دفتر أحوال البلاد و حكايات العباد ترويها مقتنيات الكتبخانة
كتبت : ســـنـاء صـــليـحة
من أوراق البردي والمسلات المصرية القديمة إلي أرشيف زينون والأرشيف الملكي بالاسكندرية في العصر البطلمي, ودور الوثائق العامة في العصر الروماني.
ومن بعدها ديوان الانشاء الذي أسسه أحمد بن طولون ثم روزنامة وخزانة السجلات في العصر العثماني, والدفترخانة المصرية التي حفظت وثائق ودفاتر محمد علي, ثم أصبحت في عهد الخديو اسماعيل دار المحفوظات العمومية, ثم تغير اسمها بحلول عام1954 لتصبح دار الوثائق القومية إلي أن تحولت عقب صدور قرار رئيس الجمهوربة رقم176 لسنة1992 لهيئة مستقلة- عن الهيئة المصرية العامة للكتاب- تضم دار الوثائق والكتب وتحمل اسم الهيئة المصرية العامة لدار الكتب و الوثائق القومية.. رحلة طويلة تعددت فيها الاسماء و إن ظل الهدف والمعني منها و فيها واحدا...حفظ سجلات ووثائق وابداعات أمة, لتصبح كتبخانة مصر, أو دار الكتب والوثائق القومية كما نطلق عليها الآن, أولي المكتبات الوطنية في الوطن العربي وربما العالم وسجلا ودفتر لأحوال أمة عبر عصور تاريخها.
ورغم أن العادة قد جرت علي أن تقام الاحتفالات في نسق رقمي بعينه, مئويات مثلا أو أعياد فضية وذهبية وماسية, إلخ, إلا أن أهمية وتاريخ دار الكتب والوثائق القومية والقضايا والتحديات التي لابد أن تواجهها اليوم كي تستمر في أداء دورها باعتبارها الحارس الأمين لتراث وذاكرة مصر الوطنية يؤكد أهمية الاحتفالية التي بدأت فاعليتها بالأمس بمناسبة مرور140 علي إنشاء الكتبخانةو استقبالها للجمهور في العصر الحديث, وأن نأمل ألا تقتصر أجواؤها الاحتفالية علي استقبال المشاركين في المؤتمر من المفكرين من مصر والدول العربية والأجنبية ورؤساء المكتبات الوطنية والشخصيات العامة من مختلف دول العالم, وعلي إعادة طباعة الشاهنامة وعيون الأخبار وأصول نقد النصوص وتاريخ المساجد الأثرية ومحاضرات في أوراق البردي العربية, ففي ظني أن وجود هذا الحشد من المهتمين والعاملين بالمكتبات الوطنية وفي مجال حفظ الوثائق فرصة حقيقية لطرح عدد من القضايا المهمة- التي تشكل جزءا أساسيا من مهمة دار الكتب و الوثائق القومية- علي مائدة البحث بل وربما الوصول لحلول عملية لعدد من المشاكل التي تواجهها مكتبات الجامعات والمكتبات التابعة لوزارة الأوقاف ومكتبات المساجد التي تحتوي علي درر نفيسة باتت مهددة بفعل ضيق ذات اليد والمكان وأساليب الحفظ البدائية, كما أنها مناسبة للعمل علي الإسراع بصدور قانون الوثائق وسد ثغرات قانون المخطوطات الذي صدر في العام الماضي, وتفعيل مواده للحفاظ علي ثروة مصر من المخطوطات ونوادر الكتب. فالدار ـ التي أسسها علي باشا مبارك طبقا للأمر العالي الصادر من الخديو اسماعيل في23 مارس1870 وجمع فيها خلاصة الإبداع الفكري المصري التي كانت مبعثرة في المساجد و المدارس ودور الكتب القديمة ومديريات الأقاليم وضمت ما اشتراه الخديو إسماعيل من مكتبة شقيقه مصطفي فاضل باشا فكان النواة الأولي لمجموعتها الأجنبية, وتم افتتاحها للقراءة والاطلاع في الرابع والعشرين من ديسمبر من نفس العام في قصر مصطفي فاضل باشا شقيق الخديو اسماعيل في شارع الصليبة بالسيدة زينب ـ تحفظ مقتنيات لا تقدر بثمن تغطي تاريخ مصر منذ العصر الفاطمي حتي اليوم( ومن بينها مجموعات وثائقية ترسم خريطة لعلاقات مصر مع دول السودان والشام والجزيرة العربية واليونان وعدد من الدول الأفريقية وسجلات المحاكم الشرعية, ومن ضمنها وثيقة خلع سيدة تدعي شجهرة بنت السراجي من زوجها المعلم عبد القادر و يرجع تاريخها لعام934 ـ935 ووثائق ديوان الروزنامة وأصول الفرمانات السلطانية ومعاهدة إبطال تجارة الرقيق, ووثيقة تطوير وتوسيع شوارع القاهرة التي أصدرها محمد علي في1829 ووثائق مجلس النظار والوزراء منذ انشائه عام1878, ووثائق وزارة الخارجية حتي تسعينيات القرن العشرين ومذكرات القادة والسياسيين مثل سعد زغلول وابراهيم الهلباوي, هذه المكتبة التي تأسست لتكون علي غرار المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس وكانت ثالث مكتبة وطنية علي مستوي العالم واليوم تضم نحو أربعة ملايين كتاب ومائة وعشرةآلاف مخطوط وما يقرب من57 ألف مخطوط تتراوح بين البرديات والمخطوطات الأثرية, ومائة وستين ألف مجلد دوريات وتسعة وثلاثين ألف مادة صوتية موسيقية وحوالي مائة مليون وثيقة, ونموذجا مصغرا لقبة الصخرة التي أمر ببنائها الحاكم الأموي عبد الملك بن مروان, مرصعا بالأحجار الكريمة والجواهر ومحلي من الداخل والخارج بنقوش وكتابات عربية وفارسية, وحبة قمح كتب عليها تواريخ حكام مصر منذ عمرو بن العاص عام641 ميلادية حتي الملك فؤاد الذي توفي عام1936 وبرديات عربية يعود أقدمها الي سنة709 ميلادية( سنة90 هجرية) إضافة الي132 مخطوطا بالعربية والفارسية والتركية في الطب والأدب والديانات والفلك و40 كتابا طبعت بين عامي1514 و1884 ولوحات خطية و29 خريطة نادرة إحداها تجارية بحرية, يعود أقدمها الي عام1404, هذه المكتبة التي من المفترض أن تكون منوطة بالحفاظ علي كم أكبر من هذا الابداع الفكري الذي لم يتم حصره بعد لأنه بحوزة أفراد, تستحق منا أن نجعل من احتفالية اليوم بداية لوضع استراتيجية تفعل قوانين حيازة الابداع الفكري وجمع المخطوطات والوثائق والمصورات والسجلات وحفظها وتحقيقها وأن نسرع باصدار قانون الوثائق المعطل منذ سنوات لعلنا نجد قراءة جديدة أوضح لأحوال البلاد وللحكايات المصرية, القديم منها والجديد.
ساحة النقاش