بقلم: جمال الشاعر
ذات يوم, انتبه مبشر أثناء تطوافه في أطراف ناتكين الي انه قد نسي ساعته.. فاستفسر من صبي عن الوقت.. في البداية.. تردد ابن الامبراطورية السماوية ثم أجاب بعد أن عدل عن تردده.. سأنبئك به.. بعد هنيهة عاود الظهور ممسكا بين يديه بقط ضخم قوي
.. وبعد ان نظر اليه في بياض عينه كما يقولون.. أكد بلا تردد.. نحن قبيل الظهيرة بقليل وهو ماكان صحيحا.. يحكي شارل بودلير هذه الحكاية في أشعاره النثرية ويقول.. بالنسبة لي لو ملت علي فيلين الرشيقة الجميلة الجديرة تماما بهذا الاسم وهي في آن واحد فخر جنسها وكبرياء فؤادي وعطر روحي.. فانني لا أسألها عن الساعة.. بل أقرأ مواقيت روحي دائما في عينيها.. تظهر فيها الساعة خفيفة كتنهيدة وسريعة كنظرة خاطفة.. ولو قال لي جني شرير عنيد.. عم تبحث في عيني هذا الكائن سأقول له نعم انظر الي الساعة.. انها ساعة الأبدية وسوف أقول لحبيبتي.. أليست كلماتي غزلية مدهشة مثلك تماما بحيث إنني لن أطلب منك شيئا في المقابل.. فكتب بودلير أشعاره النثرية تلك ويحرضك علي كتابة قصيدة النثر قائلا.. من منا لم يحلم في أيام طموحه بمعجزة نثر شعري.. موسيقي دون وزن ودون قافية بالغة السلاسة والمرونة بحيث يمكنه التكيف مع الحركات الغنائية للروح ومع تموجات الهواجس وانتفاضات الوجدان.. ثم يفاجئك بهذه اللقطة في قصيدة المرآة.. رجل بشع يدخل ويتمري في المرآة.. لماذا تتمري في المرآة وأنت لا يمكنك ان تري نفسك فيها إلا ويصيبك الغم؟.. الرجل البشع يجيبني.. سيدي.. بحسب مبادئ ثورة89 الخالدة إنه حقي ان أري نفسي في المرآة.. منشرحا أو مغتما فهذا لا يخص سوي ضميري.. من منا علي صواب؟.. باسم الحس السليم لا شك أنني كنت علي حق.. أما من الناحية القانونية فإنه لم يخطئ.. ومع أن بودلير دائما كان يرثي لحال الانسان ومصيره ولأحوال الكلاب الضالة.. ولأحوال الفقراء.. إلا انه يحاصرك وجدانيا في قصيدته النثرية.. فلنصرع الفقراء.. علي مدار خمسة عشر يوما كنت معتكفا في غرفتي.. وكنت محاطا بكتب رائجة من نوعية جعل الشعوب سعيدة وحكيمة وثرية في أربع وعشرين ساعة.. التهمت كل هذيانات جميع متعهدي الهناء العام.. هؤلاء الذين ينصحون الفقراء ان يكونوا عبيدا.. وأولئك الذين يقنعونهم بأنهم جميعهم ملوك مخلوعون.. وكلما قرأت احتجت الي الخروج من القراءات الرديئة الي الهواء العظيم والاكسوجين المنعش.. وبينما أهم بدخول حانة.. مد شحاذ قبعته.. بنظرة من تلك النظرات التي لا تنسي والتي تقلب العروض لو حركت الروح المادة.. ولو انضجت عين منوم مغناطيسي عناقيد العنب شعرا.. شيطاني مختلف عن شيطان سقراط القوال.. شيطاني فعال قتال.. علي الفور هجمت علي شحاذي وبلطمة واحدة أقفلت له عينا اصبحت في ثانية متورمة مثل كرة, وكسرت أحد اظافري في تحطيم سنتين له ولكي أصرعه قبضت علي عنقه بعد أن تأكدت بنظرة خاطفة من ان المنطقة مهجورة ولا مرشد للشرطة فيها.. ركلة في الظهر.. حطمت لوحي الكتفين ثم التقط فرع شجرة وانهلت عليه ضربا بالقوة العنيدة للطهاة الذين يريدون ترقيق قطعة بفتيك.. وفجأة.. وياللمعجزة.. ويالفرحة الفيلسوف الذي يتحقق من امتياز نظريته رأيت الهيكل العظمي العجوز ينقلب وينهض ويضربني علي عيني ويكسر لي أربع أسنان.. وبفرع الشجرة نفسها انهال علي ضربا وضحكت في سري.. لأنني بمداواتي القوية قد وهبته الكبرياء والحياة.. عندئذ أشرت اليه انني اعتبر ان المناقشة قد انتهت وانه يشرفني ان يتقاسم نصف مالي.. وان يطبق النظرية التي اكتشفناها معا علي كل من يطلبون الصدقة فأقسم انه فهم نظريتي وانه سوف يلتزم بنصائحي.. بودلير شكرا علي جنونك النبيل وسحقا لك ولشياطينك الطيبة.. الآن نعرف كيف تعامل الدول الغنية فقراء العالم.
المزيد من مقالات جمال الشاعر<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش