88
كتب : د. سيد علي إسماعيل
يعتقد البعض أن التمثيل بعيد عن الأخلاق! وهذا الاعتقاد الخاطئ سببه بعض التصرفات غير المسئولة, التي شوهت قيمة التمثيل بصفة عامة, والتمثيل المسرحي بصفة خاصة, وإذا عدنا إلي بدايات المسرح في مصر.
سنجده بني أساسا علي الأخلاق! فعندما وصف رفاعة الطهطاوي مسارح فرنسا في كتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريز عام 1831 قال: إنها تؤدب أخلاق الإنسان وتهذبها!, وعندما نشر محمد عثمان جلال أول كتاب مسرحي له عام 1871 تحت عنوان كتاب النكات وباب التياترات قال في مقدمته: إن الكتب التي من هذا القبيل في كل جيل ما جعلت إلا لتهذيب الأخلاق.
وفي عام 1886 علقت جريدة القاهرة علي عرض مسرحي لفرقة سليمان القرداحي قائلة: ومما يسر الخاطر, ويشرح الصدر, ويقر الناظر أن نري هذه البلاد آخذة في مزيد التقدم والتمدن, وانتشار الآداب والفنون بتشخيص مثل هذه الروايات التي من شأنها تهذيب الأخلاق, وتثقيف المدارك والعقول, وعندما خصص الخديو توفيق دار الأوبرا شهرين للمسرح العربي عام 1886, فسرت جريدة الزمان هذا التصرف بأن الخديو ميله الخصوصي لإحياء هذا الفن الجليل الذي تعم فوائده البلاد, وينجم عنه تحسين الأخلاق.
كما أوضحت جريدة الصادق عام 1887 أن الحكومة أرادت من وراء إنشاء دار الأوبرا الخديوية إمداد الرعايا علي ترويح الأرواح, وتنشيط الهمم, وتهذيب الأخلاق بمزايا التشخيصات ومحاسنها, وفي عام 1888 وضعت جريدة الراوي شروطا للتأليف المسرحي, قائلة: ولما كانت الروايات مقصودا بها تهذيب الطباع, وتثقيف الأخلاق, وإفادة الناظرين, كان لابد فيها من براعة الإنشاء, وحسن النسق في التأليف, وإيراد حوادثها بكلام فصيح, وتعبير رشيق يؤثر في النفوس, ويكون له في قلوب السامعين وقع حسن.
وفي عام 1889 أخبرتنا جريدة المؤيد أن قنصل ألمانيا في المنصورة بني فيها مسرحا جديدا, لأنه يعلم أن التمثيل له نتائج حسنة في تهذيب الأخلاق, وفي عام 1890 وضعت جريدة الراوي تعريفا للمسرحيات قائلة: إن الروايات مرآة الماضي, ومثال التمدن الحاضر, ودليل ارتقاء الأمم وتقدمها, أو صورة انحطاطها وتقهقرها, وأنها الواسطة الوحيدة لتقويم الأخلاق, وإصلاح العوائد, وبث الأفكار العالية الشريفة, والحث علي الصلاح والفضيلة, ونشر راية الحرية والمساواة, وفي عام 1893 حضر محافظ الإسكندرية عرضا مسرحيا لفرقة سليمان القرداحي, وصرح في نهاية العرض بأنه يرغب كثيرا في تعضيد التمثيل لما يترتب عليه من تهذيب أخلاق الشبان, وإرضاعهم ألبان الآداب, هكذا قالت جريدة المقطم, وفي عام 1895 علقت جريدة المؤيد علي عرض مسرحية صدق الإخاء بأنها كانت من أحسن دروس الأخلاق للشبان, فهي تؤثر بمواعظها الحسنة علي الذين ينفقون بإسراف في سبيل ملاذهم.
هذه الأقوال والأسانيد تثبت بجلاء ارتباط المسرح بالأخلاق طوال القرن التاسع عشر, فهل هذه المعاني مازالت موجودة في مسرحنا اليوم في القرن الحادي والعشرين؟ وهل المؤلف المسرحي الآن يؤلف من أجل إبراز قيمة الأخلاق؟
ساحة النقاش