المـؤشـرات بين السياسـة والإحصـاء
بقلم:د‏.‏ماجد عثمان


يحتفل العالم باليوم العالمي للإحصاء في‏20‏ أكتوبر وأحد الأدوار المهمة للإحصاء تكمن في محاولة قياس الظواهر الاجتماعية‏.‏

 

 وهذا القياس الرقمي يسمح بالمقارنة الزمنية للظاهرة محل الدراسة بقدر من الموضوعية وعادة ما يطلق علي هذه القياسات مسمي مؤشرات‏.‏
وتهدف المؤشرات الاحصائية إلي تلخيص ظاهرة معقدة علي نحو مبسط من خلال استخدام متوسط لمناسب يعكس كل منها أحد أبعاد هذه الظاهرة‏.‏ وعادة ما تتراوح قيمة المؤشر بين حد أدني وحد أقصي يسمح للمتلقي بترجمة هذا المؤشر إلي انطباع إيجابي أو سلبي أو محايد‏.‏
وتحاول هذه المؤشرات تكتم الظاهرة محل الدراسة في شكل رقم يجمل من‏(‏ الاجمال وليس من التجميل‏)‏ مستوي الظاهرة محل القياس وعادة ما يصاحب ذلك ترتيب لهذا الرقم علي المستوي العالمي وهذه المؤشرات تكون في الغالب مؤشرات مركبة تم بناؤها كمتوسطات لعدد من المؤشرات البسيطة‏.‏ ولعل أشهر هذه المؤشرات وأكثرها استخداما مؤشر التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي يلخص الوضع التنموي في دول العالم سنويا من خلال مؤشر مركب من ثلاثة مؤشرات فرعية تقيس مستوي الدخل ومستوي الصحة ومستوي التعليم‏.‏ وهناك كثير من المؤشرات الأخري التي تقيس الأوضاع الاقتصادية في المجتمعات مثل مؤشر التنافسية ومؤشر أداء الأعمال ومؤشر الحرية الاقتصادية‏.‏ وعلي الصعيد السياسي يتم الإعلان سنويا عن صدور مؤشر الحوكمة العالمي الصادر عن البنك الدولي ومؤشر الحرية السياسية الصادر عن فريدوم هاوس‏,‏ ومؤشر النزاهة العالمي الصادر عن مؤسسة النزاهة العالمية‏,‏ ومؤشر حرية الصحافة الصادر عن مؤسسة مراسلون بلا حدود‏,‏ ومؤشر مدركات الفساد الصادر عن مؤسسة الشفافية الدولية‏.‏
وهذه المؤشرات ما هي إلا أمثلة من قائمة مطولة من المؤشرات التي تصدر بصفة دورية التي يصاحب إعلانها تدشين تقارير تلقي تغطية إعلامية واسعة علي الصعيد الدولي والمحلي‏.‏ وتسهم هذه المؤشرات في إثارة حوارات حول قضايا لم تكن مطروحة في كثير من الدول النامية وبذلك تدفع عجلة الإصلاح‏.‏ كما تؤدي هذه المؤشرات دورا مهما في رسم صورة ذهنية عالمية للدول‏,‏ وهو ما يؤثر بشكل تراكمي في كثير من القرارات المتصلة بحياة الشعوب ومستقبلها‏.‏
وقد شكلت هذه المؤشرات قوة ضغط علي الحكومات حيث تتلقفها وسائل الإعلام وتطوعها لإطلاق رسائل حول السياسات العامة والأداء التنموي‏.‏ وهذه الرسائل لاتتصف دائما بالموضوعية‏,‏ ولا تنأي عادة عن الانتقائية لكنها في جميع الاحوال تؤثر بالسلب أو الايجاب علي الصورة الذهنية للحكومات‏.‏ ومن الأهمية بمكان أن نشير إلي أن المؤسسات التي تصدر هذه المؤشرات تتفاوت فيما بينها من حيث المصداقية‏,‏ كما تتفاوت ايضا من حيث التوجه الايديولوجي كما أن المؤشرات نفسها ـ التي تكون عادة مؤشرات مركبة لمقاييس بسيطة ـ تكون في أحيان كثيرة مرتبطة احصائيا نظرا للتداخل القائم فيما بينها من حيث اشتراكها في بعض المقاييس التي تظهر كقواسم مشتركة في تركيب عدد من المؤشرات‏.‏ وعلي سبيل المثال فإن مؤشر التنمية البشرية ومؤشر التنافسية ومؤشر النفاذ التكنولوجي تشارك في اعتمادها علي الحالة التعليمية كأحد مكونات المؤشر المركب‏.‏
وهناك تفرقة مهمة بين المؤشرات تكمن في أن بعضها يعتمد علي البيانات الثانوية والبعض الآخر يعتمد علي بيانات أولية‏.‏ والمقصود بالبيانات الأولية تلك التي تم التوصل إليها من خلال نتائج المسوح الميدانية واستطلاعات الرأي العام الموجهة للنخبة أو للجمهور العام التي عادة ما تعكس تجربة ذاتية مثل الرضا عن الخدمات المقدمة أو تقييم الفساد الإداري‏.‏ أما البيانات الثانوية فتعكس ـ ولو نظريا ـ قياسا موضوعيا للظاهرة محل الدراسة مثل توقع الحياة عند الميلاد أو كثافة الفصول أو معدل البطالة وإذا كان دور الاحصاء في إنتاج وتحليل وتفسير المؤشرات هو دور مهم إلا أنه يكتسب أهمية أكبر في حالة المؤشرات المعتمدة علي البيانات الأولية التي ـ كما سبق أن أشرنا ـ تعتمد علي استطلاعات الرأي العام أو استطلاعات رأي النخبة‏.‏ ويكتسب إنتاج أدوات القياس أهمية خاصة في هذا الشأن لاسيما وأن الظاهرة ـ محل القياس ـ تتسم بتركيب شديد التعقيد‏.‏ ومن المهم أن نشير في هذا الشأن إلي عدد من الاشكاليات التي تطرح نفسها الاشكالية الأولي تتصل بالخلط القائم بين القياس الموضوعي للظاهرة السياسية والقياس الذاتي لمدركات الأفراد لهذه الظاهرة والاشكالية الثانية تتعلق بالتباين بين مدركات الجمهور العام للظاهرة ومدركات النخب لنفس الظاهرة‏,‏ والاشكالية الثالثة متصلة بالمواءمة بين الاعتبارات العلمية في تطبيق أساليب القياس المنضبط التي تؤدي إلي دقة القياس والاعتبارات العملية في القياس التي تستهدف تبسيط قياس ظاهرة بالغة التعقيد‏.‏
هذه الاشكاليات الثلاثة تجعل من التفاعل بين علماء السياسة وعلماء الإحصاء ضرورة تتجاوز تحقيق إسهامات اكاديمية إلي تحقيق نجاحات تطبيقية تفيد في إدارة العملية السياسية في المجتمع‏.‏ وهو ما يستوجب دورا مهما للاحصائيين في تصميم المسوح‏,‏ وفي تفسير النتائج وعقد المقارنات بين الشرائح المخلفة ومقارنة الاتجاه العام لهذه المؤشرات‏.‏ كما يقتضي ايضا التعامل مع قضايا منهجية غير تقليدية منها تصميم عينات في غيبة أطر تتسم بالشمول والتحديث والدقة‏,‏ والتعامل مع عدم الاستجابة لقضايا تتسم في معظم الأحيان بالحساسية في مجتمعات مازالت في طور النضوج السياسي ويضاف إلي ذلك قضايا شديدة التعقيد من الناحية المنهجية لكنها ذات صلة وثيقة بالنتائج مثل الأوزان المستخدمة في المؤشرات الفرعية أو تطبيق أوزان ترجيحية علي مفردات العينة لتصبح أكثر تمثيلا لخصائص المجتمع محل الدراسة بالاضافة إلي الصعوبات المنهجية المتصلة بالتعامل مع ظاهرة عدم الاستجابة‏.‏
وإذا كان هناك اجماع علي أن الظاهرة الاجتماعية بصفة عامة والسياسية بصفة خاصة ـ تتسم بقدر عال من التعقيد ـ فلا أقل من القبول بمساحة أرحب من التحليل الكمي المتعمق الذي يتجاوز الأساليب الإحصائية المباشرة‏.‏ وفي المقابل فإن التحيز الكامل لاستخدام الأساليب الكمية ـ وتجاهل التحليل الكيفي ـ يؤدي إلي التوقف عند قياس حجم الظاهرة واتجاهها دون أن يقدم فهما متكاملا لأسباب ظواهر معقدة تكتسي قياساتها بصدأ لا يزول إلا بحزمة متكاملة من المعالجات المنهجية‏,‏ وهو ما يستوجب مزيدا من التفاعل بين علماء الإحصاء وعلماء السياسة‏.‏
رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 92 مشاهدة
نشرت فى 20 أكتوبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,762,820