الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآله وصحبِه وسلم)

أما بعد :

فإخواننا في اللهِ وأخواتنا في اللهِ طلاب وطالبات معهد العزيز بالله :

نسأل اللهَ العظيمَ الكريمَ أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأن يُقيمَنا وإياكم على الالتزامِ بدينه ويرزقنا حُسنَ القصدِ حتى لاتذهبَ أعمالُنا وتصيرَ هباءً منثوراً .

روى الإمامُ مسلمٌ في صحيحه من حديثِ تميمٍ الداريِّ (رضيَ اللهُ عنه) أن النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) قال : "الدينُ النصيحةُ. قلنا لِمَنْ؟ قال: للهِ، ولكتابِه، ولرسولِه، ولأئمةِ المسلمين، وعامَّتِهم" .

فتقبَّلوا مِن إخوانِكم نصيحةً للهِ وفي اللهِ، واعلموا أنَّ اللهَ تعالى قد أقامَكم مقاماً يتمناه أناسٌ كثيرون غيركم؛ فقوموا بما استعملكم فيه ربُّكم حقَّ القيام وأخلِصوا نِيَّاتِكم للهِ تعالى وحده، واعملوا دوماً بما تعلمتم، فإنما العلم بلا عملٍ يكون أشبه مايكون بصنيع اليهود، فإياكم أن تنزلق أقدامُ أيٍّ منكم في هذا المُنزلقِ الخطير.

وخِتاماً نسأل اللهَ تعالى أن يعينَكم وأن يُسَدِّدَكم وأن يرزقَنا وإياكم خشيتَه في السِّرِّ والعلن وأن يختمَ لنا ولكم بالصالحاتِ وبشهادةِ التوحيدِ .

ونسألكم ألا تنسونا مِن صالحِ دعائِكم بظهر الغيبِ، وإن قابلَكم فيما بين أيديكم من هذه الموادِّ المُفرَّغةِ أخطاءٌ فالتمسوا لنا المعاذيرَ واعلموا أننا لسنا بمعصومين، فادعوا اللهَ لنا بالثباتِ والتوفيقِ والسَّدادِ .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

 

إخوانكم بمنتدى الحور العين الإسلامي

www.hor3en.com/vb

 

 

 

 

المحاضرة رقم ( 11 )

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله  ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه ـ

 

وبعد ،

 

لقد عرفنا أن المضارع يُعرب إذا خلا من النونين . أي من نون التوكيد المباشرة ومن نون النسوة.

وإعراب المضارع له ثلاثة أحوال : رفع ونصب وجزم .

فيُرفع إذا لم يُسبق بناصب ولا جازم . نحو : وربُّك يخلُقُ ما يشاءُ ويختارُ.

فيخلقُ ويشاء ويختارُ  أفعال مضارعة مرفوعة لتجردها من الناصب والجازم وعلامة رفعها الضمة.

" قل أعوذُ برب الفلق " .. " قل أعوذ برب الناس " .. أعوذ فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم .

 

إذا كان المضارع من الأمثلة الخمسة ورُفع ، يرفع بثبوت النون " الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " .

فالمضارع يُرفع إذا لم يسبقه لا ناصب ولا جازم . ورفعه إما بالضمة وإما بثبوت النون.

 

ويُنصب إذا سبقه ناصب .

 

الكلام في الفعل المضارع يعتمد على اللفظ . يعني أن هناك من الأسماء المرفوعة ما لا تجد له علامة في اللفظ على رفع . ومن الأسماء المنصوبة ما لا تجد له علامة في اللفظ على نصبه . إنما الفعل المضارع ، الكلام في إعرابه يعتمد على اللفظ . أنظر إلى اللفظ. فإن وجدت اللفظ قبل المضارع لم يوجد فيه لا ناصب ولا جازم ، فارفع هذا المضارع. وإن وجدت في اللفظ واحدا من النواصب ، فانصب هذا الفعل المضارع .

 

إذن الأمر في إعراب المضارع أمر سهل يسير . فننظر ما هي النواصب التي إذا وُجدت في اللفظ قبل المضارع نصبته .

قلنا بأن النواصب عشرة . أربعة تنصب بنفسها وهي :

 

1ـ أنْ  . مثل : وأخاف أن يأكلَه الذئب ... الفعل يأكل َ منصوب بأن . وعلامة نصبه فتحة ظاهرة .

" وأن تصوموا خير لكم " .. تصوموا أصله : تصومون . فلما دخلت عليه : أنْ . نصبته . فحُذفت النون .

 

2 ـ  لن . " لن نبرحَ " " لن ينالَ اللهَ لحومُها " . هذا النصب بالفتح . هذا النصب بالفتح . " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " نصب بحذف النون .

 

3 ـ  إذن ، لم ترد في القرآن الكريم ناصبة للمضارع إنما مثالها أن يقول لك أخوك : سأزورك فتقول له : إذن أكرمَك .

فإذن حرف جواب وجزاء واستقبال . أي أنك تجيب بها كلاما  سابقا وتَجزي بها وتدل على المستقبل .

 

4 ـ كي ، بشرط أن تكون مسبوقة باللام . " لكي لا تأسوا " " لكي لا يكونَ على المؤمنين حرج"

لكي لا يكونَ . الفعل يكون منصوب بكي . وعلامة نصبه الفتحة .

" لكي لا تأسوا " . الفعل تأسوا منصوب بكي . وعلامة نصبه حذف النون . أصله تأسَوْن .

 

ولا تنسوا أن كل مضارع فيه واو جماعة أو ألف اثنين أو ياء مخاطبة فرفعه بثبوت النون ونصبه وجزمه بحذف النون .

 

بقي ستة أحرف يُنصب المضارع بعدها ب أن  مقدَّرة مضمرة . هذه الأحرف الستة هي :

* لام التعليل . نحو : وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس .

أنزل الله الذكر والكتاب . علة هذا الإنزال أن يبين الرسول  ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما في هذا الذكر للناس .

" خلق الموت والحياة ليبلوكم " . وعرفنا أن المضارع إذا كان معتل الآخر بالوار تظهر عليه الفتحة. إذن الفعل : يبلوَ  منصوب بأن مقدرة بعد لام التعليل . وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة .

أما النصب بحذف النون ، مثل : ليعلموا أن الله ... 

منصوب بأن المقدرة . وعلامة نصبه حذف النون .

 

لماذا لم نقل  إن اللام هي التي نصبت الفعل المضارع ؟ .. أي  لماذا قلنا بأن نصب المضارع بعد اللام بأن مقدرة وليس باللام ؟ ..

لأن اللام حرف جر .

 

إذن : لتبين للناس..  كأن الأصل : لأن تبين للناس . فحذفت أن وقُدِّرت وأُضمرت .

بعد هذا الإضمار ، هل يجوز أن أظهر " أن " فأقول : لأن .. أم لا يجوز ؟ ..

قالوا : بعد لام التعليل يجوز أن تظهر " أن " بدليل قول الله عز وجل :

{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ }الزمر12 .

 

إذن إضمار " أن " بعد لام التعليل جائز وليس واجبا .

لام الجر ، ماذا جرت ؟ ...

لام التعليل تعمل الجر . فماذا جرت ؟ . جرت الاسم المؤول أو المصدر المؤول من أن المقدرة مع الفعل . نقول مثلا : جئنا لنتعلم ... تقدير الكلام : جئنا للتعلم ...  التعلم إسم . نتعلم :أن مع الفعل.

أن مع الفعل تساوي إسم . يعني : وأن تصوموا تساوي  = صومكم خير لكم .

" خلق الموت والحياة ليبلوكم " .. يعني لابتلائكم .

 

حروف الجر لا تدخل إلا على أسماء . إما أن يكون الإسم صريحا بعد حرف الجر أو مؤولا . يعني أن الكلام يؤول إليه .

إذن لام التعليل حرف جر . ولما كان حرف الجر لا يدخل إلا على الاسماء ، فالعرب نصبوا الفعل المضارع الذي يقع بعد اللام ليكون نصبه دليلا على تقدير " أن " . فتكون " أن " مع الفعل مؤولة بمصدر . يجره هذا الحرف الذي دخل عليه .

لما قرأنا " وأمرت لأن أكون  .... " عرفنا أن " أن " ظهرت بعد لام التعليل . قلنا بأن كل موضع لم تظهر فيه " أن " بعد لام التعليل فهي مضمرة جوازا وليس وجوبا .

طبعا كل لام التعليل في القرآن الكريم " أن " مقدرة بعده . لم تذكر في اللفظ إلا هذه ، في سورة الزمر . "وأمرت لأن أكون " .. في غير هذا " وما أمروا إلا ليعبدوا الله " .. يعبدوا مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل . وعلامة نصبه حذف النون .

 

لام التعليل قد ترد في بضع المواضع لا تفيد التعليل . " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا" .

هل آل فرعون ، لما التقطوا موسى من اليم إلتقطوه ليكون عدوا ؟ .. إذن جاءت العاقبة على عكس ما كانوا ينتظرون . فتسمى لام العاقبة .

إذن اللام قد تكون لام التعليل . أي أن ما بعدها علة لما قبلها . وقد تكون للعاقبة . فتقول :

" علمته ليضربني أو ليسبَّني " . هل أنت علمته ليضربك أم علمته ليحسن إليك ؟ .

فلما تأتي العاقبة بخلاف ما كان يتوقع الإنسان تسمى اللام ، لام العاقبة .

 

سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يقول : {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ  }يونس88

هل ربنا آتى الناس نعمه ليضلوا عن سبيله ؟ .

فلما جاءت العاقبة على هذا ، اللام قد تكون للتعليل ، وهذا هو أصل وضعها . وقد تكون للعاقبة. كلاهما في النحو سواء .

أي أنها في النحو سواء كانت لام تعليل أو لام عاقبة يُنصب المضارع بعدها بأن مضمرة جوازا.

هذا هو الحرف الأول من الحروف التي ينصب بعدها المضارع بأن مضمرة . وطبعا إضمار " أن " بعد هذا الحرف جائز .

 

جواب الشيخ على أحد الأسئلة :

.. آه . لا تنصب بذاتها لأنها حرف جر . وماذا جرت ؟ .. جرت الاسم المؤول من " أن " المضمرة مع الفعل . يعني أنت تسأل : كيف دخل حرف الجر على الفعل ؟ ..

 قد تعلمنا في أول الدروس أن من علامات الاسم دخول حرف الجر عليه .

 

إذن حرف الجر يدخل على اسم صريح مثل : لله الأمر .. ويدخل على إسم مؤول مثل : ليبلوكم . لتبيِّن . ليعلمَ . جئنا لنتعلم . جئنا للتعلم .  لأن " أن " التي تنصب المضارع هي والمضارع تؤول إلى مصدر .

 الاسماء في اللغة العربية نوعان : اسماء صريحة . وأسماء مؤولة .

 إذا قلت لكم : يعجبني أن تفهموا ... يسرني أن تفهموا ... يسرني . حينما تجد ياء المتكلم في الفعل فاعلم أنها مفعول به . يسرني : يسر فعل مضارع وياء المتكلم مفعول به . أين الفاعل ؟

أن تفهموا . إذن : أن تفهموا مؤول باسم : يسرني فهمكم . تأويل فهمكم إلى فهم . مصدر .

 

فالأفعال المضارعة التي تُنصب بان مضمرة بعد الحرف الذي سبقها ، ستجد أن هذا الحرف إما حرف جر كاللام وحتى . وإما حرف عطف . وحروف العطف لا تعمل النصب .

ماهي حروف العطف ؟

فاء السببية  ، واو المعية ، أو .

فالمضارع الذي يُنصب بأنْ مضمرة  يتجده واقعا بعد حرف جر أو بعد حرف عطف .

 

* حرف الجر الثاني الذي يُنصب المضارع بعده ب " أن " مضمرة ، إلا أن إضمارها في هذا الموضع واجب ، هو لام الحجود .

إذن عندنا لامان يُنصب بعدهما المضارع : لام التعليل له معنى خاص به . ولام الجحود حرف آخر له معنى خاص به .

 

لام الجحود هي اللام المسبوقة ب " ما كان"  أو " لم يكن " . إذا  قرأت في الكلام : ما كان . ثم قرأت لاما بعدها مضارعا ، فهذه اللام تسمى لام الجحود .

{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33

" ما كان الله ليذر " يذر : يترك ... المؤمنين على ما أنتم عليه من الرخاء حتى يميز الخبيث من الطيب في الشدة . فالابتلاءات والشدائد تمحص وتمَيِّز . وسُمي الابتلاء فتنة . وأصل الفتنة في اللغة أن تدخل الذهب في النار لتعلم جيده من رديئه . فالمؤمن يدخل في الفتنة ويخرج منها قوي الإيمان ثابتا كالذهب الخالص الذي مهما دخل النار خرج وهو ذهب . أما من كان في إيمانه ضعف فقد ، والعياذ بالله ، تبعده الفتنة .. إما تضعفه أو تبعده بالكلية عن الدين . ونسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا حتى نلقاه .

 

فلام الجحود هي اللام المسبوقة ب "ما كان " نحو : {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }آل عمران179

أو " لم يكن " .. إما ماضي " كان " منفي أو مضارع " كان " منفي . الماضي يُنفى بما كان .والمضارع يُنفى بلم . لم يكن . لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً}النساء168

أي لام واقعة بعد : ماكان أو لم يكن ، تسمى لام الجحود . ومعنى الجحود : شدة النفي . يعني أن الله تبارك وتعالى ينفي نفيا شديدا أن يترك الناس بلا ابتلاء . ينفي نفيا شديدا أن يعذبنا عذابا شاملا والنبي  ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أظهرنا . {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ }الأنفال33

تقول : ما كان المؤمن ليكذبَ .

نفيت نفيا شديدا أن يقع المؤمن في الكذب .

هذه هي لام الجحود . أظن أن عليها دليلا من اللفظ واضحا ظاهرا . ما هو هذا الدليل ؟ ..

ما كان .. أو .. لم يكن ... ثم لام وبعدها مضارع .

إذن الحرف الأول الذي يُنصب بعده الفعل المضارع هو لام التعليل . الحرف الثاني هو لام الجحود.

بينهما فرق من ناحية المعنى وفرق من ناحية اللفظ .

 

من ناحية المعنى لام التعليل ، ما قبلها سبب فيما بعدها . وما بعدها علة لما قبلها .

أما لام الجحود فمعناها شدة النفي .

 من حيث اللفظ  " أن " مضمرة بعد لام التعليل جوازا .

وبعد لام الجحود وجوبا . يعني أنك لا تسمع عربيا يقول : ما كان المؤمن لأن يكذب. لا يظهر أن بعد لام الجحود أبدا . إنما بعد لام التعليل ، فهذا ممكن .

 

لام الجحود جرت المصدر المُأول :

{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }آل عمران179

والمصدر المُأول هذا قد يكون تأويله سهلا . وقد يكون تأويله يحتاج إلى إعادة كلام . واعلموا أنه ليس معنى أن الذي بعد اللام مصدر مُأول أن المصدر الصريح يصلح مكانه ، لا .. فلو كان يصلح مكانه لكان القرآن الكريم جاء به . بل البلاغة في أن يعبر بهذا التعبير . البلاغة في أن يأتي بالفعل منصوبا . فيكون النصب دلالة على وجود " أن " المضمرة .

{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ  }آل عمران18

الفعل " شهد " يقتضي بعده باء . شهد بكذا . والباء حرف جر تقتضي إسما . نقول : شهد بالحق.

شهد بوقوع الجريمة ... هنا عندنا :  شهد الله أنه لا إله إلا هو .. مُأولة بمصدر . مجرور بالباء المقدرة : شهد الله بوحدانيته . يعني أن لا إله إلا هو عندما تجعل منها مصدرا تقول الوحدانية.

لماذا  لم يأت بالمصدر الصريح ويقول : شهد الله بوحدانيته ... وجاء ب : أن لا إله إلا هو ؟ .. طبعا لأن هذه الأخيرة فيها توكيد  وحصر للوحدانية في ذات الله عز وجل . فالكلام لن يؤدي الغرض الذي أراده الله عز وجل إلا بهذا اللفظ وبهذا التركيب وبهذا النظم .

فلو قلت : جئنا للتعلم . فهي لا تؤدي معنى : جئنا لنتعلم ... لنتعلم ، تعني أني سأصبر وأحاول . ونتعلم مضارع يفيد التجدد والاستمرار .

ليس معنى أن المضارع مع " أن " يأول بمصدر أنهما في المعنى سواء . وإلا كان الله عز وجل :

صومكم خير لكم ... لماذا يقول : وأن تصوموا خير لكم ؟ .. أن تصوموا دلت على المستقبل يعني أن الذي سافر أو مرض أن يقضي و يصوم خير له . وأن تصوموا وتجددوا النية يوما بعد يوم .. كل هذا تستفيده من الفعل . إنما لو جاء المصدر ، لا تستفيد منه كل هذه المعاني والمزايا .

اللغة العربية تعدل عن تركيب إلى تركيب آخر لإفادة معاني لا تُفهم ولا تُعرف إلا بهذا التركيب .

 

* الحرف الثالث  الذي يُنصب المضارع بعده بأن مضمرة وجوبا هو  " حتى " . وهي أيضا من حروف الجر . ستجر المصدر المأول .

قال الله عز وجل :

 

{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ  }الحجرات9

قالوا : حتى ...

عرفنا لام التعليل . إسمها لام التعليل أي  ما بعدها علة لما قبلها . لام الجحود تنفي نفيا شديدا .

" حتى " التي يُنصب بعدها المضارع .. ما معناها ؟ ..

قالوا : إما أن تفيد معنى إلى .. يعني الغاية . وإما أن تفيد معنى كي .. يعني التعليل .

الآية الكريمة :

 فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ  }الحجرات9

تحتمل المعنيين . معنى " إلى " ومعنى " كي " .

قاتلوا التي تبغي لتفيء إلى أمر الله .

أو حتى تفيء إلى أمر الله ، فتوقفوا القتال .

إذا قلت : لن نقوم من هذا المجلس حتى  يؤذَّن للعشاء . حتى هنا تفيد الغاية . لأن جلوسنا ليس هو الذي سيأتي بآذان العشاء .

لو قلت : سنذاكر حتى ننجح . التعليل .

حتى تفيء إلى أمر الله . تحتمل المعنيين : قاتلوهم ليرجعوا إلى أمر الله . أو قاتلوهم حتى يرجعوا إلى أمر الله .

طبعا لو أن المقاتلين للفئة الباغية إختاروا معنى التعليل عند عقد نية الجهاد وقتال الفئة الباغية يكون أولى . لماذا ؟ .. تدخل القتال وأنت على نية أن يكون القتال سببا في فيء الفئة الباغية ورجوعها إلى أمر الله .

إذا فاءت سيقف القتال . ستدخل الغاية ضمنا . لأنهم إذا فاؤوا ورفعوا الراية البيضاء ، ستوقف القتال ... معنى الغاية داخل .

فإذا عقدت النية على أن " حتى " تفيد التعليل يكون أولى بك . لأن قتالك سيكون قتال دعوة ووسيلة لرد الباغي عن بغيه .

المهم أنك لو قلت تقدير الكلام : قاتلوهم ليفيئوا صح المعنى .. قاتلوهم حتى يفيئوا صح المعنى .

حتى هنا تحتمل أن تكون بمعنى اللام أو كي أو بمعنى إلى .

 

هذه ثلاثة أحرف للجر . نُصب المضارع بعدها بأن مضمرة جوازا بعد لام التعليل . ووجوبا بعد لام الجحود وحتى .

 

يتبقى لنا ثلاثة أحرف من حروف العطف : فاء السببية ، واو المعية ، أو . التي بمعنى إلى أو إلا.

 

ما هي فاء السببية ؟ .

قالوا : هي الفاء المسبوقة بنفي محض ( خالص ) أو طلب بالفعل . نحو :

" لا يُقضَى عليهم فيموتوا " .. لا يُقضى عليهم بالموت . الله يتكلم عن أهل النار والعياذ بالله . أعاذنا الله من حالهم ومآلهم .

يقول إنهم سيخلدون في النار . لا يُقضى عليهم بالموت فيموتوا . ولا يُخفَّف عنهم من عذابها .

ما سبب عدم موتهم ؟ .. أن الله لم يقض بالموت في الآخرة .

" لا يُقضى عليهم " هذا الفعل المنفي  تسبب في عدم موتهم . لا يُقضى عليهم . فتسبب من عدم القضاء بالموت عدم موتهم . فجاء الفعل يموتوا بأن مضمرة بعد فاء السببية . وعلامة نصبه حذف النون . أصله يموتون .

 

في قول الله عز وجل :

 {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ }المرسلات36

الفعل مرفوع . وقبله نفي ... لا يُقضى ولا يُؤذن .. هذا فعل منفي وهذا فعل منفي . فلماذا نُصب المضارع في :فيموتوا . ولم يُنصب في  : فيعتذرون ؟ ... لأن الفاء ليست سببية في هذا الموضع . إنما هي للعطف فقط . يعني ، ليس عدم الإذن لهم بالاعتذار هو الذي تسبب عنه عدم الاعتذار .

لأن المعنى لو كان على هذا ، كان لهؤلاء الناس حجة على الله . والله لم يترك لأحج حجة . كان معناها يكون لو كانت الفاء سببية أن عدم الإذن لهم بالاعتذار هو الذي تسبب عنه عدم الاعتذار .

وكأن عندهم اعتذار لم يُقبل منهم . أو  لم يؤذن لهم في إبدائه . لا .. الله عز وجل يريد أن يقول لنا : هؤلاء ، وكل الناس في الآخرة لا يوجد لأحد عذر . لأن الأعذار انقطعت بالموت . ولا يُؤذن لأحد بأن يبدي عذرا . لأنه لا يوجد عذر أصلا .

 

إذن فاء السببية هي الفاء التي يكون ما قبلها سببا في حدوث ما بعدها .

تقول مثلا لأخيك : ذاكر فتنجحَ ... المذاكرة سبب في النجاح . فهذه فاء السببية .

أو  : لا تهمل فتندمَ ... أو : ما قصرنا فنندمَ .. يعني إما نفي وإما طلب .

ففاء السببية إذن تدل على السببية وتكون مسبوقة إما بنفي أو بطلب . بنفي مثل : لا يُقضى عليهم فيموتوا " ..

 

الطلب ثمانية أنواع :

ـ الأمر .. مثلا : ذاكروا فتنجحوا .

ـ الناهية : لا تهملوا فتندموا .

ـ الدعاء : رب وفقني فأنجحَ .

ـ النهي : لا تهمل فتندمَ .

ـ الاستفهام : هل ذاكرتَ فتفهمَ ؟

ـ العرض ( وهو طلب بلين وخفة . أداته " ألا " ) تقول لأخيك : ألا تزورنا فنكرمَك .

فاء السببية وقعت بعد طلب نوعه ، عرض .

هناك طلب إسمه التحضيض .

ـ تحضيض : ولا يحض على طعام المسكين ... ( يحض : يحث ويدفع حثا قويا ودفعا قويا . يدفع الناس دفعا قويا إلى إطعام المسكين ) .

التحضيض : طلب بشدة أو بإزعاج . عندما تقول لشخص : ألا .. خفيفة .. أما إذا قلت : هلا .. فكأنك تهزه .

" هلا ذاكرت فتنجحَ " .

 

ـ التمني : ليت لي مالا فأحجَّ .

ـ الرجاء : لعل الله يمكننا فننتصرَ . ( نرجو من الله عز وجل )

 

طبعا عندكم في الكتاب شواهد . هناك ما يُعرف بالشاهد النحوي . الشاهد يعني : أبيات من كلام العرب .

 

أقرأ لكم الشواهد صفحة 55 .

الشاهد الأول جاء به شاهدا للتمني . يقول :

ليت الكواكبَ تدنو لي فأنظمَها      عقودَ مَدْح فما أرضى لكم كلمي

 

تعرفون أن الشعراء مبالغون . فيقول للممدوح ، وطبعا كانوا يمدحون لينالوا عطايا الملوك والأمراء . فيتمنى أن الكواكب ، نجوم السماء تدنو وتنزل فينظم منها عقد للممدوح لأن كلامه لا يليق بالممدوح . لا يليق به إلا أن ينظم هذه الكواكب في خيط ويقدمها للممدوح .

وستجده قد قال فيه كل ما قيل في المدح . ومع هذا يقول له أن هذا لا يساوي قدرك . وياليت الكواكب كانت تنزل فأعمل منها عقدا من المدح .

 

الآخر يقول ، وهذا طبعا يقع كثيرا في حياة الشيوخ .

ألا ليت الشباب يعود يوما            فأخبرَه بما فعل المشيبُ

 

قال : ونحو ليت : ليت لي مالا فأحج .وأما الرجاء فهو طلب الأمر القريب الحصول نحو : لعل الله يشفيني فأزورَك .

 

يقول :

وقد جمع بعض العلماء هذه الأشياءَ .

من يستطيع إعراب هذه الجملة ؟ .

جمع : فعل ماض مبني على الفتح .

بعض : فاعل .وهي مضاف .

العلماء مضاف إليه .

( أيها الكرام ، المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة . بعض العلماء شيء واحد .)

هذه : إسم إشارة مبني (مفعول به ) في محل نصب .

الأشياء : بدل منصوب .

 

أنتم تعرفون أن كثيرا من قواعد العلوم نظمها العلماء في أبيات حتى يسهل حفظها . هناك منظومات في التجويد . ومنظومات في النحو . ومنظومات في المواريث وفي العقيدة . وتعرفون طبعا نونية إبن القيم ، وما فيها من علوم نافعة في الحديث وفي البلاغة .... نظم العلماء في كل العلوم .

الكلام المنظوم كأنك أمسكت بالكلمات ووضعتها في خيط . لوا نقطع الخيط في العقد أو المسبحة مثلا ، ستضيع الحبات . تنفرط . فسمى العرب الكلام المنظوم على طريقة أبيات ، سموه نظما . وسموا غيره نثرا . كأنه شيئا منثورا . فالمنثور ممكن أن تضيع منك حبة أو اثنين أو ثلاثة.

فلما أقول لك : أمر ونهي واستفهام بدون أن أنظمها في بيت تضيع منك واحدة .

فالعلماء نظموا . ومما نظم  العلماء هذه الأبيات الثمانية في الطلب . فقال :

وقد جمع بعض العلماء هذه الأشياء التسعة ، التي تقع بعدها فاء السببية . قال :

مُر وادعُ وانهَ وسلْ واعرضْ لحضهم      تمنَّ وارجُ كذاك النفي قد كمُل

 

مر : هو الأمر .. ادع : الدعاء .. إنه : النهي .. سل : الاستفهام ... اعرض : العرض .. لحضهم : التحضيض ... تمنى : التمني ... وارج : الرجاء .. والنفي .

 

قال : وقد ذكر المؤلف أنها ثمانية لكنه لم يعتبر الرجاء منها .

 

يا أيها الكرام ، واو المعية كفاء السببية في أنه يُشتَرط أن تُسبَق بنفي محض أو طلب من أنواع الطلب الثمانية . يعني أن أي مثل من أمثلة فاء السببية ممكن أن تبدل فاء السببية بواو المعية .

" ذاكر فتنجحَ " أو " ذاكر وتنجحَ " . لكن هناك فرقا في المعنى .

ذاكر فتنجح .. يعني ذاكر . فتكون المذاكرة سببا في النجاح .

إنما ذاكر وتنجح .. ذاكر فيكون النجاح مع المذاكرة .

فواو المعية تفيد أن ما قبلها وما بعدها معا في معية واحدة . أشهر مثال لواو المعية :

 

 لا تنه عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَه     عار عليك إذا فعلتَ عظيمُ

 

يكون بفمك سجارة . وتنهى عن التدخين .  لا تفعل هذا مع هذا . لكن ليس معنى هذا أنك لا تنهى عن المنكر مطلقا . لا .. لا تنه عن المنكر وأنت متلبس به .

طبعا تنه عن خلق ذميم . النهي يكون عن المنكر والأمر بالمعروف .

 

 في الكتاب  في آخر صفحة 54قال : والحرف الثالث والرابع . فاء السببية وواو المعية . بشرط أن يقع كل منهما في جواب نفي أو طلب ..... ........ أما الطلب فثمانية أشياء . ..

وجاء بأمثلة لفاء السببية ولم يأت بأمثلة لواو المعية . لأنها نفس الأمثلة . لكن المعنى هو الذي يتغير .

القرآن الكريم فيه مثالا لواو المعية في :

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }آل عمران142

واو المعية مجاب بها  نفي . لما : النافية .

أحيانا يقف معنى الآية أمام بعض الناس . هل الله عز وجل لم يعلم ما نفعله ؟ .. يعلم . فكيف يقول: ولما يعلم الله . يعني ولم يعلم ... أنظروا لتفهموا . الله عز وجل يقول :

أتظنون أنكم تدخلون الجنة بدون ما يتبين منكم ... إذن : ولما يعلم الله : علم عمل .( منكم ) . ليس العلم السابق . يعني حتى يحصل منكم عمل يصاحبه صبر : علم ظهور . المنفي هو : تدخلون الجنة دون أن يظهر منكم جهاد وصبر ؟ ..

الله عز وجل لو خلق طائفة في الجنة وطائفة في النار وقال : بعلمي ، هؤلاء يستحقون الجنة. وهؤلاء يستحقون النار.  بعلمه هو . فهو عدل في هذا . لكنه أراد ألا يكون لأحد حجة . فخلقنا . وخلق الموت والحياة وابتلانا واختبرنا حتى نكون شهداء على أنفسنا .

أم حسبتم أن تدخلوا الجنة وأنتم جالسون مرتاحون . ولا تُختبرون ولا تقاتلون ولا تجاهدون ؟.

... ولما .. يعني ولم يعلم الله منكم الجهاد مع الصبر ؟ .. فجهادكم مع صبركم ، هذا مؤهل لكم لأن تدخلوا الجنة . وطبعا الجنة برحمة الله . لا يدخلها أحد إلا برحمة الله . لكن ينزل منزله بعمله . يعني أن دخول الجنة برحمة الله عز وجل . لكن توزيع المنازل والدرجات بالعمل .

 

أسكننا الله وإياكم أعلى الدرجات . وغفر لنا ولكم كل الذنوب والسيئات . وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا . وأن ينفعنا بما علمنا . وأن يزيدنا علما . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . والحمد لله رب العالمين .

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 40/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
13 تصويتات / 831 مشاهدة
نشرت فى 17 نوفمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,604,765