وطني... أخشي عليك من الليل إذا يغشاها
بقلم: حامد عمار
397
والحديث متصل ومتواصل مع ثورة يناير, فمنذ أسبوعين نشرت لي الأهرام مقالا بعنوان:( وطني بين إشراقة الشمس وضحاها)
حيث أصابني القلق والتوتر مما تتعرض له إشراقة الثورة الباهرة من أحداث, ويشهد بداية ضحاها بظهور سحابات وتجمع غيمات, هنا وهناك.
وتنادت الصيحات بأن الثورة في خطر. ولتخفيف وقع تلك الرؤية عن كاهل شيخ جاوز التسعين, تسعفني السلوي من المثل المشهور: إنها سحابة صيف عما قليل سوف تنقشع.
وتتجمع الحشود في ثورة الغضب الثانية في ساحة التحرير معلنة تمسك الشعب بأهداف الثورة التي لا بديل عنها, ويغيب عنها قصدا وموقفا الإخوان المسلمون بدعوي تمسكهم أيضا بما تم في مطلع الثورة من تغيرات دستورية ومواعيد اتخذت لمرحلة الانتقال نحو نظام سياسي جديد. ويزعم أصحاب الهوي والمصلحة بأن ذلك التجمع لم يكن ممثلا لمطالب الأغلبية حيث سجل المرصد الدقيق لأولئك الصحاب بأن عدد الغاضبين في ميدان التحرير إذ ذاك لم يتجاوز(3000)!!! وأحسب أن ما جري بعد ذلك وقبله من الحوار الوطني والسعي إلي توافق قومي قد كشف عن خلافات واسعة ومواقف وادعاءات متباينة تمثل تفككا في حزمة التوجهات الوطنية, وبخاصة فيما جري من ترتيبات مؤسسية وزمنية في طريق التحرك خلال المرحلة الانتقالية, وتسليم الهيئة العليا لقواتنا المسلحة ما تقوم به حاليا من مسئوليات في حماية الثورة ودعمها وصولا إلي الانتخابات البرلمانية.
وفي هذه الأجواء وخلافاتها ازداد قلقي علي أهداف الثورة, ولم تعد مخاوفي من بعض سحابات الضحي, وإنما من الليل الذي أخذ يغشاها ويغشانا.
وبدأنا نسمع عن مقولات بأن ميثاق أحد الأحزاب أفضل من وثيقة حقوق الإنسان, وأنه سوف يسيطر علي مقاليد الوطن تشريعا وحكومة. وهو لذلك يحرص كل الحرص علي الاستمرار في تطبيق ما تم اتخاذه من ترتيبات وتوقيتات لإنهاء المرحلة الانتقالية, مع التمسك بالاكتفاء بما جري من تغييرات محدودة لبعض ما تم من مواد دستور.1971 ولعل أهم مواقع الخلاف يكمن في اتساع الشقة من ناحية بين من يري ضرورة صياغة دستور جديد شامل متكامل لمقومات النظام الجديد قبل إجراء أي انتخابات ليستند إليه وإلي مواده كل نظامها السياسي والمجتمعي المقبل, ومن الناحية الأخري بين من يري الاكتفاء مرحليا بالتغييرات التي تم الاستفتاء عليها, وترك وضع دستور متكامل لمجلس الشعب الذي يتم انتخابه علي أساس تلك التغييرات المحدودة. ويري فقيهنا الدستوري أ.د. محمد نور فرحات حلا لهذه الأزمة من خلال إجراء استفتاء جديد علي هاتين القضيتين. والواقع أن الاستفتاء الأول علي المواد التي تم تغييرها جري في أوائل فترة الثورة, حيث كان زخم الرغبة في التغيير, تغيير أي شيء ينتمي إلي فترة الحكم التسلطي. هذا إلي جانب ما ساد أجواءه من حشد وتأثير لبعض الأحزاب أو لأعوان الحكم البائد, مما أدي إلي ارتفاع نسبة الاتفاق مع التغييرات المحدودة.
وأود هنا أن أطرح رأيا مستمدا من رأي د. فرحات إذ أري أن ما طرحه من فكرة الاستفتاء والحوار أن يتم اقتصاره علي الأساتذة والمتخصصين في مجال القانون الدستوري من جميع أطياف كليات الحقوق وغيرهم من الباحثين ورجال القضاء ونسائه.
ودعاني إلي هذا الاقتراح أيضا ذلك الحوار الذي دار بين الأستاذ الدكتور ممدوح حمزة وأخي الفاضل الدكتور عصام العريان. وعندما اتسع الخلاف بينهما, ينهيه الأول موجها حديثه للثاني بأنه( لا أنا ولا أنت من رجال القانون الدستوري, فأنا مهندس وأنت طبيب ولنترك الرأي لرجال القانون).
تأملت ذلك الحديث بين هذين القطبين, ومعه عاد إلي ذاكرتي ما قاله الإمام ابن حزم في كتابه, الإحكام في أصول الأحكام( إن المراد بلزوم الجماعة هو لزوم الحق وأهله, حتي لو قالوا لا لزوم أكثر الناس. وهذا مما يقع الخطأ في فهمه, فاقتضي ذلك التنبيه عليه). وفي صدد الاستفتاء العام في قضايا التخصص العلمي ربما كان علينا أن نتساءل هل كان من الضروري إجراء استفتاء عام لاختيار موقع الضبعة مركزا لمشروعنا النووي؟!
وأرجو ألا يقفز قارئ إلي اتهامي بالفاشية أو عدم الإيمان بالديمقراطية والمشاركة الشعبية, فالانتخابات العامة تتصل باختيار من يمثل كل الناس دون تمييز, وعلي برامج تمس مصالحهم, وسياسات مجتمعهم, وتنظيم حياتهم, وما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات. ومن ثم جاءت فكرة الاحتكام إلي أهل الاختصاص من رجال القانون في تقديري اقتراحا مناسبا لحل تلك الأزمة الخطيرة, وما يصحبها من تداعيات في توقيت لمرحلة الانتقال المعلنة.
أما بعد: فإن بعضا من سحابات الضحي وعتمات الليل التي تسربت في أجواء الثورة وأهدافها تتطلب الحماية من أعدائها أو ممن لم يشاركوا فيها ووجدوا أنفسهم في غمارها. ومن ثم محاولة الهيمنة علي حركتها لتحقيق أحلامهم الخاصة, وليدعوا أنهم ثوريون أكثر من ثوارها في تحرقهم وشوقهم التاريخي للإمساك بمقاليد السلطة, وإجهاض ولادة التحول الديمقراطي التي نتشوق لإنجازها منذ أن أرادها رفاعة الطهطاوي في أوائل القرن الثامن عشر لتكون بيتا لسعادتنا أجمعين نبنيه بالحرية والعلم والمصنع.
المزيد من مقالات حامد عمار
ساحة النقاش