الرجولة كما يتحدثون عنها بالإنجليزية
بقلم: أمينة شفيق
كانت زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية مع وفد من المجلس القومي للمرأة في منتصف شهر يوليو الماضي‏.‏ كنا نتعرف في هذه الزيارة علي نشاط المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الأمريكية في مجال مناهضة العنف ضد المرأة‏.‏

 

وهو النشاط الذي بدأته هذه الدولة الكبيرة المتنوعة الأعراق منذ عام‏.1995‏ هذه الزيارة الأخيرة كانت الثانية لي للولايات المتحدة بعد وصول باراك أوباما إلي البيت الأبيض الأمريكي‏.‏ وعندما أكون في الولايات المتحدة فعادة ما أتابع وسائل الإعلام المحلية‏.‏ فالفنادق الأمريكية لا تقدم تلك الخدمة التي تساعد نزلاءها علي متابعة الفضائيات‏.‏ لذلك تكون المتابعة محلية بحتة‏.‏ وعادة ما أعتبرها فرصة لمتابعة الواقع المحلي جدا لهذا البلد الكبير الذي لا تجد فيه كل شيء من السلع والبضائع فحسب بل ومن الاتجاهات والتوجهات أيضا‏.‏ وأهم ما كان يشغلني هو المدي الذي بات التوجه نحو ذوي الأصول الإفريقية يتطور بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة‏..‏ فالمتتبع للشأن الداخلي الأمريكي يعلم أن نسبة كبيرة من ذوي الأصول الأنجلو ساكسونية البروتستانتية كانوا ضد انتخاب مواطن ملون كرئيس للدولة‏.‏وأثناء زيارتي قبل الأخيرة‏,‏ أي في أولي زياراتي لأمريكا بعد وصول أول رئيس ملون إلي منصب الرياسة‏,‏ تابعت لقاءات تليفزيونية مع عدد من الأفراد العاديين‏.‏ وكان السؤال المطروح علي الجمهور هو‏'‏ كيف تري وجود أوباما في البيت الأبيض بعد مرور أكثر من عام؟‏'.‏ وكان المذيع يتحاور مع مواطنة من هذه العناصر المتشددة سياسيا‏.‏ كانت إجابتها كالتالي‏,'‏ كنت أتوقع أن تكون النتيجة سيئة جدا‏..‏ جدا‏..‏ جدا‏,‏ وفي الحقيقة أنها ليست كذلك‏.'‏ ثم استطردت بسرعة قائلة‏'‏ لكنها لا تزال سيئة‏'.‏ كان ذلك منذ عام‏.‏ أما في زيارتي الأخيرة هذه فقد تابعت واقعين لمدة أسبوع‏.‏ اعتبرتهما جديدين علي جدول اهتماماتي بالداخل الأمريكي‏.‏
في الواقع الأول‏,‏ ركزت وسائل الإعلام علي قضية اضطهاد عرقي ولكن في هذه المرة كانت معكوسة‏.‏ كانت من مواطنة من جذور افريقية ضد مواطنين من جذور أوروبية‏.‏ بطلتها السيدة شيرلي شرود المهندسة الزراعية العاملة كمرشدة في إدارة زراعة مدينة أطلنطا عاصمة ولاية جورجيا الجنوبية‏.‏ قيل أنها ذكرت في حديث إذاعي لها‏,‏ نشر بعد ذلك بشكل واسع علي أحد المواقع الفضائية‏,‏ أنها حجبت إحدي الخدمات الزراعية عن مزارع أبيض وزوجته المزارعة البيضاء‏.‏ فما كان من مسئول الإدارة في الولاية إلا أن تقدم إليها طالبا منها تقديم استقالتها من العمل‏.‏ وبالفعل قدمت الاستقالة‏.‏ ولكنها تقدمت بعد ذلك بالنص الكامل لحديثها‏.‏ فتبين أن الناشط الفضائي الذي استقطع النص المنشور علي الموقع من سياقه العام عضوا نشطا في جماعة المنتمين لحركة جديدة سياسية تدعي‏'‏ حركة حفل الشاي‏'.‏ وهي حركة غالبية أعضائها من ذوي الجذور الأوروبية الذين يناهضون وصول رئيس ملون إلي البيت الأبيض وأن إحدي زعيمات هذه الحركة هي سارة بيلين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات الأخيرة‏.‏ استمرت وسائل الإعلام المحلية الأمريكية تتناول الحدث من كل جوانبه إلي أن ظهرت الحقيقة واضطر الرئيس أوباما إلي الاتصال بها تليفونيا طالبا منها قبول اعتذار مسئولها المباشر ثم قبول الوظيفة التي عرضت عليها كنوع من الترضية‏.‏ أما السيدة شيرلي فقد رفضت الاعتذار ثم رفضت الوظيفة بكل كبرياء‏.‏ وقالت في آخر ما استطعت متابعته قبل العودة أن عناصر أمريكية كثيرة تحاول النيل من أوباما من خلال الضغط علي الأقلية الإفريقية الجذور وإظهارها كأقلية عنصرية تلاحق البيض‏!‏ أما الواقع الثاني فكان في إحدي منظمات المجتمع المدني في مدينة واشنجتون العاصمة‏.‏ جمعية أطلق منظموها عليها اسم‏,'‏ رجال ضد الاغتصاب‏'.‏ تعمل الجماعة في شقة متواضعة في العاصمة‏.‏ تأسست عام‏1997‏ في مقرها الفيدرالي ثم انتشرت في عشرين ولاية وبات لها اتصالاتها الدولية للعمل لذات الهدف‏.‏ كما بات لها عدد من المتطوعين العاملين في صفوفها في كل الولايات التي تعمل بها‏.‏ وأن فلسفتها الأساسية هي تعليم الرجال المعني الحقيقي للذكورية‏.‏ فالذكورية‏'masculanity'‏ أو الرجولة في لغتنا وكما نستخدمها هي إعادة فهمنا للقوة التي قد يتمتع بها الرجال بحيث يمتنعون بأنفسهم عن اغتصاب النساء أو التحرش بيهن‏.‏وقد حصلت هذه الجمعية علي عدد كبير من الجوائز الاجتماعية تقديرا لنشاطها في مجال عملها‏.‏
استقبل مديرا المنظمة‏,‏ نيل أرفين ذو الجذور الإفريقية وجوزيف فيس ذو الجذور الأوروبية‏,‏ وفد المجلس القومي للمرأة بكل ترحاب‏.‏ في البداية قال جوزيف فيس ذو البشرة البيضاء‏'‏ مرهبا بيكم في الولايات المتهدة الأمريكية‏'.‏ ففهم أعضاء الوفد المصري أنه يتحدث العربية ولكن بلكنة أمريكية‏.‏ ثم عرف في سياق الحديث أنه عاش وعمل في مصر لعدد من السنوات‏.‏ عندما بدأ الحديث عن فلسفة عملهما قالا أن هذه المنظمة بدأت بثلاثة رجال والآن يعمل في صفوفها المئات‏.‏ وهي تنشط حيث توجد التجمعات في كل مكان‏,‏ في المدارس وفي الجامعات وفي مواقع العمل وفي النوادي‏.‏ وأنها تفتح الحوارات المستمرة مع كل الأفراد حول المعني الحقيقي لكون الرجل رجل ولكونه يملك قوة عضلية أو سلطة أو مكانة‏.‏ يعلمون الآخرين أن الرجولة أو‏'‏ الذكورية‏'‏ هي أن يحترم الرجل خصوصية الآخر ولا يعتدي عليها وأن يؤدي المسئوليات المنوطة به في المجالين الخاص والعام أي مسئولياته الأسرية ومسئولياته في العمل وأن يصون ويحمي الآخر الأضعف منه ولا يصيبه بالأذي أو الضرر‏.‏ أشارا إلي أن المشكلة في التحرش أو الاغتصاب ليست من المرأة ولا في المرأة ولكن في فهم الرجل لقدراته الإنسانية الحقيقية التي ولد بها ولمدي تقديره لهذه القدرات‏.‏ قالا أن المنظمة تمول من الأفراد ومن أصحاب الأعمال‏.‏ فهذه الشريحة الأخيرة من المواطنين بدأت تقتنع أن الأمن المفتقد بين الجنسين في وحدة العمل يؤثر بالسلب علي إنتاجية الأفراد وأنه كلما كان مكان العمل آمنا زاد الإنتاج
وفي النهاية قالا أن مع بداية تأسيس المنظمة كان البعض ينهال علي العاملين فيها بالتهكم والسخرية والنكات اللاذعة والبذيئة أحيانا‏,‏ ولكنهم صمدوا وباتوا الآن يطلبون للعمل في التجمعات المهمة‏.‏ واقعان متباينان‏..‏ هكذا دائما الولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ فيها هذا وفيها ذاك‏.‏

 

المزيد من مقالات أمينة شفيق<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 57 مشاهدة
نشرت فى 15 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,764,061