كانت تقع فى اقصى الجنوب الشرقى من الامبراطوريه.. وواصل خلفاؤه هذه السياسه ففى سنه 1045 قام ملك انى اكبر ملوك ارمينيابتسليم بلاده الى الامبراطور ، وفى سنه 1064 ابتلعت الامبراطوريه آخر اقليم ارمينى مستقل وهو قارس.
الخليفة الحاكم الفاطمي:
انتقل شمال الشام الى حكم المسيحيين غير ان المسيحيين فى الجنوب لم يجدوا ما يضايقهم فى سلطه الفاطميين غير ما كان من الخليفه الحاكم بامر الله الفاطمى اذ خضع هذا الخليفه منذ الصغر الى موثرات حيث كانت امه مسيحيه وتلقى الجانب الاكبر من تعليمه على ايدى مسيحيين ، ففى مده عشر سنوات منذ سنه 1004 حتى 1014 ورغم احتجاجات الامبراطور البيزنطى اصدر الحاكم القرارات ضد المسيحين استهلها بمصادره الكنائس ثم امر باحراق الصلبان وبتشييد مساجد صغيره فوق سقوف الكنائس ، وقرر اخر الامر باحراق الكنائس نفسها ، وفى سنه 1009 امر بتدمير كنيسه القيامه نفسهااذ زعم ان ما يحدث كل سنه من معجزة النور المقدس التى يحتفل بها الناس مساء عيد الميلاد من البهتان ولا تتفق مع الدين، وفى سنه 1014 بلغ عدد من تعرض للحريق والنهب من الكنائس 30 الف كنيسه ، وتظاهر عدد كبير من المسيحين باعتناق الاسلام للنجاة بارواحههم .
وهذه التدابير اتخذها ايضا ضد اليهود على انه ليكن ملحوظا ان المسلمين أنفسهم تعرضوا للاضطهاد على يد زعيم عقيدتهم (خليفتهم) غير ان الاضطهاد لم يتوقف الا حين اعتقد الحاكم انه اله واعلن الوهيته على الملأ سنه 1016 صديقه الدرزى .
واذ بلغ الارتياع بالمسلمين لتصرف زعيمهم الدينى من الشدة مالم ياخذ الذميين اخذ الحاكم يسترضى المسيحيين واليهود ويهاجم المسلمين ، فحرم الصوم فى رمضان وتاديه الحج ، وفى سنه 1017 ارتد 6000 من المسيحيين الذين كانو اسلموا تحت وطأة الحاكم الى دينهم ، وفى سنه 1020 استعادت الكنائس ما كان صودر من املاكها، غير انه فى ذلك الوقت ثارت ثائرة المسلمين الذى استبدل باسمه اسم الله فهرب الدرزى الى الشام ، اما الحاكم فقد اختفى سنه 1021 ولا يزال مصيره سراً خفياً.
استولى صالح بن مرادس على فلسطين لفترة وجيزة بعد وفاة الحاكم غير أن حكم الفاطميين عاد من جديد سنه 1029 إلى كل البلاد.ساد العالم الذى يقع شرق البحر المتوسط من الهدوء والسلام فى منتصف القرن الحادى عشر ما تراءى انه سوف يستمر الى سنوات عديده اذ تم الوفاق بين اكبر دولتين فى المنطقه (البيزنطيين والفاطميين) فلم تعتد احداهما على الاخرى بل ارادت كل منهماان تكبح الامارات الاسلاميه الواقعه الى الشرق منهما حيث اثار المغامرين الترك الاضطرابات والقلاقل.
التدهور البيزنطى
حدث فى اثناء القرن العاشر ان ظهرت فى بيزنطه طبقه ارستقراطيه من ملاك الاراضى بلغت من الثراء والنفوذ ما جعلها تتحدى الحكومه المركزية ، ولم يستطع باسيل الثانى اعظم اباطره الاسره المقدونية ان يقمع الا بعد مجهود شاق ثوره قام بها فى مستهل حكمه جماعه من هذه الطبقه الارستقراطيه، انتصر باسيل وطال الامد بهيبته ومجده حتى زالت الاسره المقدونية سنه 1056 بوفاه تيودورا ابنة أخته ، فلو ان البيت المقدونى انجب ورثه للحكم من الذكور لتوطد مبدا الوراثه فى العرش ..
غير انه على الرغم من ان الولاء للاسره المقدونيه هيأ للامبراطوره زوى وازواجها المتتاليين ان بحكموا باستهتار ما يقر ب من ثلاثين ، وكفل للامبراطوره تيودورا ان تنفرد بالحكم فان عوامل مدمرة اخذت تنمو فى هذه الفترة ، وبعد وفاه الامبراطورة تيودورا اشتد التنافس بين حزبين وهم حاشيه البلاد التى تستولى على الادارة المركزية والاسرات النبيله التى يخضع لها الجيش، أما الكنيسه فانها بفضل ما لها من صله بالمعسكرين حاولت ان تقيم التوازن بينهما.
كومنين ودوكاس
لم تكد غيبوبة الموت تنزل بالإمبراطورة التى جاوزت الستين من عمرهاحتى بادر حزب البلاط الى ترشيح للعرش موظف طاعن فى السن اسمه ميخائيل استراتيوتيكوس غير ان الجيش لم يقبل بالامبراطور الجديد فزحف على القسطنطينيه واصر على ان يتولى العرش قائد الجيش ، وصار القائد اسحاق كومنينوس هو الامبراطور ، وبهذا تكون الارستقراطيه العسكريه ربحت الجولة الاولى.
لم يختلف اسحاق كومنين عن باقى زملائه الارستقراطيين غير انه كان ينتمى إلى الجيل الثانى ، كان ابوه جنديا من تراقيا استرعى اهتمام الامبراطور باسيل الثانى فمنحه اراضى فى بفلاجونيا حيث شيد قلعه اشتهرت باسمه قلعه كومنين او قسطمونيه الان ، وورث اسحاق واخوه يوحنا عن ابيهما البساله وتزوج كلاهمامن الارستقراطيه البيزنطيه ، فزوجة اسحاق كانت تنتمى الى أسره ملكيه سابقه فى بلغاريا، اما زوجة يوحنا فكانت من سلاله اسرة دلاسينى الكبيرة.
وعلى الرغم من ثروة اسحاق وقيادته العليا ومساندة الجيش له فانه ادرك أن حكومته تتعرض باستمرار لكراهيه الادارة المدنية فلم يلبث بعد نضال استمر سنتين ان استسلم ولجأ الى دير ، ولما لم يكن له وريث اختار قسطنطين دوكاس خليفة له فلم تغفر له انا دلاسينا اخت زوجته ذلك.
يعتبر قسطنطين دوكاس راس أعرق البيوت الارستقراطيه واكثرها ثروة على الترجيح، غير أنه شق طريقه الى البلاط ؛ لذا كان اسحاق يأمل ان يكون مقبولا عند الفريقين ، غير انه لم يلبث على أن دل أن ميوله بعيدة عن ميول طبقته اذ كانت خزانته خاويه، وكان الجيش من القوة ما يعتبر مصدر خطر على الامبراطور فلم يجد لذلك حلاً سوى ان يعمل على انقاص عدد القوات المسلحة، ويصح ان يدافع عن هذا الاجراء بأنه من دواعى السياسة الداخلية
غير انه طوال عهد الحكم البيزنطى كان اضعاف الجيش الامبراطورى من الامور السليمه فهذا الاجراء يعتبر فى تلك اللحظه بالغ الضرر إذ أنه اخذت سحب عواصف تهب من الشرق بينما اخذت عاصفة تهب من الغرب.
من المعروف رسميا ن حد الامبراطوريه الجنوبى يمتد الى تيرشينا على الساحل الادرياتى غير انه لم يخضع لحكم البيزنطيين المباشر داخل هذا الخط الا ابوليا وكلابارياالتى كان سكانهما من اليونان ، وعلى الساحل الغربى قامت المدن التجاريه المستقله وهى جائيتيا ونابولى وامالفى ، أما داخل ايطاليا حاز الاميران اللومبارديان سالرنو وبنفيتو واعترفا بالتبادل بالامبراطور البيزنطى والالمانى فى الغرب غير انهما لم يوليهماشيئا من الاحترام ، ولا زالت صقلية فى ايدى المسلمين على الرغم من المحاولات العديدة التى بذلها الامبراطور لاستعادتها ، وما حدث من غارات جاءت من سواحل افريقية او من صقلية زاد من حدة الاضطرابات فى شبه الجزيرة الايطالية.
قدم الى هذه البلاد اعداد كبيرة من المغامرين النرمان على انهم حجاج فى طريقهم الى بيت المقدس او لزيارة مشهد القديس ميخائيل فى ايطاليا ، واشتدت رغبه سكان نورمانديا فى امتلاك الاراضى مما دفعهم الى فتح انجلترة ، واذ ان الضياع فى نورمانديا بلغت فيه الكثافة السكانية انه لم يكن مجال لاشباع الفرسان الذين ليس لهم اقطاع ، وهذا البعث دفعهم على التوسع وهو الذى جعلهم يفتحون عيونهم ويتطلعون الى الشرق وما فيه من ثروات فشهدوا فى جنوب ايطاليا مفتاحاً لاقامة امبراطورية بالبحر المتوسط ، ومما ساعد فى تحقيق غرضهم الفوضى التى كانت بجنوب ايطاليا.
ففى سنه 1040 استولى سته اخوه ابناء فارس نرمانى مغمور اسمه تانكرد هوتفيل على مدينه ملفى بتلال ابوليا واقاموا بها اماره لم تحفل بهاالسلطات البيزنطيه المحليه أول الامر غير أنه ساند النرمان امبراطور الغرب هنرى الثالث الذى حرص على السيطرة على اقليم طالما تنزاعته الامبراطوريتان والبابا الجرمانى الذى رشحه الامبراطور للباباويه الذى كره ان يكون لبابا البيزنطى أى سيطرة على كنيسة فى ايطاليا.
وفى خلال الثنى عشرة سنة استطاع النرمان ان يوطدوا سيادتهم على الامارات اللومبارديه اذ طردوا البيزنطيين الى اقصى طرف كلاباريا والى ساحل أبوليا وأخذوا يهددون المدن الواقعة على الساحل الغربى وصاروا يوجهون غارتهم خلال الشمال على اقليم كمبانيا حتى بلغت الجهات المجاورة لروما، ارتاعت الحكومه البيزنطيه لما حدث فتم استدعاء حاكم ابوليا وهو ماريانوس ارجيوس الى القدوم الى القطنطينيه لينبئ بما جرى ثم عاد بالسلطات اللازمة لاصلاح الموقف.
لم يحرز ماريانوس نصرا حربيا اذ ان النرمان استطاعوا فى سهوله ويسر ان ينزلوا هزيمه بجيشه الصغير غير انه احرز نصرا دبلوماسيا كبيرا ، ذلك ان البابا ليو التسع وهو من اللورين اشتدت ثائرته فما حازه النرمان من انتصارت فاق كل ما يتوقعه هو وهنرى الثالث ، وكان هنرى الثالث وقت ذاك منصرفا الى قتال المجريين ، ومع ذلك بذل المساعدة للبابا، ففى صيف 1053 سار البابا ليو نحو الجنوب بجيش مؤلف من الالمان والايطاليين وقد اعلن ان هذه الحرب تعتبر حربا مقدسه ، وكان من المقرر ان ينحاز إليه جيش بيزنطى غير ان النورمان هاجموه حيث كان ينتظر هذا الجيش البيزنطى خارج مدينه كيفيتاتى فى ابوليا فتعرض جيش البابا لهزيمة ساحقة ووقع هو نفسه اسيراً فى ايدى النورمان ، ولم يتم اطلاق صراحه الا بعد ان اعلن عن تخليه عن كل سياسته السابقة.
كانت هذه اخر محاوله جديه لمناهضه ابناء تانكرد هوتفيل اذ مات هنرى الثالث سنه 1053 ، ولم يكن خليفته هنرى الرابع وقت ذاك الا طفلا صغيرا فقررت الباباويه ان تكون واقعيه ، ففى سنه 1059 وفى مجمع ملفى اعترف البابا نيقول الثانى بروبرت جويسكارد (الملفب بالعرس) وهو اكبر من عاش من ابناء تانكرد هوتقيل دوقا على ابوليا وكللاباريا بفضل الله والقديس بطرس ودوقا على صقليه بفضل مساعدتهما ، هذا الاعتراف الذى اعتبرته رومالروبرت انه يتضمن التبعيه للكنيه الغربيه هيأ للنرمان ان ينتهوا فى يسر من فتوحاتهم فلم تلبث الجمهوريات البحرية ان خضعت لهم ، ولم تحل عام 1060 حتى لم يبقى لبيزنطة فى شبه الجزيرة الايطالية سوى حاضرتهم بارى وهى الحصن المنيع الذى يقع على الساحل.
وفى تلك الاثناء شرع روبرت جويسكارد فى اتنزاع صقليه من يد المسلمين على ان قدوم الغزاه اللاتين من الشمال (النورمان ) بعث من جديد النزاع القديم بين الكنيستين الشرقيه والغربيه الذى ادى الى صدور قرار الحرمان من كل من الكنيستين تجاه الاخرى ، على أن هذه الاضطرابات والمشاكل فى الغرب قد طغى عليها ما ظهر فى الشرق من مشاكل أكبر.
تبين لبيزنطه انها لم تفد من تداعى الخلافه العباسيه اذ ان الدوله العباسيه كانت تشكل حائط دفاع خارجى ضد شعوب وسط اسيا الذين كانوا يغيرون على اوربا فى العصور السابقه ، فلما انهارت اسباب الدفاع ( البدويه العباسيه) استطاعت اسيا من جديد ان تنبثق وتطغى على البلاد التى سادت فيها حضارات قديمة ، ففى القرن العاشر خضعت تركستان الى اسرة السامانيين الفارسيه واهم ما قامت به هذه الاسرة كان تحويل هذه القبائل الى الاسلام ومنذ ذلك الوقت اتجهت انظار الترك الى جنوب غرب اسياوطرد السامانيين واحتل مكانهم اول امير تركى مسلم وهو محمود الغزنوى الذى اقام اثناء الشطر الاول من القرن الحادى عشر امبراطوريه ضخمه امتدت من اصبهان الى بخارى ولاهور ، وفى تلك الاثناء اخذ عساكر من الترك المغامرين يجوبون العالم الاسلامى مثلما فعل النورمان فى اوربا المسيحية..
فانشأ الامراء المسلمون الفرق التركية وأنفقوا عليها ، وكان من بين رعايا الغزنويين عشيره من الترك الغز من برارى ارال اتخذت اسم ( السلاجقة ).. ألف امراء السلاجقة جماعة من المغامرين ساد بينهم الحقد والحسد غير انهم اتحدوا من اجل رفعة اسرتهم مثلما حدث بين ابناء تانكرد هوتفيل على ان هؤلاء السلاجقة كانوا أسعد حظا من النورمان الذين لم يتوافر لهم من مواطنيهم الا العدد القليل اذ كان بوسع السلاجقة ان يلتمسوا مساندة الجموع الغفيره من التركمان.
وعند وفاة محمود الغزنوى سنه 1030 خرجوا عن طاعة الغزنويين ، وفى سنة 1040 طردوهم الى املاكهم فى الهند ، وفى سنه 1050 دخل طغرلبك زعيم السلاجقه اصبهان واتخذها عاصمة له ، بينما استقر ابناء عمومته واخوته فى الجهات المتاخمة لاملاكه فى الشمال وألفوا حلفا مفككاً ، وبمقتضى هذا الحلف اعترفوا له بالسيادة ، وفى سنه 1055 بناء على دعوة الخليفة العباسى الذى ازعجه ما دبره ضده وزيره البساسيرى من مؤمرات بالاشتراك مع الفاطميين دخل طغرلبك الى بغداد على انه حامى المذهب السني.
نهاية ارمينيا
ترجع الغارات التركيه على ارمينيا الى زمن باسيل الثانى حينما كان السلاجقه مازالوا تحت الحكم الغزنوي ، ولحمايه الامبراطوريه البيزنطيه من الغارات التركيه ضم باسيل الثانى ارمينا جزء بعد جزء الا ان غارات السلاجقه اشتدت على ارمينيا بعد ان استولوا على فارس وخراسان ، ولم يشترك طغرل ذاته فى هذه الغارات الا مرة واحدة حينما قام سنه 1054ببتخريب الجهات الواقعة حول بحيرة فان ، غير انه فشل فى الاستيلاء على حصن مانزكيرت ، وتولى عادة جيوش الاغاره ابنا عمه اصان وابراهيم ينال غير ان البيزنطيين انزلوا بهم الهزيمة عند ارضروم سنه 1047 ، وفى اثناء السنوات التالية ركزا هجومهما على حلفاء الامبراطوريه من الكرج ، ففى سنه 1052 نهبا فارس ثم ظهرا من جديد فى ارمينيا سنتى 1056 1057 فتعرضت ملطيه سنه 1057 للسلب والنهب ، وفى سنه 1059 زحفت القوات التركيه لاول مرة الى جوف اسيا الصغرى حتى وصلت مدينه سيواس.
مات طغرلبك سنه 1063 والواقع ان طغرل ذاته لم يكن شديد الاهتمام بالجزء الشمالى الغربى من ممتلكاته غير ابن اخيه وخليفته فى الحكم الب ارسلان اثاره احتمال قياه تحالف بين البيزنطين والفاطميين فحرص على أن يحمى نفسه من البيزنطيين بالاستيلاء غلى ارمينيا قبل ان يمضى الى تحقيق غرضه الاصلى وهو مهاجمه الفاطميين ، فاشتدت حده الغارات على املاك الامبراطوريه، ففى سنه 1064 تعرض للدمار انى حاضرةارمينيا قديما، وتقدم عن طيب خاطر امير فارس وسلم امارته الى الامبراطور البيزنطى مقابل الحصول على ضياع فى جبال طوروس فصحبه الى موطنه الجديد اعداد كبيرة من الارمن..
وترتب على ذلك ان تعرض سنويا حصن الرها للغارة من قبل الاتراك غير انهم لم يكن لهم خبره كافيه بالحصار ، ففى سنه 1066 احتلوا ضروب جبال امانوس ، وفى الربيع التالى نهبوا قيصريه حاضره كبادوكيا،وفى الشتاء التالى حلت الهزيمه بالجيوش البيزنطيه فى سيواس وملطيه وترتب على هذه الانتصارات ان صار للترك السيطرة التامة على ارمينيا، وفى السنوات التالية اوغلوا بغاراتهم فى جوف الامبراطورية حتى وصلوا بغارتهم الى نقصار وعموريه سنة 1068 وقونيه سنه 1069 وإلى خونيه القريبه من ساحل بحر ايجه سنه 1020.
موقعة مانزيكرت
واضطرت الحكومه الامبراطوريه ان تتخذ اجراء حاسما ذلك انه حدث فى سنه 1067 ان توفى الامبراطور قسطنطين العاشر الذى كانت سياسته ترمى الى تخفيض عدد الجيش والذى يعتبر مسؤلا عن هذا الوضع الخطير الذى تعرضت له الامبراطوريه فخلفه فى الحكم ابنه ميخائيل السابع بوصايه امه الامبراطورة ايدوسياالتى فى السنه التاليه تزوجت من القائد الاعلى للجيش رومانوس يوجين فرفعته الى العرش.
[b]كان رومانوس جنديا بارعا ولكن العمل الذى واجهه تطلب عبقريه فذة اذ ادرك ان سلامة الامبراطوريه تتطلب استرداد ارمينيا غير ان الجيش البيزنطى لم يكن من الكفايه ما اتصف به منذ خمسين سنه اذ تم تسريح معظمه فى عصر سابقيه مما اضطره الى الاعتماد على المرتزقه الاجانب منهم الشماليون الذين يؤلفون حرس الورنك ومنهم النرمان والفرنجة من غرب أوربا والصقالبه من الشمال والترك من برارى جنوب روسيا فضلا عن البجناك والكومان والغز ، ومن هذه العناصر الف رومانوس جيشا عدته 100 الف مقاتل منهم نحو النصف ينتمون الى عنصر بيزنطى على ان الترك الكومان كانوا أكثر الجنود الماجورين عددا وتولى قيادتهم يوسف تارخانيوتس التركى المولد، اما الفئة المختارة تتمثل فى الفرسان الدارعين من الفرنج والنرمان بقيادة روسل باليل النرمانى ، والمعروف ان القائدين الذين سبقا روسل فى القيادة قد تم عزلهم لخيانتهم الصريحة ، وكان من الفرنج غير ان العسكر الفرنج لا يخدمون الا تحت احد مواطنيهم فكان اندرونيكوس دوكاس اكبر من يلى الامبراطور فى قيادة الجيش وهو ابن اخ الامبراطور الراحل ولا يختلف عن سائر اسرته فيما يكنه من العداء للامبراطور الذى لم يجرؤ على ان يتركه خلفه فى القسطنطينية، وبهذا الجيش الضخم الذى لا يصح الوثوق به خرج رومانوس فى ربيع سنه 1071 ليسترد ارمينيه ، وحينما غادر القسطنطينيه جاءته الاخبار من ايطاليا باستيلاء النورمان على بارى اخر ماتبقى للبيزنطين فى ايطاليا.
وقد سلك الامبراطور الطريق البيزنطى القديم الذى اجتازه الاباطرة فى حروبهم وجعل نصب عينيه ان يستولى على حصون ارمينيا ويشحنها بالجنود قبل ان ياتى الترك من الجنوب .
وكان الب ارسلان فى الشام فى موضع قرب حلب ، وحينما سمع بزحف البيزنطيين أدرك انه لابد ان يتصدى للقتال فبادر بالمسير صوب الشمال ليلتقى بالامبراطور.
نفذ رومانوس بقواته الى ارمينيا على امتداد الفرع الجنوبى للفرات الاعلى وبالقرب من مانزيكرت قام بتقسيم قواته فمضى بنفسه الى مانزيكرت بينماأرسل الفرنج والكومان للاستيلاء على اخلاط الواقعه على شاطئ بحيرة فان ، على ان رومانوس تلقى اثناء مقامه بمانزيكرت انباء اقتراب الب ارسلان فانحرف الامبراطور الى الجنوب الغربى ليلحق من جديد بالجيش قبل ان ينقض عليه الترك غير ان تناسيه لمبدى الخطط الحربيه البيزنطيه حمله على اغفال ارسال كشافة.
وفى اغسطس سنه 1071 بينما كان ينتظر قدوم بقيه اتباعه الماجورين انقض عليه الب ارسلان ، ولم ينهض لنجدته عساكره الماجورون ، وفى الليلةالسابقة للمعركة انحاز الى السلاجقة الكومان الماجورون نظرا لانهم اتراك ولانهم لم يتقاضوا اجورهم المتأخرة ، وقرر روسل ومن معه الا يخوضواالمعركة ، فاصبح مصير المعركة معروفا ، فاستبسل رومانوس فى القتال غير ان اندرونيكوس دوكاس حينما راى ان قضيته خاسرة وظن ان المنظر التالى من الماساة لابد ان يكون فى القسطنطينيه انسحب بمن معه من الجند الاحتياطى وسار صوب الغرب بعد ان ترك الامبراطور ليواجه مصيره ، وفى المساء حل بالجيش البيزنطى الدمار واصابت رومانوس الجراح ووقع فى الاسر.
ملاحظة هامة على النص السابق للمعركة:
طبعا لا يخفى على القارئ العادى ولا سميا الذى لم يخض بدلوه من قبل فى مجال التاريخ الرائحة الصليبية الواضحة التى تقطر من قلم المؤلف استيفن رنصيمان من تقليل لشان السلاجقة فى هذا الانتصار العظيم وتهوينه فى نفس الامر من شان الجيش البيزنطى حتى يبدو ان النصر فى المعركة كان سهلا ميسور المنال وليس للمسلمين ادنى مجهود فيه ، بل ان نصر المسلمين فى هذه المعركة كان وليد الصدفة !! والوقائع التى المت بالامبراطوريه قبل المعركه بفترة ، ولكن كما قلت من قبل تلك هى الروح الصليبيه الملازمة للغربيين والتى لن تفارقهم مهما ادعو من رقى حضارى وعلمي.
تعتبر معركه مانزيكرت من اشد ما وقع فى التاريخ البيزنطى من كوارث حاسمه وتراءى للصليبين فيما بعد ان البيزنطين فقدوا ما اتخذوه من لقب حماه العالم المسيحى ، على ان الترك لم يفيدو كثيرا من هذا النصر .حقق الب ارسلان غرضه اذ كفل الحمايه لجناح جيشه وازال خطر التحالف بين بيزنطه والفاطميين وكل ما طلبه من الامبراطور الاسير هو الجلاء الناجز عن ارمينيا ودفع فديه ثقيله عن شخص الامبراطور ثم انصرف لمواصله القتال فى اقليم ما وراء النهر حيث قضى نحبه سنه 1072 ولم ينفذ ابدا الى اسياابنه وخليفته ملك شاه الذى امتدت امبراطوريته من البحر المتوسط الى حدود الصين غير ان رعاياه من التركمان كانوا متأهبين للمسير ولم يشأان ينزلهم بالاراضى التى كانت تابعه للخلافه غير انه رأى ان خير ما يلائمهم هى سهول اسياالصغرى التى عمل الاعيان البيزنطيون على اخلائها من سكانها من اجل قطعان الغنم التى تنتجع فيهافعهد الى بن عمه سليمان بن قتلمش ان يستولى على هذه الاراضى لصالح الاقوام التركية.
ويسر البيزنطيون نفسهم فتح البلاد امام الاتراك فالعشرين سنه التاليه طفحت بالتمرد والتأمر فحينما وصل الى القسطنطينيه خبر الكارثه واسر الامبراطور اعلن ميخئيل دوكاس ابن زوجه رومانوس انه بلغ سن الرشد وتولى مقاليدالحكم وتوطد مركزه بقدوم بن عمه اندرونيكوس بفلول ما تبقى من الجيش واشتهر ميخائيل السابع بانه شاب مثقف ذكى يصلح لان يكون حاكما قديرا فى الازمنه الوادعه غير ان ما واجهه من مشكلات تطلبت شخص اخر اكثر خبره ودراية.
عاد رومانوس ديوجين من اسره ليجد نفسه معزولا عن العرش وحاول ان يقاتل من اجل مركزه غير انه تعرض لهزيمه اخرى وجرى حمله الى القسطنطينيه حيث بلغت القسوة والعنف باقتلاع عينيه ولم يلبث ان مات متأثرا بجراحه بعد ايام قلائل.
غير ان اقارب رومانوس واصدقائه الذين جذبهم اليه ما كان له من مروءة وفروسيه ارتاعوا واشتد سخطهم لما تعرضت له خاتمته من الوحشيه والهمجيه فعبروا عن سخطهم وغضبهم بما لجئوا اليه من الخيانة.
الترك ينفذون الى اسيا الصغرى
لم يبدأ الترك غزوهم الجدى لاسيا الصغرى الا سنه 1073 ، حاول الامبراطور ميخائيل السابع ان يوقف هذا الزحف فلم يجد امامه الا الخائن روسل باليل الذى عاش بعد كارثه مانزيكرت فامده بقوه صغيره من الجيش الوطنى بقياده اسحق كومنين الذى اصطحب معه اخوه الكسيوس كومنين ابنااخت الامبراطور السابق والذان يكنان الكراهيه للامبراطور الحالى ولكنهما ظلا على ولائهمالميخائيل السابع حتى نهايه حكمه على الرغم من الضغوط التى تعرضوا لها، غير ان اخلاص اسحاق دمره روسل وعساكره النرمان وماارتكبوه من الخيانه اذ خرجوا على طاعه اسحاق وطرحوا جانبا ما التزموه من الولاء قبل ان يلتقى الجيش البيزنطى بالترك ، واذ تعرض اسحاق للهجوم من قبل الترك والفرنج معا وقع اسيرا بين يدى السلاجقة.
افصح روسل يومئذ عن نواياه واذ اثار حماسه ما اقامه مواطنوا النرمان فى إيطاليا من اماره وضع لنفسه خطه بان يقيم لنفسه اماره نرمانيه فى الاناضول ولم يكن معه الا ثلاثه الاف رجل غير انهم تعلقوا به واخلصوا له
غير ان روسل صار عند الامبراطور اشد خطوره من الترك فما جمعه الامبراطور من عساكر ولى عليهم ابن عمه يوحنا دوكاس لقتال روسل فالتقى يوحنا بروسل بالقرب من عموريه فهزم هزيمه ساحقه واسر روسل يوحنا دوكاس ، واذ التمس روسل سببا شرعيا نادى باسيره امبراطورا وزحف به على القسطنطينيه فبلغ الشاطئ الاسيوى من الابسفور دون ان يلقى مقاومه فاشعل الحرائق فى ضاحيه خرصيبولى واسكدرى وعسكر بين اطلالها.
واذ استبد اليأس بميخائيل لم يستطع الا ان يلجأالى القوه الوحيدة التى ممكن ان تبذل له المساعدة فارسل سفاره الى السلطان سليمان السلجوقى وبموافقه سيده السلطان ملك شاه وعد من الامبراطور ان يترك للسلطان سليمان ما استولى عيه من اقاليم التى احتلها من شرق الاناضول مقابل ان يقدم المساعدة للامبراطور..
وتراجع روسل ليستعد للقاء السلطان سليمان غير ان الترك لم يلبثوا الا ان طوقوا عساكره على جبل صوفون فى قبادوكياوحاول روسل نفسه ان يهرب ويلجأ الى اماسيه قى اقصى الشمال الشرقى . وعندئذ ارسل الامبراطور ميخائل اليه الكسيوس كومنين للتفاوض معه وحثه على الاستسلام غير ان حكومه روسل فى اماسيه بلغت من القوة والكفاية ومحبة الناس لها ما جعل سكان اماسيه لا يكفون عن المساعدة الا بعد ان جاءهم الخبر بسمل عينيه.
اختفى روسل من التاريخ غير ان قصته تركت اثرا فى البيزنطين اذ علمتهم انه لا يصح الوثوق فى النورمان.. على ان الخوف من النرمان وشده الحاجه الى الجنود الماجورين حملت ميخائيل السابع على مسالمه الغرب فلم يعد ثمه امل فى استعاده جنوب ايطاليا بعد ضياعه . ولقد ارسل ميخائيل لعقد صلح مع النورمان فتوطدت هذه المصالحة على ان زوج الامبراطور ابنه الصغير قسطنطين من هلين بنه جويسكارد وفى الوقت ذاته نجحت مساعى الصلح مع البابا جريجورى السابع الكبير.
غير ان الفوضى ازدادت سوء فى الاناضول اذ حدث فى اخر سنه 1078 ان اعلن نقفوربتنياس الثوره على الامبراطور ميخائيل السابع وكان نقفور حاكم ثغر الناطليق الشاسع الذى يقع فى وسط اسيات الصغرى وغربها ، ودفعه لهذه الثوره الطموح الشخصى من جهه وشدة ثائرته على ضعف الامبراطور من جهه أخرى غير انه كان قائدا بلا جيش ففى سبيل الحصول على القوه التى يحتاجها حشد تحت لوائه اعدادا كبيره من الترك واستخدمها لحراسه ما يستولى عليها من مدن اثناء زحفه الى القسطنطينيه مثل سزكوس ونيقيه ونيقوميديا وخلقيدونيا وخرصيبولى ، ولاول مره الفت الجموع التركيه نفسها داخل المدن الكبيره فى غرب الاناضول.
ولم يبذل مخائيل شيئا من المقاومه فلما دخل نقفور الى العاصمه لم يسع ميخائيل الا ان يلجأ الى الدير حيث حالفه الحظ واصبح اسقفا فيما بعد ، أما زوجته التى تخلت عنه وهى مارياالقوقازيه الالانيه والتى كانت تعتبر من اجمل اميرات عصرها فأنها رأت انه من الحكمه ان تتزوج الامبراطور المغتصب.
الكسيوس كومنين ولاية العرش
على ان نقفور ادرك ان حياة التمرد اسهل من حياة الامبراطور فسار على نهجه قاده اخرون ففى غرب البلقان اعلن حاجب دوروازو نقفور برينيوس نفسه امبراطورا هو الاخر واجتذب الى لوائه جند الاقاليم الاوربيه فتوجه لقتاله الكسيوس كومنين فى جماعه صغيره من العساكر اليونانيين الذين يعوزهم التدريب فضلا عن عدد قليل من الفرنج الذين لاذوا بالفرار كعادتهم ولم يستطع الكسيوس ان يهزم نقفور الا حين جاءته
ساحة النقاش