بقلم: جمال الشاعر
هي نصيحة ديلاكروا إليك..كان عاشقا لأمه ثم اكتشف أنه ابن غير شرعي..كره الدنيا وتحطمت أحلامه, جاء الي الشرق عله ينسي فوقع في غوايته..غواية الشرق..
ورسم أروع لوحاته واعتبر أن شمال إفريقيا هو المعادل البصري لليونان وروما القديمة... أدهشته الالوان وأصبح مفتونا بجنوح ووحشية الحياة..أسد يهاجم حصانا وعرب يتقاتلون في الجبال ولم يدر أنه يرسم نفسه.. النقاد قالوا هناك شبه بين وجه الفنان ووجوه الأسود والخيول, التي يرسمها, كان يريد أن يحرر نفسه والعالم من أحاسيس الشر والكراهية, مثلما كان بودلير قد أخذ علي عاتقه مهمة تحرير الجمال من الشر فإن ديلاكروا تعهد بانتزاع الجمال من القبح ولكن بأسلوبه وعلي طريقته, وكان لايكف عن ترديد عبارة الاسلوب هو الانسان... رائعون هم أولئك الذين يستطيعون تحويل الأزمة الي فرصة والمحنة الي منحة مثل ديلاكروا المكلوم.. تفجرت آهاته في آهات الآخرين قبل أن تتفجر في لوحاته..ففي لوحة خطيبة أبيدوس يصور دراما شعرية مقتبسة عن مسرحية لبايرون تحكي عن باشا شرقي يجبر ابنته علي الزواج من صديقه المسن, لكن الفتاة تهرب مع ابن عمها ثم لاتلبث ان تقع في حبه وتتزوجه..غير أن الباشا وجنوده يعثرون علي مخبئيهما فيقتلون الشاب وتموت الفتاة فيما بعد بسبب حزنها عليه... وديلاكروا عندما عاش تلك الحيوات بما فيها من مآس كابدها الآخرون إنما كان يعالج نفسه ويحررها من آلامها بل ويحولها الي لوحات رائعة تندد بالشر وتحتفل بالجمال فأبدع لوحاته..الحرية تقود الشعب1830 وهي تصور غضب امرأة شقت صدر فستانها وراحت تقود الاطفال والوجوه الكادحة نحو الحرية ولكنه لايلبث أن يعود الي الشرق ويرسم لوحة الجزائريات ولوحة سلطان المغرب ولوحات أخري يصل عددها الي6629 ورسومات باستيل1500 وهو انتاج غزير فجرته مشاهدات ومكابدات الشرق, والحقيقة أنه لم يتعامل في اعماله مع الانسان الشرقي بمنطق غالبية معاصريه..اذ انهم كانوا يرون الشرقي انسانا يسكنه التوحش والخمول والفسق, بينما يرونه الآن مهووس دينيا ومشروع إرهابي علي الاقل ان لم يكن كذلك, ولكنه كان يتأمل في ابداعات الشرقي في العمارة مثلا ويقول ان العمارة هي فن وحياة معا مثلما يعلمنا الفراعنة وهم أقرب في رأيه الي شوبان صاحب العبقرية المتكاملة, وليسوا مثل موزار صاحب العبقرية الملهمة فقط والتي تتحدث الي روحك فقط.. وهي ليست مثل عبقرية بيتهوفن الاسكشافية المعمارية فقط... ان حضارة الشرق مزيج عجيب وفريد.. وكلام ديلاكروا ربما يجعلنا نتحسر علي انفسنا اذ أن عالمنا ثري وغني ولكننا فقراء إبداعيا ويكتشف كنوزنا آخرون أمثال ديلاكروا وجان ليون جيروم وأوجست رينوار وليون بولي وهم فرنسيون وقعوا في غرام الشرق..الشرقي العبقري الذي أدرك عبقرية الشرق في مصر وأبهر العالمين هو رجل لم يغادر القاهرة حتي جاوز التسعين من عمره خوفا من أن يفوته شيء.. رجل اسمه نجيب محفوظ.
المزيد من مقالات جمال الشاعر
ساحة النقاش