ثورة الشباب وتعليم المستقبل
بقلم د: سامى نصار


إن ثورة الشباب المصرية تجاوزت ـ في نتائجها ـ كل الثورات السابقة عليها‏.‏ وتجاوزت في وسائلها للحشد والتنظيم والتعبير والحوار‏,‏ ما تعارفت عليه الثورات السابقة‏,‏ وما كانت تتوقعه القوي التقليدية في المجتمع التي كانت ـ

 

 ومازالت ـ متمترسة خلف تصوراتها وأفكارها القديمة عن الشباب الذين فاجأتهم ثورته‏,‏ وقدرته علي الصمود مستخدما أحدث منجزات تكنولوجيا المعلومات والاتصال‏,‏ فكانت أن قررت الدولة‏,‏ التي هرمت‏,‏ حرمان المجتمع منها‏,‏ ولم يكن أمام أصحاب باقي قوي المجتمع سوي التجاوب معها خلاصا من القهر والظلم الاجتماعي‏,‏ ولم يكن أمام أصحاب المصلحة والمنتفعين من النظام السابق سوي المقاومة بأساليبهم البالية حتي سقوط النظام بأكمله‏.‏
لقد كشفت ثورة الشباب عن أن ثروة مصر الحقيقية هي في شبابها‏,‏ فما قام به الشباب دعوة وحشدا وتنظيما وصمودا وتحضرا وانتماء جعل من ثورتهم أعظم ثورة شعبية شهدتها البشرية باعتراف العالم أجمع‏,‏ نعتز بها ونفخر أبد الدهر‏.‏
والمفارقة التي تدعو إلي الإعجاب والأسي في آن واحد‏,‏ أن من قاموا بهذه الثورة هم من طلاب أو من خريجي نظام تعليمي نعلم جميعا مقدار تخلفه‏,‏ وكم المشكلات التي يعانيها‏.‏ فإذا كان خريجو هذا النظام بكل سوءاته قد أنجزوا أكبر ثورة شعبية في التاريخ مستخدمين أحدث معطيات تكنولوجيا المعلومات والاتصال فماذا لو كانوا من خريجي نظام تعليمي متقدم؟‏!‏ وهنا مبعث الأسي‏,‏ إن معني ذلك أننا أهدرنا ثروة مصر خلال ثلاثة عقود‏,‏ وهي فترة ليست بالقصيرة في عمر الأمم إذا ما قيست بمعيار تبديد أغلي ثرواتها وهي الثروة البشرية‏,‏ وإفسادها من خلال سياسات نظرت إلي التعليم باعتباره خدمة مدفوعة الأجر وليس استثمارا في رأس المال البشري‏..‏ سياسات أدارت التعليم بمنطق الشركات وحساب الربح والخسارة‏,‏ واعتبرته سلعة وليس نسقا من أنساق الأمن القومي المصري‏.‏
سياسات الأبواب الموصدة والأيدي المغلولة عندما يتعلق الأمر بتعليم أبناء الشعب‏.‏
باختصار إنها سياسات جعلت مصر تحتل المرتبة الــ‏131‏ في جودة التعليم علي مستوي العالم‏.‏
لقد تعلم هذا الشباب ـ مفجر الثورة ووقودها ـ في مدارس يفتقر معظمها إلي الحد الأدني من متطلبات العملية التعليمية‏,‏ وفي جامعات احتشدوا في قاعاتها احتشادا‏,‏ وحرموا من ممارسة أي نشاط ثقافي أو سياسي حر‏,‏ كما حوصروا بمناهج لا تحترم عقولهم واختياراتهم‏,‏ ومورست عليهم صنوف مختلفة من العنف المادي والرمزي‏,‏ إلي حد تصور النظام أنه أخضعهم لسلطانه‏.‏ وأنه نجح في دفعهم للهجرة خارج الوطن ماديا ومعنويا‏.‏
إن معني ما تقدم أنه لو كان لدينا تعليم أفضل لغير هؤلاء الشباب وجه مصر ووجهتها‏,‏ ولكانت مصر في مصاف الدول الكبري في جميع المجالات‏.‏ وإذا كانت ثلاثون سنة لم تفلح في إطفاء جذوة الأمل وروح التوقد في عقول الشباب‏,‏ ولم تفسدهم سياسات الفوضي المتعمدة التي نفذها النظام السابق وأعوانه في كل المجالات‏,‏ فإننا الآن مطالبون ببناء نظام تعليمي جديد يستوعب روح العصر بمنجزاته ومتغيراته‏,‏ ويستثمر طاقات الشباب الخلاقة والمبدعة والطامحة إلي الحرية والمساواة‏,‏ وإلي العمل الجاد والمنتج‏,‏ إننا في حاجة إلي تعليم يؤسس للعقلانية والتفكير العلمي‏,‏ تعليم لا يقوم علي التلقين ولا يكرس عبادة الفرد‏,‏ تعليم تكون للدولة فيه اليد العليا تمويلا إدارة وإشرافا‏,‏ وتستعيد فيه مؤسسات التعليم الحكومية ـ بما يوفر لها من إمكانات مادية وبشرية ـ ثقة كل أفراد المجتمع وطبقاته باعتبارها المسئول الأول عن تعليم جميع أبناء الشعب علي قدم المساواة‏,‏ تعليم يستثمر ما اكتشفناه في أطفالنا وشبابنا من حب لمصر وانتماء لها جعلهم يضحون بأرواحهم في سبيل نهضتها وكرامتها‏.‏
ولا أجد ما أختم به مقالي سوي أخر سطر في رواية أولاد حارتنا للأديب الكبير نجيب محفوظ لابد للظلم من آخر ولليل من نهار‏.‏

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 18/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 190 مشاهدة
نشرت فى 2 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

nazrat

السلام عليكم
للكاتب أقول : ياليت الوقوف والتأمل في ماهية جينات الحضارة الوراثية عبر الاجيال , هل لها من أثر في ذلك رغما عن حال التعليم السيئ على حد رأي الكاتب ؟؟

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,764,632