كتبت - عبير فؤاد أحمد: 62
في نداء غريب وغير مسبوق خاطبت السلطات الصحية الألمانية الأمهات المرضعات أن يتوقفن فورا عن الإرضاع لأن لبنهن لم يعد صالحا لتغذية أطفالهن..
وهي نفس الخطوة التي أقبلت عليها كل من سويسرا وامريكا. وكان السر وراء هذه الدعوة ماكشفته الأبحاث عن وجود تركيزات عالية من بقايا المبيدات مثل دي دي تي وهكسا كلوربنزول في حليب الأمهات, وهو ما يسمح بتسربها إلي الرضيع وتركزها في أنسجته بمافيها الكبد والكلي لتصيبه بضرر من حيث لا يتوقع. هذا الإعلان المثير الذي لاقي رواجا علي الصعيد البحثي منذ بداية الثمانينات ليس دعوة للإمتناع عن الإرضاع الطبيعي بقدر ماهو إنذار لما طال بيئتنا من تلوث جعل الأبناء يتوارثون سمومه مبكرا عن طريق حليب الأمهات, وهو ما ذهب بالمتخصصين للتوقع بأن تحل المبيدات بديلا عن السجائر كسبب للإصابة بالسرطان إذا استمر الوضع علي ماهو عليه. ولكن كيف يتسلل المبيد إلي الحليب؟ حول هذا التساؤل يرتكز مشروع دراسة للمركز القومي للبحوث عن انتقال المبيدات عن طريق لبن الأم ودور مضادات الأكسدة في تخفيض حدة الضرر الناتج, وذلك في إطار إتفاقية التعاون المشترك بين مصر وفرنسا ممثلة في مؤسسة مركز أبحاث سموم الغذاء توساليم.
وبحسب الدكتور سميح منصور أستاذ المبيدات والسموم البيئية بالمركز والخبير بالاتحاد الدولي للسميات من المسلمات إن حليب الأم هو الأفضل للطفل, لكن تعرضها اثناء الحمل حتي لمستويات منخفضة من المبيدات, فأنها تؤثر بالسلب علي الجنين. وعليه يتتبع البحث3 مبيدات لدراسة كيفية انتقالها خلال ثلاث مراحل تبدأ بالحمل عن طريق المشيمة التي يتغذي عليها الجنين, ثم بالرضاعة الطبيعية, وأخيرا مرحلة مابعد الفطام لبيان التغيرات الطارئة علي وظائف الطفل الحيوية وعمليات التمثيل الغذائي. ويواجه طعام الأمهات الاتهام الرئيسي كمصدر لتسرب التلوث للطفل, فغالبا ما يتبقي جزء كبير من المبيدات المرشوشة في التربة لأعوام عديدة, كما الحال مع المركبات الكلورية العضوية, حيث تمتص النباتات جزءا من هذه الكيماويات وتخزنها في أوراقها وثمارها ومنها إلي الحيوانات التي تتغذي عليها وتظهر في ألبانها ولحومها. ومما يزيد من خطورة هذه المبيدات تأثيراتها التراكمية, بالإضافة لانتقالها ضمن حلقات السلسلة الغذائية, ويحتوي لبن المرضعات علي أعلي نسبة من متبقيات المبيدات لكونه في نهاية السلسلة الغذائية مما يشكل خطورة كبيرة علي الرضع. وتسمي هذه المركبات كما تشير الدراسة بالدستة القذرة, ويأتي علي رأسها مبيدات اللندين والإندرين والديلدرين والهبتاكلور, وكلها مركبات من صنع الإنسان, بالإضافة إلي نواتج ثانوية أخري شديدة الخطورة تعرف باسم الدايوكسين والفيوران, ويؤدي التعرض لها بكمية صغيرة وبصفة مستمرة لاندماج سمومها مؤدية لتأثير إضافي متعدد ليس له مقاييس ثابتة متفق عليها عالميا. وهذه المبيدات تحاكي بعض الهرمونات المهمة في جسم الإنسان مثل الاستروجين والغدد الصماء والبنكرياسية مسببة اختلالا في وظيفتها واضطرابا هرمونيا, مما يفسر حدوث تحريف للصفة الجنسية للجنين عند تعرض الأم لبقايا المبيدات خلال شهور الحمل الأولي.
ساحة النقاش