الأساطير بين الثقافة والمجتمع المصري القديم
بقلم: د‏.‏ لطفي عبد الوهاب


من بين التصورات العديدة لمفهوم الثقافة‏,‏ ربما كان تعريفها بأنها أسلوب الحياة والفكر لدي المجتمع هو الأكثر شيوعا‏,‏ وذلك من حيث أنه يسهم بالقدر الأوفي في تحديد شخصية هذا المجتمع ونوعية الدور الذي يقوم به في الحياة العامة‏.‏

 

علي أن محاولة التعرف علي مرحلة أو أخري من مراحل التطور الثقافي الذي مر به مجتمعنا عبر العصور لايزال يشكل موضع خلاف‏,‏ تأصيلا أو تحقيقا أو تفسيرا‏,‏ بين المهتمين بهذا اللون من ألوان المعرفة‏,‏ وبما يرتبط به أو يتداخل معه من المجالات التي احتوي عليها المجتمع المصري القديم‏.‏
ومن هنا فإن التعرف علي هذه المجالات يصبح فريضة علمية لا يمكن ولا يجوز أن نتجاهلها‏.‏ وأحد هذه المجالات هو مجال الأساطير ـ الذي ربما كان الكثير من بيننا في حاجة إلي مزيد من التعرف علي قيمته‏.‏
والأسطورة‏,‏ أو سجدد حسبما سماها المصريون القدامي هي الكلام المنقول مشافهة أو مخاطبة‏.‏ وهي تسمية أطلقوها كذلك علي القصة أو الحكاية‏(‏ ربما من باب التشبيه أو التقريب‏).‏ ولكن قبل أن أتحدث عن نوع الحكايات التي اتخذتها الأساطير مضمونا لها‏,‏ ربما كان من المناسب أن أشير في عجالة إلي مدي تمثيل هذه الأساطير للهدف الذي ترتبط به‏.‏ وفي هذا السياق فلعلي لا أبتعد كثيرا عن الصواب إذا ذكرت أن العامل الفاصل في هذا الشأن هو مدي استمرار أو رواج الأسطورة في المجتمع الذي ظهرت فيه‏,‏ من حيث أن هذا الرواج هو المؤشر الحقيقي إلي مدي التواؤم الذي يمثله مضمون الأسطورة مع توجهات المجتمع المذكور ـ وهو أمر يختلف كثيرا من حالة إلي أخري‏:‏ إذ أن هذا الرواج أو الاستمرار قد ينحصر في عقود أو حتي في سنوات معدوده‏.‏ وقد يستمر في أحوال مغايرة لقرون عديدة‏.‏
وفي وسعنا أن نقسم الأساطير المصرية‏,‏ من حيث مضمونها إلي ثلاث نوعيات‏,‏ وأحد هذه النوعيات يتمثل في الحكايات التقليدية وهي الحكايات التي تخص مجتمعنا علي وجه التحديد‏.‏ وهذا النوع من الأساطير يتعامل مع العادات والتقاليد‏,‏ وبخاصة الدينية منها‏,‏ ومع التصورات والظواهر في كافة أحوالها وآفاقها ـ من مسألة خلق العالم إلي تفسير أي معلم أو تكوين يتصادف وجوده في المنطقة التي يقطنها المجتمع المذكور‏,‏ ومن الصفات المفترضة التي قد يتميز بها أحد المعبودات إلي الأرواح الشريرة التي قد تشيع الارتباك في نظام الحياة القائم في المجتمع‏.‏
والنوع الثاني من الحكايات الأسطورية الذي ترك لنا قدماء المصريين قدرا غير قليل منه هو القصة البطولية أو المثالية أو ما يمكن أن نطلق عليه تسمية التاريخ الشعبي الذي عادة ما يتضمن حدثا حقيقيا يستقطب عاطفة الجمهور ـ وهو حدث قد يتمثل في معركة أو غارة أو موقف أو ما شابه ذلك‏.‏ والنوع الثالث من الأساطير هو ما يمكن أن نسميه الحكاية الشعبية‏.‏ وهذا النوع يشبه القصة البطولية ولكن دون أن يستند إلي خلفية من الواقع التاريخي‏,‏ وإنما يكون هدف القصة هو تسليط الضوء علي المتناقضات الموجودة في المجتمع إلي جانب قدر متفاوت من التسلية‏.‏
وأصل في نهاية الحديث إلي العلاقة بين الأساطير المصرية والقيم التي سادت المجتمع المصري القديم‏.‏ وإحدي هذه القيم تخص سيادة القانون من خلال القضاء‏,‏ وتمثلها أسطورة الصراع علي الفوز بعرش مصر بين الإله حورس والإله ست‏.‏ وهنا نجد أن الكلمة للقانون في كل خطوة من خطوات هذا الصراع‏:‏ وهكذا نجد كلا من المتنازعين يتقدم بطلبه إلي الإله آتوم‏,‏ أكبر الآلهة كما نجد التاسوع‏(‏ وهو هيئة من الآلهة‏)‏ يقومون بتنظيم القضية‏.‏ وإذا كانت فترة الدعوي تشهد محاولات من بعض الآلهة للتأثير علي سير الأمور إلا أنه حين يأتي وقت النطق بالحكم يستقبله الجميع‏,‏ بمن فيهم أطراف النزاع بكل ترحاب ودون أية معارضة‏,‏ أما القيمة الأخري التي أقدمها في هذا السياق فهي تخص التصدي للفساد وتمثلها نصائح الحكيم المصري إيبو ـ ور‏.‏ وهي نصائح تعود إلي فترة الاضمحلال الأولي التي شهدها عهد الملك بيبي الثاني‏(‏ بين القرن‏23‏ ـ‏22‏ ق‏.‏م‏)‏ وهنا نجد الحكيم المصري يقدم موقفه في صورة مشافهة ومخاطبة تتخذ شكل تساؤلات وتعجبات من جهة وردود ونصائح من الجهة الأخري‏.‏ وهنا نجده يبدأ بالتساؤل عما حدث في مصر‏,‏ ويبدي تعجبه من أن اللص أصبح من أهل الثراء وأن الذي كان لا يجد الرغيف بالأمس أصبح اليوم يمتلك مخزنا من الغلال‏,‏ ثم يسأل وكأنه يشير إلي ثقافة طبقة جديدة عن السبب الذي جعل القذارة تنتشر في البلاد‏..‏ ونراه كذلك يدعو إلي التمسك بالدين متمثلا في عناية الكهنة بالمعابد‏,‏ كما يذكرنا بالمذابح التي كانت تزدحم بما كان يغطيها من القرابين‏,‏ ويتعجب من أن القوانين لم تعد موضعا للاحترام كما كان الأمر من قبل‏,‏ وفي النهاية يتوجه الحكيم للملك في محاولة لإصلاح الأمور فينته إلي أن لديه الحكمة والبصيرة والعدالة‏,‏ ولكنه يترك الفساد يستشري في البلاد‏,‏ ثم يدعوه إلي أن يأمر بأن يأتي إليه من يذكر الحقيقة بدلا من أولئك الذين يلتفون حوله ويكذبون عليه‏.‏ ثم ينهي نصائحه بجملة معبرة حين يقول‏:‏ إن الناس علي حافة الهاوية‏.‏ وتبقي كلمة أخيرة‏:‏ تحية إلي أستاذنا الراحل عبد المنعم أبو بكر‏,‏ الذي عرفنا أن الحقيقة كثيرا ما تكمن في الأسطورة‏.‏
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 120 مشاهدة
نشرت فى 27 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,797,788