الاقتصاد المصري‏..‏ المأزق والحلول

ولأن الاقتصاد هو نقطة الضعف المصرية الأساسية الآن سأحاول عرض المشكلة في قالب مبسط قدر الإمكان متبوعا برؤية مركزة لحلول مقترحة.
تتمثل المشكلة ببساطة في بعدين اثنين. أما البعد الأول فيتمثل في العجز الكبير في الموازنة واتجاه الحكومة للاقتراض من البنوك لسد هذا العجز وتهيئة سيولة لمواجهات الالتزامات فطرحت أذون خزانة اشترتها البنوك مستثمرة بها وعينها علي سعر فائدة مرتفع (بين 13 و14%) يفوق ذلك الذي تمول به القطاع الخاص. وكان طبيعيا أن يشكو المستثمرون من مزاحمة الحكومة لهم في الاقتراض المصرفي, ومن ثم تحجيم قدراتهم علي الاستمرار والمحافظة علي معدلات التشغيل وزيادتها. وقد صرح د. حازم الببلاوي ( أكتوبر 2011) أن الحكومة وصلت للحد الأقصي الذي يمكن اقتراضه من البنوك.
لذلك بدا تمويل العجز من الخارج لازما لتأمين السيولة وسلامة الموازنة وتجنب سداد فوائد كبيرة علي أذون الخزانة في السنوات الخمس المقبلة علي الأقل إن استمر بيع أذون الخزانة, وخفض عجز ميزان المدفوعات. لكن طرح أذون خزانة في الخارج سعيا لخفض العبء علي الدين العام لن يكون بديلا مناسبا لأن الدول والمؤسسات الاستثمارية والأفراد المشترية يمكن أن يبيعوا وينسحبوا في التوقيت أو التوقيتات التي تتناسب ومصالحهم هم.
وأما البعد الثاني من المشكلة فهو أن الحكومة لم تخطط فتضع سيناريوهات بديلة محددة معلنة لاستغلال القروض الخارجية إن أتت, ولإيقاف الفاقد في الإنفاق ولترشيد الدعم واستعادة معدلات الإنتاج. وإلا فإن القروض والمنح إن أتت ستتبخر دون أن يستفيد الاقتصاد وسنجد أنفسنا في المربع رقم (1) من جديد.
أما عن الحلول الممكن اقتراحها فأرجو عرضها في نقاط مركزة موجزة كما يلي:
1 ـ صياغة وتنفيذ رؤية استراتيجية اقتصادية منطقية معلنة متضمنة التوجهات الاستراتيجية في السياسات المالية والنقدية, وحوافز الاستثمار والسعي العاجل لتحسين الأداء الحكومي والخدمات المقدمة للمستثمرين والسائحين والمواطنين وتسريع وتيسير التقاضي.
2 ـ إعادة هيكلة فورية لجهاز الأمن ليكون حاضرا غير غائب. مع إعادة تشكيل ثقافة وإستراتيجية الجهاز بحيث يمارس رسالة أمنية أصيلة جوهرها حماية الأفراد والممتلكات والمؤسسات والأمن العام.
3ـ التحول لفرض الضرائب التصاعدية علي العوائد والدخول العالية ضمن نظام ضريبي فاعل. وفي تقديري أن المستثمر الجاد لن يمانع في ذلك. هذا مع توجيه الحصيلة لدعم مخصصات التنمية البشرية لاسيما الصحة والتعليم والإسكان بأولوية خاصة للمناطق والطبقات الفقيرة. إن الاقتراض والمعونات لا يصح أن يكونا ركيزة الإنقاذ الاقتصادي بقدر ما يكون تعظيم فاعلية النظام والعائد الضريبي ومصادر الدخل القومي الأخري وبشكل خاص السياحة.
4ـ تطبيق قانون الضريبة العقارية مع رفع حد الإعفاء علي قيم الوحدات الخاضعة للضريبة
5ـ زيادة فاعلية مكافحة التهرب الضريبي. ففي يقيني أن هناك بابا واسعا لزيادة الحصيلة الضريبية من هذا الباب إن توفرت خطط وأدوات فاعلة في هذا الصدد.
6ـ ترشيد فوري للدعم بحجبه عن الطبقات القادرة وشركات الأسمنت وما يماثلها التي تحقق أرباحا عالية من وراء طاقة محركة مدعمة وخامات رخيصة للغاية. وستكون حجة المعترضين واهية إذ أن هذا الترشيد سيجسد عدالة توزيع الدعم.
7 ـ الاهتمام العاجل بالتدريب الفني (المدارس الفنية ومراكز التدريب التابعة لوزارة الصناعة ولمؤسسات نوعية أخري) والتدريب الإداري لرفع الإنتاجية, وبشكل مستمر. إن تنافسية المنتج المصري في الأسواق المحلية والخارجية لن تتأتي بمهارات متدنية. إن تراجع الإنتاجية مع زيادة الاستهلاك يحجم من الأموال الممكن تدبيرها للاستثمار والنمو.
8ـ تيسير عمليات التجارة والاستمرار في دعم الصادرات وفق ضوابط موضوعية معلنة تكفل تحقيق الهدف الأساسي من دعم الصادرات وليس غيره.
9ـ تفعيل دور مكاتبنا التجارية بالخارج في الترويج للاستثمار والتصدير بالتنسيق مع وزارة الخارجية.
10- كل التدابير السابقة من شأنها تحقيق النمو في المؤسسات القائمة وامتصاص تدريجي للبطالة وزيادة حصيلة الضرائب وموارد الدولة.
11ـ تحجيم التوجه لطرح أذون خزانة في الخارج لأن من يشتري هذه الأموال الساخنة يمكن أن ينسحب في أي وقت.
12- توجيه ما يتاح من ستثمارات لإنشاءات أو توسعات بالصناعات كثيفة العمالة لامتصاص نسبة من البطالة.