مجلس الشعب الجديد والمدينة الفاضلة
بقلم:د أيمن رفعت المحجوب
يتعين علي ممثلي الشعب الجدد في البرلمان العمل علي اقامة دولة عصرية اساسها القيم الاخلاقية ومبادئ العصر الحديث,
وهي التي تتمثل فيما يعرف بحقيقة الانسان خاصة الكرامة والامن والحريات والإخاء والمساواة والعدل, الي جانب الحقوق المتساوية في كل المجالات القانونية والسياسية والاقتصادية والدينية, وهو ما عرف بمبدا تكافؤ الفرص ومبدا عدم الاستغلال, ومعني ذلك ان الدولة العصرية المنشودة هي دولة حقوق الانسان ودولة الحرية والعدالة الاجتماعية ودولة القيم العصرية.
ثم هي دولة ديمقراطية تكون فيها السيادة للشعب وحده, بحيث يكون هو مصدر السلطات, ويعني مبدأ الديمقراطية الحقيقي هذا ألا يكون هناك مجال لسيطرة فرد أو قلة من الافراد, وان يكون لكل مواطن الحق في الاشتراك في ادارة الشئون العامة لبلاده, إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارهم اختيارا حرا ويكونون امناء, وهذا يتطلب عدة امور مترابطة وهي, احترام الحريات العامة بحيث لايكون هناك اي ضغط او تدخل في حق الفرد في حرية التعبير في الشئون العامة للوطن, وهذا يستلزم اذن حرية الحوار وحرية اصدار القرار, هنا تتحقق دولة القانون والديمقراطية والمؤسسات.
كما ان الدولة العصرية يجب ان تطبق في تفكيرها المنهج العلمي, بجميع ادواته الاستنباطية والتجريبية, وتعتمد علي أحدث ما وصل إليه العلم من نظريات وهو ما يستلزم تطبيق التنظيم العلمي للعمل بجميع فروع الدولة الحديثة.
وهنا فنحن نهدف الي تحقيق حياة افضل للانسان المصري, تعمل علي رفع مستوي معيشته, عن طريق استغلال جميع موارد الثروة المعطلة ورفع انتاجية العمل وتحويل الزيادة السكانية من طاقة سلبية الي طاقة ايجابية, وهو ما سوف يؤدي الي زيادة الناتج القومي ويحقق عدالة توزيعه بين المواطنين.
ولاننسي هنا العمل ايضا علي رفع المستوي الثقافي والعلمي للشعب عن طريق التوسع في الخدمات التعليمية والثقافية كما وكيفا, وهو ما يحقق مفهوم الرفاهية القومية.
ويمكن القول ـ نتيجة لكل ما تقدم ـ ان من اهم ما يميز الدولة العصرية عن الدولة القديمة, في كثير من عهودها, ان الدولة العصرية هي دولة الشعب, وذلك أنها هي دولة القانون, والديمقراطية, دولة العدالة الاجتماعية والرفاهية القومية, اي انها تعمل بالشعب ومن اجل الشعب, فهي لاتعمل بطبقة ولا من اجل طبقة بعينها.
وواضح هنا ان الدولة العصرية في حاجة الي انسان عصري يؤمن بقيمها الخلقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية والدينية, ومعني ذلك ان الانسان العصري الذي يلزم لقيامه هذه المدينة الفاضلة انسان متعدد الابعاد, ذلك انه يتشكل من البعد الروحي, والبعد العلمي, والبعد الاجتماعي.
وبعد هذا العرض لعناصر الدولة العصرية بصفة عامة تأتي حقيقة جوهرية واصيلة, ان الايمان بالله والرسالات السماوية يشكل بالاضافة الي الاسلوب العلمي قيم هذه الدولة ومبادئها واهدافها وطريقة تصورها للامور, وكيفية معالجتها, وهو ما يحتم علينا ان نسلك في مختلف المجالات سلوكا انسانيا اخلاقيا يتفق مع الرسالات السماوية, والتي خص الله بها العالم العربي, وينزل علي مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية, فينكر استغلال الانسان للانسان, ويحترم العمل والملكية غير المستغلة.
فالدولة العصرية التي نهدف الي اقامتها من خلال مجلس الشعب الجديد في مصر هي اذن دولة ليست دينية أو مادية فحسب, بل هي دولة من طبيعة متكاملة, لها جانب مادي علمي, وجانب روحي انساني, دولة تحترم كرامة الانسان وامنه وحريته في مختلف مجالاتها, وتحترم مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة وتوازن بينهما, وتقوم علي التكافل الاجتماعي, وتوقر كل الاديان.
واذا كانت دولتنا العصرية المرجوة تقوم علي هذا الخليط, فاننا ننبه الي انه لاتعارض بين هذين البعدين فليس في الدين ما يتعارض مع المنهج العلمي او مع الحقائق العلمية, وليس فيه ما يحجر علي البحث العلمي من قريب او بعيد.
فالاسلام وكل الاديان, توجه خطابها دائما الي العقل وتحض علي التفكير العلمي, وتشجع البحث والدراسة, ومعني ذلك ان دولتنا هذه التي نهدف الي اقامتها يجب ان تجمع بين البعد العلمي والبعد الديني, وهو ما يستلزم منا افرادا ومؤسسات واحزابا ان نلتزم المنهج العلمي في التفكير وفي التصرف, وان نتخلص من العفوية والغيبيات, وهوما يستلزم منا ان نخضع سلوكنا للقيم الدينية الاصيلة, اي انه مطلوب من الانسان المصري في تلك الدولة العصرية الجديدة ان يكون انسانا متعدد الابعاد يتشكل من البعد الديني, ومن البعد العلمي, ومن البعد الاجتماعي, يومئذ تتحقق المدينة الفاضلة علي ارض مصر.
ساحة النقاش