بقلم:د. محمد السعيد عبدالمؤمن
يمكن القول إن العلاقات المصرية الإيرانية تحكمها نظريتان أساسيتان, هما التواصل الحضاري والتنافس القطبي, تبعا لظروف العصر وتطور الأحداث وتشابك المصالح, وتدل التجارب التاريخية علي أن التنافس القطبي الذي كان يؤدي أحيانا إلي الحروب المباشرة بين الدولتين.
أن دعم دول أخري من جانب طرف ضد الطرف الآخر, أو حرب باردة بين الطرفين. علي أن علاقة التعاون بين مصر وإيران كانت بين قطبين فاعلين علي مختلف المستويات خاصة المستوي الإقليمي, وكانت عامل ضبط وتوجيه لنشاط كل منهما, وفي قيامه بدوره وواجبه وتنفيذ تعهداته في المنطقة.
لقد كانت الثورة الإيرانية مدينة لثورة يوليو, التي رحبت بالثوار الإيرانيين, وفتحت لهم معسكراتها, وعلي رأسهم القائد مصطفي جمران الذي تلقي تدريبه العسكري في معسكر أنشاص مع قوات الصاعقة المصرية, الذي أخلصت ثورة مصر في تدريبه وزملائه ليكون لائقا لتعيينه أول وزير للدفاع بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران.
وقد اعتبرت الثورة الإيرانية المفهوم الكفاحي أمرا مشتركا بين الثورة والناصرية, كما اعتبرت الثورة الإيرانية جمال عبدالناصر زعيما عظيما للعالم الثالث. لكن الثورة الإيرانية استغلت قطع العرب علاقاتهم مع مصر علي أثر توقيع معاهدة كامب ديفيد لتقدم نفسها كزعيمة للمنطقة, لكن جهودها فشلت في هذا الصدد, ومن ثم سعت إلي إقامة علاقات طبيعية مع مصر باعتبارها مدخلا جيدا لنجاح السياسة الخارجية الإيرانية, خاصة في منطقة الشرق الأوسط, وورقة يمكن استخدامها لإنجاح المساعي الإقليمية الإيرانية, وكانت إيران تتمني قيام ثورة في مصر تطيح بالنظام الحاكم حتي يتسني لها الدعاية من جديد لتصدير الثورة الإيرانية من ناحية, ومحاولة إقامة تحالف مع الثورة المصرية من ناحية أخري, كخطوة لقلب الأوضاع الإقليمية لصالح التوجهات الإيرانية, فكان من الطبيعي أن تؤثر ثورة52 يناير علي إيران من عدة نواحي:
أولا: استفادت حركة المعارضة في إيران من نجاح الثورة المصرية,وبدأت بتنظيم مظاهرات سلمية لتأييد الثورة المصرية تقودها حركة الخضر, وعقدت أوجه شبه بين الثورة المصرية وحركة المعارضة الخضراء في إيران, وقد اضطر النظام إلي تفريق المتظاهرين والمعتصمين بقوة, والتضييق علي زعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي, ووصف حركة المعارضين بأنها فتنة, واعتقل رؤوس المتظاهرين وقدموا للمحاكمة.
ثانيا: دفع هذا التأثير السلبي للثورة المصرية علي النظام الحاكم في إيران إلي أن يفكر في وسيلة لمنع تداعيات هذا التأثير عليه, مع محاولة الاستفادة مما حققته الثورة المصرية في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط والعالم, فسارع إلي بحث أسلوب التعامل في الظروف الراهنة مع الأحداث, سواء داخل إيران أو في منطقة الشرق الأوسط عموما, وفي منطقة الخليج خصوصا, وقد صدرت أوامر الزعيم بوضع برامج تطوير عملية وعميقة وطويلة الأمد, في السياسة الخارجية الإيرانية, خاصة مايتعلق بعملية تصدير الثورة الإيرانية, علي أساس الحركة الضاغطة في شكل سلسلة متلاحقة من الأطروحات, والاستعداد الدائم والاستنفار الكامل لجميع الأدوات المساعدة, والاعتماد علي الخبرات المختلفة في مجال العلاقات, وعلي التحرك السريع الفعال, وإمكانات الفقه السياسي, والتقية السياسية التي يمكن أن تقوم بدور فعال في حل المشاكل التي قد تطرأ بين النظام والأطراف الأخري.
ثالثا: تطوير جهاز الاستخبارات الإيراني علي أساس المبادأة, ويؤكد وزير الاستخبارات أن هذا التطوير الجديد من أجل مواجهة العدو وأجهزة استخباراته, فهناك حرب خفية بين أجهزة استخبارات العدو وبين النظام الإسلامي, خاصة فيما يتعلق بعمليات اغتيال العلماء الإيرانيين, أو إثارة الفتنة داخل إيران ودعم المعارضة الإيرانية, أو محاولات وقف وإفساد البرنامج النووي الإيراني, أو الحد من الدور الإقليمي الذي تلعبه إيران في المنطقة, وهذا التطوير إضافة طاقة جديدة ومضاعفة لحركة هذا الجهاز, من أجل تحقيق متطلبات الثورة الإسلامية والشعب الإيراني.
رابعا: أسرعت إيران التي تستعد لمواجهة ظروف إعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط إلي إعادة الترويج لمشروع الشرق الأوسط الإسلامي, بعد تعديل الرؤية بمنظور أوسع من المصلحة الخاصة, ووضع الوجود المصري في الحسبان. والقيام بحملة إعلامية حول خطورة الموقف الأمريكي من أجل تغيير خريطة المنطقة, الذي يهدف إلي تغيير عقائد شعوب المنطقة وتغيير سلوكهم وضرب الوحدة الوطنية والقضاء علي الهوية القومية والدينية لهذه الشعوب, وأن من الضروري تقديم المصالح الوطنية, واتخاذ الأساليب العلمية لمواجهة هذا الأمر, وتأمين مصالح الجماهير.
خامسا: إعادة النظر في التحركات الشيعية في المنطقة, والتباحث معهم حول دور الشيعة في الأحداث والظروف الراهنة, وأمية الاتصال والترابط والتنسيق بين القوي الشيعية في العالم, خاصة في الدول العربية.
سادسا: العودة إلي استخدام سياسة الحياد النشط في الداخل والهدوء النشط في السياسة الخارجية, وإن كان مصطلح الهدوء النشط يشترك في أحد أركانه مع الحياد النشط, إلا أنهما يختلفان اختلافا عميقا في الأساس, فالهدوء النشط يحافظ علي مناخ هاديء للحركة السياسية مع عدم التسليم أمام جماعات الضغط وقوي المعارضة, وخاصة الإصلاحيين الذين يدخلون علي توجهاتهم توجهات ليبرالية في مواجهة مفهوم الولاية المطلقة للفقيه. أما الحياد النشط فهو حياد مراقبة يقظة له حدود تتداخل مع المصلحة الوطنية, حيث تظل السلبية في التعامل مع الأحداث طالما أنها لاتمس بشكل مباشر المصلحة القومية الإيرانية, بينما تكون الفعالية باستمرار مراقبة الأوضاع ووضع خطط تكون جاهزة للتنفيذ مع تحول الأحداث ناحية الخط الأحمر للمصالح الإيرانية.
سابعا: توجه السياسة الإيرانية إلي ركوب الموج ورصد الفرص للحصول علي كسب دون بذل جهد أو طاقة أو بذل أي نوع من النفقات, لأن الثورات والانقلابات والحركات الاجتماعية والاعتراضات والتمرد الفئوي والمظاهرات والاضطرابات والمسيرات يمكن استغلالها كحل للمواقف الصعبة التي تواجه الإدارة الإيرانية في ظل الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية, وإيجاد مصالح مشتركة ولو بشكل جزئي مع أطراف مختلفة, أو حتي متعارضة تماما, وإعطاء الفرصة لحصول أصدقاء إيران علي مزيد من المكاسب.
ساحة النقاش