نوســـتالجيا.. أم قـــراءة في أيامنــــا المصــــرية ؟
كتبت : ســناء صـليحـة
منذ فكرا لإنسان لأول مرة في ابتكار نظام يرصد به دورة الزمن و يحفظ من خلاله متوالية أيامه علي الأرض,وظهور اكثر من وسيلة لمعرفة التواريخ اعتمادا علي التقويم الشمسي أو القمري أو التأريخ بحدث بعينه.
مثل الهجرة النبوية ـ والأساطيرـ كما هو الحال في التقويم الصيني والإيراني والتقويم العبري الذي ويبدأ التاريخ به من3761 سنة قبل الميلاد والعام وهي سنة الخلق حسب زعمهم) وحتي هذه اللحظة, يدور الزمان دورته و وتفر الأيام طاوية صفحات لا يبقي منها سوي أوراق أو أرقام تحفظها نتيجة ورقية أو رقمية تحمل نفس التاريخ و ذكري لأحداث وأشخاص, لكنها قط لاتأتي محملة بنفس الأحداث ولا حتي نفس الرؤي والمشاعر التي فجرها الحدث الأصلي سواء بالنسبة لصانعي الحدث أو لجمهورهم. يمضي الأشخاص وتتباعد الأحداث.. تثبت الأفكار أو تتغير.. تتبدل المواقف وتتعدد التفسيرات والروايات, بل وربما تناقض بعضها البعض..
و رغم أن الغرض من تدوين التاريخ كان في البدء إحياء آثار السلف وتسجيل السير الشخصية و تمجيد مآثر الأبطال, و ضرب المثل و اسداء النصح, و تدوين تاريخ الحدث بالأيام إلا أن الأمر تحول بمرور الوقت لمحاولات الوصول لنظريات تفسر حركة التاريخ وصعود و انهيار الحضارات,( و من أبرزها نظرية التعاقب الدوري في تفسير التاريخ التي رأت في التاريخ متتالية متشابهة, تكرر أحداثها بأشكال متقاربة, وتترتب عليها النتائج نفسها و أن التاريخ إيقاعه دائري لا يخرج عن البداية ـ النمو ـ النهاية/الميلاد ـ الشباب ـ الشيخوخة/ النمو ـ_ الصعود ـ الهبوط), و هو إتجاه كان أهم رواده أفلاطون و ابن خلدون و ـ في ظني_ لعب دورا في رؤي عدد من المحدثين مثل فرانسيس فوكوياما,صاحب نظرية نهاية التاريخ التي واكبت نظرية صراع الحضارات للمفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون.
و رغم الانتقادات التي وجهت لفكرة التعاقب الدوري للتاريخ التي أصلها ابن خلدون, ورغم ان المؤرخ المصري يونان لبيب رزق قد أكد ان التاريخ لا يتكرر إلا في اسباب النهوض والتخلف, إلا أنه بفضل منهج ابن خلدون الذي رسخته مقدمته الشهيرة, لم يعد التاريخ مجرد سرد لأحداث بقدر ما أصبح وسيلة للتعليل و لدراسة الظواهر الاجتماعية والكشف عن القوانين التي تخضع لها في نشأتها وتطورها, وما يعرض لها من أحوال. فبات تفسير الأحداث والوقائع والحقائق التي دونها السلف يخضع للبحث عن العلة الكامنة وراء الحدث و الرابطة السببية لتكرار حدوثه و محاولة فهم طبيعته من خلال معرفة القوانين التي تخضع لها العملية التاريخية.
من هذا المنظور الذي يرفض أن يكون التاريخ مجرد تسجيل لماض لا علاقة لنا به أو أن يكون مجرد سير للحكام و الساسة و أن يكون دور المؤرخ تبرير وتمرير وقائعه باعتبارها تسجيلا لوقائع لا علاقة لنا بها, أو مقطوعة الصلة بالحاضر, ولأن التاريخ بأحداثه وشخوصه حالة ممتدة في حياتنا ولا تزال آثاره فاعلة في تكويننا وسلوكنا, ولا يزال أداة مهمة لمحاولة تصويب أخطاء الماضي وفهم الحاضر و استقراء ملامح المستقبل, ولأن التاريخ بهذا المنظور يلغي الحدود والفواصل بين الأزمنة, نحاول اليوم أن نخترق حجب الذاكرة وأن نتوقف أمام حقبتين في تاريخنا بقدر ما مثلتا نقطة تحول في مسار حياة الأمة, وشكلتا جزءا لا يتجزأ من تاريخها وذاكرتها, بقدر ما حفلتا بقراءات و تفسيرات لم تخل من شبهة التحيز أو إصدار أحكام متسرعة تفتقد الدقة العلمية,أولاهما فترة ما قبل حملة نابليون علي مصر التي وصفتها لنا مناهجنا المدرسية بأنها كانت فترة ظلام دامس وانهيار للفنون والآداب, الأمر الذي دحضته سلسلة بحوث د. نيللي حنا وفريق الباحثين في الجمعية التاريخية, والثانية ثورة يوليو التي تم تناولها إما باعتبارها مبرأة من كل الخطايا والمثالب أو باعتبارها حدثا كإرثيا أحدث انقطاعا لحالة الحراك المجتمعي المصري علي مختلف المستويات وأوقفت تطوره الطبيعي, أو تركيز البعض علي عدد من الخطايا الفردية, أو القرارات غير المدروسة.. وبغض النظر عن التأويلات والتفسيرات لا تزال هذه المراحل أياما لها تاريخ, نلوذ بها وتحملنا عبر دهاليز الذاكرة والأيام باعتبارها فرصة لإعادة قراءة الحدث من جديد من منظور أرحب وأعمق يترفع عن الصغائر والرؤي الفردية, ويتلمس الجزئيات التي شكلت الحدث والتداعيات التي بلورت رؤي ومواقف وصاغت قرارات غيرت وجه الحياة في مصر..
واليوم إذ نحاول أن نبحر بين الأوراق وعبر دهاليز ذاكرة مجموعة من المفكرين و الباحثين لنتلمس معهم ما بقي من تلك الأيام,لا تدفعنا لحظة حنين لماض أو محاولة التكريس لفكرة دون غيرها., بقدر ما نحاول أن نستلهم بعضا من خصائص المنهج الخلدوني في قراءة جديدة لصفحات من تاريخ الوطن والبحث عن العلة والسبب, عسي أن نعثر علي بصيص من نور في أعماقنا, لفهم حاضرنا و ربما التنبؤ, بل و اختيار ما سوف يحمله الغد.
[email protected]
ساحة النقاش