بحث سعودى حول إعادة النظر فى مواعيد مناسك الحج بقلم جمال البنا ٣/ ١١/ ٢٠١٠ |
وجدت فى أوراقى القديمة بحثاً يحمل هذا العنوان، بقلم «مصدر فريد مسعودى»، وليس عليه تاريخ أو توقيع أو أى شىء يعرفنا به وبكاتبه، والبحث فى ثمانى صفحات، ولا أدرى كيف سلك طريقه نحو أوراقى، ويغلب أن يكون أحد الإخوة السعوديين قدمه لى، فحفظته ونسيته، خاصة أننى لأول وهلة استعظمت الأمر. ولكنى أعدت النظر فيه فى ضوء حقائق جديدة أبرزها التضخم فى أعداد الحجاج، فقد بلغوا ثلاثة ملايين، ويمكن بعد عشر سنين أن يصبحوا خمسة وبعد فترة طويلة عشرة، وحشد هذا العدد فى بقعة محدودة لمدة عشرة أيام أو أسبوعين على الأكثر مسؤولية ليس من السهل، وربما ليس من الحكمة، تسييرها، فهو يتطلب القيام بخدمات وتهيئة طرق وإسكان ونقل لهذا العدد المهول، وقد بذلت الحكومة السعودية حتى الآن جهودًا جبارة حتى تستوعب الموقف دون خسارة فى الأرواح.. ولكن إلى متى؟ وماذا نفعل عندما يتضاعف العدد؟ وكل هذه الاستعدادات التى تتضمن إقامة مبان وشق طرق وتيسير وسائل اتصال وما يتطلبه ذلك من خدمات إضافية من إضاءة.. إلخ، لا تستخدم ولا يستفاد بها إلا لمدة أسبوعين على الأكثر فى العام، ثم بعد هذا تصبح مدن أشباح لا يسكنها أحد.. فهل هناك مثال للتبذير أفظع من هذا؟! إن تسيير الملايين من مختلف دول العالم بلغاته المختلفة وعاداته الخاصة فى وقت واحد ومكان واحد مسألة أزعم أن أى دولة فى العالم لم تعرض لها، وإذا حدث، حتى وإن كانت الدولة فى منتهى التقدم فلابد من حدوث مشاكل جسام ولا يمكن للمسابقات الدولية التى تجمع حشودًا هائلة أن تماثلها، لأن هذه تكون فى أماكن متعددة وليست فى مكان واحد وفى أوقات متفرقة. ولم يشر الباحث إلى إحدى المشاكل «التبعية» التى يثيرها بعض شعائر الحج مثل نحر الأضحيات، فتصور نحر أربعة ملايين أو أكثر من الشياه فى يوم واحد، وفى مكان واحد، وكيف يتأتى هذا؟ وكيف تتأتى الإفادة منها. لقد تحدث البحث بإفاضة عن المتاعب التى يعانيها الحاج نتيجة لشدة الزحام فى أدائه لفرض الحج من المبيت فى مزدلفة لأخذ الجمرات ثم رميها.. إلخ. البحث ينظر نظرة مستقبلية، وهو ما لا يقوم به الآخرون، أو لا يعنون به. وأظن أن بعض الإخوة المصريين كتبوا عن هذا الموضوع، ولكن لما كانت كتابات صحفية لا تستوعب القضية، فإنها قوبلت بهجوم شديد، ولم يعاود أصحابها الكتابة عنها. يرى المؤلف أن حل هذه القضية هو فى القرآن الكريم، وبالذات فى الآية ١٩٧ من سورة البقرة التى تقول «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِى الأَلْبَابِ»، والمفسرون جميعًا يتحدثون عن الإحرام، ولكن سياق الآية يفيد بأنه الحج ولبس الإحرام بدليل قوله «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِى الْحَجِّ». ولكن عمليًا ما من أحد من المسلمين أدى، أو حتى تصور أداء الحج فى أيام شهرى شوال وذى القعدة وعشر ذى الحجة فالجميع يحصرون الحج فى أيامه المعروفة ولأن الحج محكوم بأمرين: أولاً، الوقوف بعرفة، وثانيًا تحديد يوم النحر، وما يتبعه فيما يُعد نهاية للحج. أما الوقوف بعرفة فلا مشكلة فيه لأن نص الحديث «الحج عرفة» لم يحدد ميعادًا، وإنما عيِّن مكاناً، أما المشكلة فهى فى يوم النحر، وهذا أيضًا ما لا نجد فيه نصًا قرآنيًا، ولكن نجد سُـنة متبعة من أيام الرسول حتى الآن. ويرى الباحث أن حديث «خذوا عنى مناسككم»، وحديث «الحج عرفة» لا يحول دون الحج فى أى يوم من أيام أشهر الحج، أى حوالى عشرة أسابيع من أول شوال حتى يوم ١٣ من ذى الحجة، التى تضمنتها الآية «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ». ويضرب الكاتب المثل بأن بعض العبادات كالصلاة لها وقت محدد هو عندما يحين الوقت بالفعل، ولكن الشارع أباح لنا أن نقيم الصلاة طوال الوقت ما بين الصلاتين، فصلاة الظهر تجوز من وقت الظهر حتى وقت العصر، وكذلك العصر من العصر حتى المغرب.. إلخ. ويحتج الكاتب بمبدأ أن «سد المضار مقدم على جلب المنافع»، وفيما أرى، فإن هذا قد لا يصلح لتحقيق هذا التجديد الجذرى، وإنما يصلح «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»، وهو نص قرآنى، وليس قاعدة فقهية، وفى أسلوب الحج حاليًا صنوف لا حد لها من الحرج، فضلاً عن أن الزحام يثير من الضيق ما يذهب بحكمة الحج، وتأمل الحاج وتفكيره فى هذه الشعيرة المقدسة. أقول إننا قد نستعظم هذا التجديد، ولكن يبدو أنه سيفرض نفسه بطريقة أو أخرى، لأن طبائع الأمور تتطلبه، ولم يأت الإسلام بما يخالف الطبيعة، بل جاء بما يتفق معها ويلحظها. وقد يُعد هذا التجديد مخالفة السُـنة المتبعة، ولكنه ليس إلا تطبيقاً لها بوسائل أخرى، لم تكن مطلوبة وقت الرسول، ولكنها الآن مطلوبة ولا مفر منها، والضرورات تبيح المحظورات. ولو كان فى الأمر مخالفة للقرآن لاختلف الموقف، ولكن القرآن لما سبق من علم الله جعل لنا سعة. وبإعمال الآية «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ»، نتمكن من درء المفاسد وجلب المصالح ودفع الحرج الشديد على النحو التالى : (أ) إن زيادة عدد الحجاج بأكبر ما يكون على ١٠ (عشرة) ملايين كل سنة لن تكون من المشاكل المستعصية، فهذه الزيادة سوف تحدث لكون زيادة الناس الذين «يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا» فى أنحاء العالم. (ب) ثم إن عدد الحجاج بأكبر ما يكون سوف يضمن أن تؤدى مناسك الحج ترتيبًا من خلال تنظيم المواعيد، فعلى سبيل المثال يتم ذلك التنظيم دوريًا بناء على مناطق من الدول طوال أشهر الحج، ويعنى ذلك أن كل مناطق لها فرصة للحج والعمرة حوالى عشرة أسابيع بداية من ١ شوال إلى ١٣ ذى الحجة. (حـ) إن استمرار عملية الحج سيحقق استثمارًا وتشغيلاً للخدمات مدة طويلة، بحيث يمكن الاستفادة بها على مدار العام. وفى النهاية أقول إن الفكرة لم تكن فكرتى أصلاً، فهى فكرة صاحبها الأستاذ «مصدر فريد مسعودى»، وقد أرجأتها طويلاً، ولكننى رأيت أن أعرضها لتكون موضوعًا للمشاركة ومعالجة ما يأتى به المستقبل، وإذا كان هناك من حل يخلص من المآزق التى أشرنا إليها فأهلاً به. عهد مع الرسول جاء بموقع «الجماعة الإسلامية» على «النت» أخيرًا فقرة بعنوان «الإسلاميون يعاهدون الرسول»، يتضمن العهد التمسك بالوسطية والعدل مع المخالفين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والحرص على الواقع العملى جنبًا إلى جنب الواجب الشرعى، والحذر من تحويل الوسائل إلى غايات، بحيث تكون الجماعة الإسلامية وسيلة وليست- فى حد ذاتها- غاية، والتفرقة ما بين الأصول والفروع، وما بين الثوابت والمتغيرات. إن هذا العهد يمكن أن يطلق عليه «مانيفستو» الإيمان، وهو جزء من الجهود الدائبة التى يبذلها الدكتور ناجح إبراهيم للخروج بالجماعة الإسلامية من القوقعة إلى المعمعة، تستحق التقدير ولها دلالتها الواعدة. gamal-albanna.blogspot.co |
ساحة النقاش