خمسة مواقف من الثورة!

  بقلم   علاء الأسوانى    ١٥/ ٣/ ٢٠١١

حدث ذلك فى ميدان التحرير أثناء الثورة، كانت الساعة الثانية صباحاً وكنت أحس بإرهاق فأشعلت سيجارة وألقيت بالعلبة الفارغة على الأرض.. اقتربت منى سيدة جاوزت السبعين وحيتنى بحرارة ثم قالت إنها من قرائى وأثنت على ما أكتبه فشكرتها لكنها تطلعت إلى فجأة وقالت:

ـــ من فضلك خذ هذه العلبة من على الأرض.

أحسست بخجل، انحنيت والتقطت العلبة الفارغة، فقالت السيدة:

ــ ألق بها هناك فى المكان المخصص للقمامة..

فعلت كما أرادت وعدت إليها كأننى طفل مذنب، فابتسمت وقالت:

ــ نحن الآن نبنى مصر أخرى جديدة.. يجب أن تكون نظيفة..

هذه واحدة من حوادث كثيرة مبهرة عشتها بنفسى أثناء الثورة. كنا نهتف مرة بسقوط حسنى مبارك عندما تحمس شاب وصاح بهتاف بذىء ضد السيدة سوزان مبارك فأسكته المتظاهرون فورا وقالوا له: نحن نطالب بحقوقنا ولسنا شتامين. ثلاثة أسابيع اجتمع خلالها مليون شخص فى مكان واحد ولم نسمع عن حادثة تحرش واحدة ولا حادثة سرقة واحدة. لعلها أول مرة فى التاريخ ينزل المعتصمون بعد تحقيق مطالبهم لينظفوا الميدان الذى اعتصموا فيه.

لماذا تجّلت الشخصية المصرية بكل هذا الرقى أثناء الثورة؟!...

الواقع أن الثورة فى حد ذاتها إنجاز إنسانى عظيم. الثورة تخرج من الإنسان أفضل ما فيه وتخلصه من عيوبه وانحرافاته الأخلاقية. عندما تثور تتحول فورا إلى كائن إنسانى أرقى لأنك تواجه الاعتقال والموت من أجل حريتك وكرامتك. لأنك تؤكد فى كل لحظة أن حرصك على الحرية أكبر من حرصك على الحياة نفسها.

السؤال: هل اشترك المصريون جميعا فى الثورة.. ؟ الإجابة بالنفى لأنه لا توجد ثورة فى التاريخ اشترك فيها كل أفراد الشعب.. فى رأيى أنه فى مصر الآن خمسة مواقف مختلفة من الثورة.

أولا: الثائرون

.. هؤلاء يمثلون أنبل ما فى مصر، ثاروا من أجل الحرية ودفعوا ثمنا باهظا من أجل بلادهم.. الأرقام الحقيقية لضحايا الثورة التى تسربت من وزارة الصحة تشير إلى أكثر من ٨٠٠ شهيد، وأكثر من ١٢٠٠ شاب فقدوا أعينهم من الرصاص المطاطى، وآلاف المفقودين الذين قد يكون منهم شهداء كثيرون.. هذه التضحيات الكبيرة هى ما يجعل أصحاب الثورة مصرين على تحقيق أهدافها بالكامل، وهم بعد أن صهرتهم تجربة الثورة تخلصوا من الخوف إلى الأبد، كما أنهم يتمتعون بوعى سياسى يجعلهم عادة يتخذون الموقف الصحيح.

ثانيا: المتفرجون

هؤلاء مصريون عانوا لسنوات طويلة من نظام مبارك الفاسد الظالم لكنهم لم يكونوا مستعدين قط للتضحية من أجل انتزاع حقوقهم. كانوا منهمكين فى كفاحهم من أجل الرزق، ومشغولين تماماً بهموم الحياة اليومية. أقصى ما كانوا يفعلونه أن يجأروا بالشكوى ثم يرددوا: «ربنا يولى من يصلح». فوجئ المتفرجون بالثورة ولم يشتركوا فيها واكتفوا بمشاهدتها فى التليفزيون، وقد تقلبت عواطفهم مع الثورة وضدها أكثر من مرة.. فى البداية صدّق كثيرون منهم تضليل الإعلام الرسمى واعتبروا الثوار مأجورين ومدسوسين ثم رأوا الشهداء يتساقطون فتعاطفوا معهم، لكنهم لما شاهدوا حسنى مبارك وهو يطالب بأن يموت فى بلاده بكوا متأثرين.

وفى اليوم التالى لما حدثت مذبحة المتظاهرين انقلبوا من جديد وأيدوا الثورة. هؤلاء المتفرجون يريدون التغيير بشرط ألا يكلفهم ذلك شيئا. يريدون أن تتحقق الديمقراطية دون خسائر لهم وبلا أدنى تغيير فى نظام حياتهم وهم يعيشون نفسيا وفكريا فى مرحلة ما قبل الثورة....

ثالثا: أعداء الثورة

هؤلاء مصريون يدركون أن الثورة ستضيع مكاسبهم وثرواتهم وقد تؤدى بهم إلى المحاكمة والسجن. وهم متنوعون فى الدرجات الاجتماعية والمهن: وزراء ورجال أعمال من كبراء الحزب الوطنى، وضباط أمن دولة، وإعلاميون فاسدون، ومرتشون صغار وسماسرة.. كل هؤلاء مصممون على القضاء على إنجازات الثورة أو تعطيلها. هؤلاء الفاسدون كانوا مطمئنين فى ظل حكومة أحمد شفيق التلميذ النجيب لمبارك. أمضى الفريق شفيق أكثر من شهر فى منصبه فلم يقدم ضابطا واحدا للمحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين بالعكس فإن وزير داخليته محمود وجدى أشاد بالمهام الوطنية التى يؤديها ضباط أمن الدولة... عندما أقال المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكومة شفيق، وعين بدلا منها حكومة الثورة بقيادة الدكتور عصام شرف، استشعر أعداء الثورة الخطر فبدأوا فى اليوم التالى إعدام المستندات واختفى ضباط أمن الدولة من مكاتبهم ليعملوا على نشر الفوضى وذلك من أجل تحقيق هدفين: أولا خلق حساسيات بين الجيش والثوار تدفع بالجيش إلى التخلى عن تأييد الثورة... والهدف الثانى الضغط على المصريين المتفرجين حتى يكرهوا الثورة بسبب وقف الحال والفوضى وانعدام الأمن حتى يكون ذلك مبررا لاتخاذ إجراءات استثنائية تعيد مصر إلى النظام السابق...

رابعا: الإخوان المسلمون

اشترك الإخوان المسلمون بشجاعة فى الثورة مثل بقية المصريين، بل إن شباب الإخوان صنعوا بطولات حقيقية لحماية المتظاهرين من اعتداء الشرطة والبلطجية.. على أن مشكلة الإخوان المزمنة التى تتكرر بانتظام منذ إنشاء الجماعة عام ١٩٢٨، تتمثل فى المفارقة المؤسفة بين الصلابة الأخلاقية للإخوان كأشخاص والليونة السياسية لهم كتنظيم. معظم الإخوان أشخاص جيدون ومخلصون لكن قياداتهم تضع مصلحة الجماعة أولا وتلعب على كل الحبال. من هنا وقفت جماعة الإخوان بانتظام ضد الديمقراطية وأيدت الحكام المستبدين جميعا بلا استثناء واحد، بدءا من الملك فاروق وإسماعيل صدقى جلاد الشعب، وحتى عبدالناصر وأنور السادات. ولقد رأينا كيف خالف الإخوان الإجماع الوطنى واشتركوا فى انتخابات مبارك الأخيرة، ثم خالفوا الإجماع مرة أخرى وجلسوا للتفاوض مع عمر سليمان الذى أراد أن يبيض وجه النظام السابق ببعض الصور التذكارية مع المعارضين. وها نحن نرى الإخوان يكررون أخطاءهم من جديد فيقفون مع الحزب الوطنى فى الخندق نفسه ويؤيدون التعديلات الدستورية التى يعلمون جيدا أنها معيبة وستؤدى إلى عرقلة الديمقراطية وتضييع مكاسب الثورة.. لقد اتخذت قيادة الإخوان قرارا بتأييد التعديلات لأن الانتخابات لو أجريت بسرعة فسوف تؤدى إلى حصولهم على عدد أكبر من المقاعد فى مجلس الشعب، وهذا الاعتبار أهم لديهم من أى اعتبار آخر...

خامسا: القوات المسلحة

لم تكن هذه الثورة لتنجح لولا حماية القوات المسلحة التى انحازت من اليوم الأول للشعب المصرى ضد النظام الفاسد. لاشك إذن فى فضل الجيش على الثورة لكن ثمة أسئلة حائرة يرددها المصريون ولا يجدون لها إجابة:

١- ما الوضع القانونى للرئيس المخلوع حسنى مبارك...؟ هل هو متقاعد أم متحفظ عليه أم محدد الإقامة؟ وهل من حقه أن يستعمل الطائرات والقصور الرئاسية..؟ ومتى تتم محاكمته على الجرائم التى ارتكبها فى حق الشعب المصرى، ولماذا لم تتم ملاحقة كبار أعوان مبارك مثل صفوت الشريف وزكريا عزمى وفتحى سرور..؟

٢- لاشك أن القوات المسلحة تدرك تماما الدور الإجرامى الذى لعبته مباحث أمن الدولة على مدى عقود.. بدءا من الاعتقال والتعذيب البشع وهتك الأعراض والتجسس على المواطنين وابتزازهم، وصولا إلى تخريب مصر كلها عن طريق الدفع بالعملاء وكتبة التقارير إلى المناصب القيادية بغض النظر عن كفاءتهم.. لقد تمت إحالة بعض قيادات وضباط أمن الدولة إلى المحاكمة.. هذه خطوة جيدة لكن أغلب ضباط أمن الدولة طلقاء ومختفون عن الأنظار، ولسوف يعملون كل ما فى وسعهم من أجل إشاعة الفوضى وإثارة القلاقل وهم يملكون أدوات التخريب كاملة: الأسلحة والخبرة والأموال والعملاء الذين ينتظرون أوامرهم فى كل مجال بدءا من الإعلام وحتى الأحزاب السياسية.. إن حرق المستندات والفتنة الطائفية ومظاهرات الأقباط والسلفيين ليست سوى بروفات صغيرة لما تستطيع فلول أمن الدولة أن تصنع بمصر... لماذا لا يستعمل الجيش قانون الطوارئ للقبض على ضباط أمن الدولة وتقديمهم للمحاكمة..؟

٣- بعد سقوط حسنى مبارك ثارت مطالب فئوية فى كل مكان فى مصر.. السبب فى ذلك أن معظم أصحاب المناصب فى الوزارات والمصالح والجامعات فاسدون ومتواطئون مع نظام مبارك.. هناك إذن مطالب فئوية مشروعة فلماذا لا يتم تكوين لجنة للتطهير من قضاة مستقلين للتحقيق فى شكاوى العاملين وعند التأكد من صحتها تتم إحالتها إلى النائب العام؟.. أعتقد أن هذه الطريقة الوحيدة لإيقاف المظاهرات الفئوية.. عندما يطمئن الناس أن العدالة ستتحقق حتى ولو بعد حين.

٤- لماذا يبدو الجيش متعجلا لإنهاء الفترة الانتقالية؟ الإجابة المعتادة أن الجيش يريد إنهاء مهمته الصعبة فى أقرب فرصة حتى يعود إلى وظيفته الأساسية فى تأمين الوطن.. هذا كلام معقول ومقبول، ولكن ألم يكن من الأفضل الأخذ باقتراح أساتذة القانون وتعيين مجلس رئاسى مؤقت من عسكرى ومدنيين ليرفع عن قيادة الجيش المسؤولية فى الفترة الانتقالية.. عندئذ كان سيمكن إعطاء مهلة كافية بعد إطلاق حرية تكوين الأحزاب حتى تأتى الانتخابات معبرة عن إرادة الشعب المصرى.

٥- من المعروف أن الدستور يسقط تلقائيا بسقوط النظام السياسى الذى يمثله.. فلماذا الإصرار على ترقيع الدستور القديم؟.. القوى الوطنية جميعا (باستثناء الإخوان المسلمين والحزب الوطنى) رفضت التعديلات واعتبرتها معيبة، بل إن المستشار زكريا عبدالعزيز رأى فيها استخفافا بالشعب المصرى.. ما الحكمة فى الإصرار على هذه التعديلات..؟ ثم كيف سيجرى الاستفتاء عليها فى هذه الحالة الأمنية المتدهورة...؟! لماذا لا نتبع نصيحة أهل الاختصاص من أساتذة القانون الدستورى ونعلن وثيقة بمبادئ الدستور ثم نجرى انتخابات لجمعية تأسيسية تكتب دستورا جديدا يعبر عن إرادة الشعب..؟ إذا كانت الإجابة أن الحالة الأمنية لا تسمح بإجراء انتخابات فنحن نذكر بأنه فى ظل نفس الحالة الأمنية المتدهورة سيجرى استفتاء على التعديلات فى أنحاء البلاد كلها... فإذا كنا قادرين على عمل استفتاء على التعديلات سنكون بلاشك قادرين على عمل انتخابات لجمعية تأسيسية للدستور.

هذه الأسئلة المشروعة لا تقلل بالطبع من تقديرنا للدور الوطنى العظيم الذى قامت به القوات المسلحة.. لكن مصر تمر بلحظة دقيقة تفرض علينا جميعا أن نتكلم بأمانة وصراحة حتى تبدأ بلادنا المستقبل الذى تستحقه.

الديمقراطية هى الحل...

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 98 مشاهدة
نشرت فى 15 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,793,644