نظام التجنيد أوجد مزيجا ثوريا بين الجيش والشعب
كتبت:شيماء أحمد منير 287
لم يكن الضباط الاحرار في معزل عن المطالب الثورية للشعب المصري, بل كانوا جزءا من ذلك النسيج الذي أحيك بخيوط الظلم والاستبداد والفقر الذي عم انحاء التراب الوطني.
حيث ساهمت التركيبة الاجتماعية للضباط الأحرار ونظام التجنيد المتبع في صفوف القوات المسلحة المصرية إلي إيجاد مزيج ثوري بين المؤسسة العسكرية وأبناء الشعب, حيث صارت هي المترجم لنبض الشارع المصري, وأوضاعه التي صارت حالكة السواد.
فانطلق الضباط الاحرار والتف الشعب حول ثورتهم البيضاء لنبذ الظلم نحو استعادة الحرية والكرامة الوطنية. وصار الجيش والشعب يدا واحدة لبناء المجتمع المصري علي أسس من العدالة وعدم التمييز بين بني الوطن الواحد. وانحاز الضباط الاحرار مع اللحظات الاولي لحكمهم البلاد لمطالب الشعب والقوي العاملة, وأدركوا أن الثورة تتطلب اعطاء الاولوية لبناء الدولة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية والذي يعد مطلبا ضروريا ومقدمة هامة لتدشين جيش قوي حقيقي; وذلك استنادا علي تطبيق الاشتراكية الاجتماعية. التي تطلبت إحداث تغيرات جذرية في المعطيات التي حكمت المنظومة الاجتماعية طوال السنوات التي سبقت الثورة. وصار الهدف الأساسي والمحوري للمؤسسة العسكرية مع توليها سدة الحكم هو تحقيق العدالة الاجتماعية, وقد شهدت البلاد خلال تلك المرحلة الثورية أوسع عملية للحراك الاجتماعي في مصر عبر مجموعة متداخلة ومتكاملة من الخطط تم استهلالها بصدور
قانون الملكية9 سبتمبر1952 حيث لم يكن الإصلاح الزراعي مجرد إعادة توزيع للملكية, بل استهدف النهوض بالإنتاج الزراعي, فضلا عن تحرير الفلاح المصري من قيود الاستعباد واستطاع القانون أن يحدث تغيير جذري في الريف المصري وغيرت من علاقاته الاجتماعية وصار بمقتضاه الفلاح له قيمة اجتماعية وانسانية وتحول من مجرد قوة عمل بشروط كبار الملاك الي قوة عمل منفردة تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. من خلال إعطاءهم الحق في تنظيم نقابات زراعية و جمعيات تعاونية. كما شهد الريف المصري نهضة اجتماعية تمثلت في بناء العديد من المدارس والوحدات الصحية والمساكن الشعبية في القري مما ساهم في ارتفاع نسبة الوعي و معدلات التعليم كما تم دخول الكهرباء والمياه النظيفة وتوفير التـأمين الصحي والإجتماعي والمعاشات لكل مواطن مصري. وذلك في إطار سياسة الثورة لإلغاء الفوارق الطبقية بين فئات الشعب والتي عاني بسببها المواطن من الاضطهاد والاقصاء وحرمانه من حقوق المواطنة, وصار بمقدور الفقراء أن يتقلدوا مناصب هامة قد حرموا منها سنوات طويلة, ومن أجل تحقيق المساواة بين المواطنين تم وضع حدود دنيا وعليا للرواتب والمرتبات.
وفي الوقت نفسه حققت الثورة حلم ملايين المصريين الفقراء بمجانية التعليم في جميع مراحل الدراسة, حيث أنخفضت نسبة الأمية من80% قبل1952 إلي50% عام1970 ولم يقتصر النهوض بالتعليم علي مجانيته بل النهوض بمحتواه والوصول به إلي أرفع المستويات إذ لم تقتصر القضية علي مجرد محو الأمية الأبجدية, وتم تطوير محتواه ليتناسب مع متطلبات الثقافة الثورية, وحرص جمال عبد الناصر في بناء نسق ثقافي جماهيري يوازن بين الماضي والحاضر, وبين الداخل والخارج. فضلا عن الاهتمام بإنشاء العديد من مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية.
اما البعد الأخر للعدالة الاجتماعية فتمثل في تشييد صروحا وطنية عظيمة في الصناعة ساهمت في توفير فرص عمل عديدة للخريجين, كما تم تحرير العمال من منظومة الاستعباد والاستغلال من خلال تقنين منظومة من القوانين التي أتاحت لهم حق المشاركة في مجالس إدارة الشركات, مع إعطاءهم الحق في التأمين الصحي, وغيرها من القوانين التي جعلت الشعب ينتصر في معركة محاربة الفقر والجهل والمرض الذي ساد قبل الثورة. وقد استندت المؤسسة العسكرية في بناء الاقتصاد المصري علي منظور استقلالي يعتمد علي تدشين صرح صناعي يشجع بمقتضاه الصناعات المحلية بهدف تشغيل الايادي المصرية, مع الحرص علي عدم تحميل مصر بديون سوف يكون لها تداعيات علي استقلال السياسة الخارجية المصرية. ومن أهم الصناعات التي تم تدشينها مشروعات الصناعات الثـقيلة كالحديد والصلب, وشركة الأسمدة كيما, ومصانع إطارات السيارات الكاوتشوك, ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف, ومصانع الكابلات الكهربائية.
وعلي الرغم من المحن التي تعرضت لها البلاد من أجل إفشال الثورة وضرب الاقتصاد المصري ونكمل الباقي' وصممت مصر المضي قدما في انتهاج التنمية المستقلة القائمة علي الاعتماد علي النفس. وبرغم العدوان الثلاثي و الانفصال بين سوريا ومصر ونكسة1967 فلم تتوقف عجلة التنمية, فبعد الهزيمة تحمل الاقتصاد المصري تكاليف إتمام بناء مشروع السد العالي العملاق, الذي وفر كميات المياه اللازمة لتحويل ري الحياض إلي ري دائم, وبفضله تم استصلاح ما يقارب من2 مليون فدان. كما تم مد خطوط الكهرباء من أسوان إلي الإسكندرية. وقد استطاعت مصر في عهد عبد الناصر أن تحقق الاكتفاء الذاتي من كل محاصيلها الزراعية ماعدا القمح الذي حققت منه80% من احتياجاتها. وفي عام1969 وصل إنتـاج مصر من القطن إلي10 ملايين و800 ألف قنطار, وهو أعلي رقم لإنتـاج محصول القطن في تـاريخ الزراعة المصرية علي الإطلاق. فضلا عن بناء مجمع مصانع الألمونيوم في نجع حمادي وهو مشروع عملاق بلغت تـكلفته ما يقرب من3 مليار جنيه, كما حافظت مصر علي نسبة النمو الإقتصادي قبل النكسة, بل أن هذه النسبة زادت في عامي1969 و1970 وبلغت8% سنويا. وأستطاع الاقتصاد المصري عام1969 أن يحقق زيادة لصالح ميزانه التجاري لأول وأخر مرة في تاريخ مصر بفائض قدرها46.9 مليون جنية بأسعار ذلك الزمان. كما تحمل الاقتصاد المصري عبء إعادة بناء الجيـش المصري من الصفـر وبدون مديونيات خارجية. إلا أن المؤسسة العسكرية صممت علي الصمود من أجل الابتعاد عن أي محاولات للتبعية واتضح ذلك جليا عام1965 عندما واجهت مصر حربا اقتصادية في شكل إيقاف المعونات, وقيام ألمانيا الغربية بتحويل ما كانت تقدمه من معونة إلي إسرائيل.
باحثة بوحدة دراسات الثورة المصرية
ساحة النقاش