القاتل سي يهدد الطفولة
تحقيق‏:‏حنان حجاج


مشروع تبنته أخيرا وزارة الصحة ومعهد الكبد خطوة علي الطريق لرحلة طويلة ينتظرها الآن‏24‏ ألف طفل وحسب تقديرات أخري‏60‏ ألفا هم ضحايا مرض جاء إليهم مصادفة

 

 ولكن هل يكفي علاج ألف طفل في ثلاث سنوات ؟ ربما تكون هذه خطوة صغيرة تكون بداية لمشوار طويل فالرحلة مكلفة جدا وصعبة علي هؤلاء الصغار لكنها خطوة تستحق ان نكتب عنها كما نكتب عن قصص هؤلاء الصغار الذين تعبت أكبادهم مبكرا جدا ولحقوا بقطار المرض في محطته الأولي أشوفك السبت الجاي متتأخرش جملة قصيرة قالها محمود لسامح بينما يغادر بوابة الوحدة التي تحمل لافتة كتب عليها اطفال بدون فيروس سي محمود في الصف الرابع الابتدائي مريض مزمن بالفيروس سي‏,‏ لاتعرف والدته علي وجه التحديد متي أصيب بالمرض لكنها تعرف تفاصيل الرحلة المزعجة التي بدأت باصابته بورم في الأمعاء وكان عمره ثلاث سنوات ونصف تقول‏:‏ اكتشفنا ان عنده سرطان وتم استئصاله وكنت أحضر لمعهد الأورام للمتابعة وعندما أجروا له تحاليل اكتشفنا أنه أصيب بقيروس سي الأطباء قالوا انه من نقل الدم بعد الجراحة لكنه كان وقتها يعالج بالكيماوي ولا يتحمل علاجا آخر للفيروس وانتظرنا حتي تأكدنا من شفائه وأرسلنا الأطباء لمعهد الكبد وكان يأخذ حقن الانترفيرون التي يأخذها الكبار وأخذ‏13‏ حقنة ولكنه تعب جدا منها ونصحنا الأطباء بوقف العلاج لأنه لم يستجب له كما قالوا وصحته ضعفت ومنذ عامين لا يتناول علاجا حتي تأخرت حالته وعندما بدأ المشروع تم ترشيح محمود ليكون ضمن أول مجموعة لان له ملفا هنا كما أخبرونا‏.‏
المشروع الذي تتحدث عنه والدة محمود المفترض أن يحمل علي عاتقه علاج‏24‏ ألف طفل مريض بفيروس سي في مصر حسب الاحصائيات الرسمية حيث تصل نسبة الأطفال المصابين بالمرض بين‏3‏ سنوات و‏18‏ عاما نحو‏3‏ في الألف والمشروع أطلقته وزارة الصحة والمعهد القومي للأمراض المتوطنة والكبد‏,‏ يحلم أن يأتي اليوم الذي يعالج فيه هؤلاء الأربعة والعشرون ألفا لكن الميزانية المحدودة ومدة المشروع الزمنية لن يوفرا هذا سوي لألف طفل علي أكثر من مرحلة‏,‏ كما يقول دكتور وحيد دوس رئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية ومدير معهد الأمراض المتوطنة والكبد أما السبب وكما يشرح‏:‏ نحن اعتمدنا في المشروع علي جهة مانحة وهي مؤسسة ساويرس الخيرية التي نجحت بدورها في الحصول علي منحة مقدارها خمسة ملايين دولار لأنفاقها علي عشرة مشروعات أخذنا نحن جزءا منها لبدء البرنامج الخاص بعــــلاج الأطفال المصابين بالالتهاب الكبدي وهو أول مشروع من نوعه متخصص في علاج هؤلاء الأطفال كما أنه أول مشروع متكامل بين المجتمع المدني والقطاع الطبي الحكومي وبالفعل كونا لجنة استشارية عليا مكونة من السيدة يسري لوزة ودكتور عبد الحميد أباظة مساعد الوزير وأعضاء اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية دورها إدارة هذا المشروع طبيا‏.‏
وكيف كان يعالج هؤلاء الأطفال قبل ذلك ؟
كانوا يعالجون ضمن المشروع القومي لمكافحة الفيروسات الكبدية للكبار والذي بدأ قبل‏3‏ سنوات وكانوا يتلقون نفس العلاجات التي يتلقاها الكبار والبعض يعالج من خلال التأمين الصحي وغالبا كانت علاجات تحفظية لاتنجح مع جميع الحالات‏.‏
‏*‏ وهل سيبدأ المشروع بكل هؤلاء الأطفــال مرة واحــدة ؟
سنبدأ بحوالي‏50‏ طفلا في المعهد ثم سيتم افتتاح خمسة مراكز أخري في مستشفي أبو الريش الجامعي وقسم الأطفال بجامعة عين شمس وجامعة المنصورة ومعهد الكبد بالمنوفية وقسم الأطفال جامعة أسيوط وخلال حوالي‏3‏ سنوات سيكون قد تم علاج حوالي ألف حالة تغطيهم ميزانية المشروع ولو نجحنا خلال تلك الفترة في الحصول علي تمويل جديد سنأخذ مجموعة أخري وهكذا‏.‏
حجرة الأمل
في الحجرة الصغيرة الملحقة بصالة الانتظار نحو خمسة أطباء بالاضافة للدكتور خالد قابيل مدير المشروع يأتي الأطفال يوم السبت من كل اسبوع لأنه يوم العطلة الرسمية للمدارس يحضرون ـ كما يقول دكتور خالد ـ منذ الثامنة والنصف وننهي عملنا في الواحدة ظهرا‏,‏ المرحلة الأولي التي بدأنا بها‏50‏ طفلا فقط في معهد الكبد بشارع قصر العيني وهناك خمسة أماكن أخري ستقدم نفس الخدمة وستفتتح علي التوالي قريبا ويكمل‏:‏ كل طفل هنا له ملف كامل بكل شيء عن تاريخه المرضي وحالته الصحية وتطورات علاجه بشكل اسبوعي بل ويومي أيضا فنحن نوفر لهم خطا ساخنا تابعا للمشروع علي مدي سبعة أيام‏24‏ ساعة يمكن لأهل الطفل الاتصال والابلاغ عن أي مشكلة أو السؤال عن أي معلومة ونقوم بتسجيل هذا في ملف الطفل وعندما يحضر لنا نقوم بوزنه اسبوعيا ومراجعة حالته الصحية والتحاليل قبل إعطائه العلاج فقد يحدث أي تطور في الحالة يستدعي تغيير الجرعة أو حتي تأجيلها‏.‏
دكتور خالد قابيل يشير ان بعض الأطفال يتعرضون لبعض الأعراض الجانبية ومنها ارتفاع درجة الحرارة والقيء وربما بعض الارهاق ولكنها اعراض متوقعة ومقبولة خاصة ان بعض هؤلاء الأطفال يكون لهم تاريخ مرضي سابق كالإصابة بالسرطان او امراض اخري او أجروا جراحات ولكن بشكل عام فإن هناك ثلاثة ادوية متعارف عليها عالميا لعلاج الفيروس سي‏,‏ دواء واحد فقط هو المسجل لعلاج الأطفال وينتج في الولايات المتحدة وهو الذي نستخدمه حاليا‏.‏
ضحايا العدوي
عملية بسيطة لإزالة اللوز كانت هي السبب في رحلة المعاناة التي يعيشها الآن سند مصطفي سند عمره‏6‏ سنوات هو احد اطفال المرحلة الأولي من المشروع في العام القادم سيدخل سند المدرسة كما تقول جدته التي حضرت معه هي وامه من القليوبية‏,‏ تشير أمه الي ان الطبيب اخبرها بأن يكون لسند أشياؤه الشخصية وتقول‏:‏ عندما أتينا هنا اعطونا لوفة وفرشاة اسنان هدية وقالوا يجب ان تكون له حاجات لا يستخدمها غيره خاصة ان له اختين صغيرتين يمكن أن تتعرضا للعدوي منه‏.‏
العدوي قصة اخري جعلت كثيرا من الآباء يرفضون الافصاح عن اسماء ابنائهم او حتي تصويرهم حتي لا يتجنبهم الآخرون كما قالت احدي الأمهات بينما اشتكت ام آية من اتهام الناس لها شخصيا انها تسببت في عدوي ابنتها لأنها كما تقول مريضة بالفيروس منذ‏4‏ سنوات رغم انها شفيت فقد نقلت العدوي لابنتها دون ان تقصد‏.‏
ورغم ذلك كانت آية الصغيرة ذات الثمانية اعوام تبتسم وتجلس لتمد ذراعيها في شجاعة لتأخذ جرعتها بينما تتلقي مكافأة ضخمة من مدير المشروع خرجت بعدها سعيدة علي موعد آخر ليوم سبت قادم‏.‏
العدوي هي الكلمة المؤلمة في حياة هؤلاء الصغار وفي تاريخ عائلاتهم فهم قبل ان يصبحوا مصدرا لها كانوا ضحايا لكبار اصابهم المرض ولم يلتفتوا الي ان العدوي لا تفرق بين صغير وكبير‏,‏ دكتورة هالة حمدي السيد استاذ طب الأطفال بجامعة عين شمس وعضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية وصاحبة فكرة المشروع تحكي قائلة‏:‏ نسبة الثلاثة في الألف التي قد تبدو صغيرة لا تدل لحد كبير علي حقيقة الموقف فقد خرجنا بها بعد بحث علي عينة عشوائية قوامها‏3700‏ طفل من بيوت في القري والمدن ولذلك فأنا اراها غير دالة لحد كبير علي الواقع فأهم اسباب الإصابة عند هؤلاء الأطفال هو انتقال الفيروس لهم عبر عمليات نقل الدم وجميع اطفال الأورام يحدث لهم هذا‏,‏ كما ان مناعتهم منخفضة اصلا وكذلك اطفال انيميا البحر المتوسط والفشل الكلوي والأطفال المختلطين بعائلات مصاب احد افرادها بالمرض‏,‏ كل تلك العوامل تعطي احتمالات اصابة اعلي بكثير مما تدل عليه العينة العشوائية فحسب العينة يفترض ان لدينا‏24‏ الفا بينما واقعيا لااعتقد ان العدد يقل عن‏60‏ الفا‏.‏
الرقم المخيف هذا لا يمنع في رأي دكتورة هالة حمدي السيد من ان المرض يمكن حصاره واكتشافه وتقول‏:‏ الاكتشاف المبكر مهم جدا ولابد ان نكتشف نحن المرض عند الطفل وليس العكس فالمرض لا يكشف عن نفسه سوي في مرحلة متأخرة‏,‏ تلك قاعدة أساسية لابد من مراعاتها فورا ويكفي ان نعرف انه يأتيني اطفال في عمر عامين واقل يصابون بالفيروس وعندما نجري تحليلا نكتشف انه انتقل من الأم لأنها مصابة ولا نستطيع علاجهم قبل سن‏3‏ سنوات لأن الدواء الوحيد المتاح هو الانترفيرون مع اليبافيرون بل ان هناك حالات لايمكن علاجها أساسا خاصة مرضي الأورام الذين يعالجون بالكيماوي‏,‏ وكذلك الأطفال الذين يتم نقل الدم اليهم بشكل متكرر لأنهم معرضون للعدوي فلا جدوي من العلاج ورغم ذلك فنسبة الشفاء تصل الي‏60%‏ وهي نسبة جيدة جدا مقارنة بالماضي‏.‏
نحن لدينا الآن حوالي‏100‏ الف مريض يتلقون العلاج سنويا ضمن المشروع القومي لمكافحة الفيروسات الكبدية سنبدأ بإجراء مسح مرضي شامل لعائلاتهم للتأكد من حدوث اصابات نتيجة للعدوي ثم نضيف لهذا الرقم‏300‏ الف اخري ليصل حجم المسح حالي‏400‏ الف اسرة علي مستوي مصر كلها‏.‏
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 40 مشاهدة
نشرت فى 28 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,750,651