تدعيم منظومة اكتساب المعرفة في الوطن العربي‏(2)‏
التعليم والمنظومة الاجتماعية والاقتصادية
بقلم: د . نادر فرجانى 97 

ليس من أمل يرجي من استمرار النظرة القطاعية التي تضيق من مجال الاهتمام بالتعليم وجهود تطويره‏,‏ فالتعليم في نهاية المطاف‏,‏ هو جهد مجتمعي يقوم علي تفاعل مختلف القوي النشطة في المجتمع, ولا يقتصر علي عمل وزارة أو أكثر, بعبارة أخري يتعين أن يصبح التعليم هما للمجتمع كله, لمؤسسات الحكومة وأجهزة الدولة كافة, وقطاع الأعمال والمجتمع المدني خاصة علي مستوي المجتمعات المحلية متضافرين وتزداد أهمية هذا التضافر في مؤسسات التعليم العالي.

 

إن التضافر المجتمعي الموصوف يضمن تواؤم نسق التعليم, مدخلات وبنية ومخرجات مع حاجات تنمية الانتاج وتقدم المجتمع, فبالإضافة إلي ايجاد حلول كفء لمشكلات تمويل التعليم مثلا, يمكن الاعتماد علي هذه الشراكة المجتمعية خاصة إذا قامت بفعالية في مواجهة التأزم الهيكلي للعلاقة بين نسق التعليم وحاجات عالم العمل والانتاج, ويستلزم الأمر بزيادة كفاءة التخطيط والجهود التعاونية بين قطاعات المجتمع كافة( الدولة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني) للمواءمة بين نسقي التعليم والعمل.
ويثار في سياق سياسات وبرامج التكيف الهيكلي مسألة تشجيع القطاع الخاص علي الدخول في ميدان التعليم استهدافا للربح. ولا ريب في أن تحسين تراكم رأس المال البشري يمكن أن يستفيد من وجود نظام تعليمي وطني وقوي, غير حكومي ولا يستهدف الربح, كمنافس للتعليم الحكومي, مع وجود ضمانات قوية للنوعية من خلال نظام محكم, وصارم, لضبط الجودة, ولكن في ظل السياق المؤسسي الراهن, يصعب أن يقوم حافز الربح أساسا للوفاء بحاجات الفئات الاجتماعية الضعيفة من التعليم وهي تضم غالبية العرب ويتوقع أن يزداد حرمانها منه إذا لم تقم الدولة بدورها في ضمان تعليم الفئات الاجتماعية الأضعف, وفي حال قيام مؤسسات ربحية تقدم الخدمة التعليمية يتعين أن تتولي أجهزة قوية تشترك فيها الدولة مع المجتمع لضبط التعليم الربحي وضمان جودته.
إقامة برنامج لتطوير التعليم علي الصعيد العربي
أضحت هناك حاجة ماسة لقيام برنامج عمل قصدي لتطوير التعليم في البلدان العربية, يقوم علي أساس برامج قطرية, ولكن في إطار تعاون عربي فعال, يتجاوز العمل الحكومي إلي قيام شراكة قوية بين الدول وقطاع الأعمال والمجتمع المدني.
إن بناء رأس المال البشري راقي النوعية هو تحدي المستقبل في البلدان العربية مجتمعية, ولم يعد التطور في السياق القطري المنفرد في هذا الميدان في عموم الوطن العربي كافيا. لقد حقق التطور القطري ما يمكن تحقيقه من توسع كبير في الانتشار الكمي للتعليم الأساسي, خاصة في البلدان العربية الأغلي, محدودة السكان, بينما يبقي تحدي الكم كبيرا في البلدان العربية الفقيرة, خاصة في المراحل الأعلي. ويلاحظ أن القضاء علي الجيوب الاخيرة للاستبعاد من التعليم أصعب من الإنجازات الأولي في نشر التعليم. وتشكل البيئات الرعوية والصحراوية تحديا خاصا في هذا الميدان. كذلك أتي التطور السابق بمشكلات تدني النوعية التي تعاني منها البلدان العربية الغنية والفقيرة علي حد سواء, وتمثل ترقية النوعية تحديا أكبر من نشر التعليم, ولكنه تحد من نوع مختلف.
لقد بات تطوير التعليم في مجمل البلدان العربية, بما يسهم في تفادي كارثة الانعزال عن المشاركة الفاعلة في عالم القرن الحادي والعشرين, يتطلب قيام سلطة تعليمية فوق- قطرية وفعالة علي الصعيد العربي. وبقدر ما تقترب الدول العربية من بناء هذه السلطة بقدر ما سيكتب لها أن تقيل مجتمعاتها من أزماتها التنموية الحالية, وأن تشارك من موضع قدرة في صنع العالم الجديد, وليس بكثير علي سبيل المثال, أن يصبح تطوير التعليم في الوطن العربي بندا رئيسيا, ودائما علي جدول أعمال مؤتمرات القمة العربية و إن حضرها جميع القادة العرب, وأضحت فعالة ومازال المجال بعد فسيحا لإنشاء مؤسسات قومية حكومية وأهلية, ولتدعيم المؤسسات القائمة, في ميدان التعليم, ولتوجيه مؤسسات تنمية اخري قائمة لأن تهتم (جديا) بتطوير التعليم, فالميدان رحب والتحدي هائل.
من المتفق عليه أن التعاون العربي الفعال شرط جوهري للتنمية الجادة في الوطن العربي ويصبح هذا بشكل واضح في مجال تنمية رأس المال البشري عامة وفي حقل التعليم خاصة نتيجة لتفاوت الإمكانات البشرية بين الأقطار العربية بشدة, بحيث يصعب علي أي قطر عربي, منفردا تحقيق إنجاز ملموس في نشر التعليم وترقية نوعيته. وقد ترتب علي هذه الخصيصة قيام تعاون عربي كبير في مجال التعليم لعدة عقود. وإن كانت نتيجة هذا التعاون حتي الآن أقل بكثير من المرغوب وتفرض التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها الوطن العربي تضافرا وثيقا في الجهود العربية لبناء القدرات البشرية والثقافية, وتجدر الإشارة نهاية إلي أن التعاون العربي في مجال التعليم يمكن أن يكون عامل صهر اجتماعي يساعد علي قيام أشكال أكثر رقيا من التعاون العربي في المستقبل.
ولعل التعليم العالي من أهم مجالات التعاون العربي في ميدان التعليم مما يوجب ايلاءه عناية خاصة, فالحاجة إلي تعاون عربي فعال في التعليم العالي والعائد المتوقع عليه أعلي ما يكون. والمجالات المرشحة بجدارة كأولويات التعاون العربي في التعليم العالي هي: الدراسات العليا, والبحث, والنشر, ويقتضي تفعيل التعاون العربي تغليب البعد القومي علي الاتجاه التنافسي- القطري في التعليم العالي العربي. ولا شك في أن التطور الهائل في تقنيات المعلومات والاتصال يمكن أن يسهم في تمتين ذلك التعاون.
غير أن قائمة مجالات التعاون العربي في ميدان التعليم طويلة ويمكن أن نذكر منها, إضافة للتعليم العالي, المناهج المدرسية وتدريب المعلمين, التي يترتب فيها علي وحدة اللغة ميزة لا تباري ويمكن لبعض هذه المجالات أن تتيح حوافز مغرية للقطاع الخاص نتيجة لاتساع السوق كما في حالة الكتب المدرسية مثلا, مع ملاحظة أن حجم السوق يتوقف علي مدي التعاون في مجال المناهج.
أولوية لطرفي المتصل التعليمي
تتبدي في البلدان العربية حاجة إلي الاهتمام بطرفي المتصل التعليمي أي الطفولة المبكرة والتعليم العالي لما لهما من عائد ضخم ممكن علي تعظيم ملكات الابتكار والابداع لاسيما في ميدان انتاج المعرفة, وعلي الرغم من ذلك فإن هاتين المرحلتين, خاصة الأولي لا تلقيان الاهتمام الواجب حاليا.

 

المزيد من مقالات د . نادر فرجانى <!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 58 مشاهدة
نشرت فى 26 سبتمبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,750,845