بقلم: د. سامى عبدالعزيز
الشيء المؤكد في اعتقادي أن التغيير في مصر لم يعد قضية خلافية ولم يعد موضع نقاش ولم يعد السؤال هو هل نغير الأوضاع التي نعيش فيها, خاصة أن الحزب الوطني
ومنذ أكثر من ثمانية أعوام وضع استراتيجية من الألف للياء حول أهمية التغيير والإصلاح وغيرها من المترادفات التي أصبحت هي القاموس اليومي في حياتنا؟.. إذن هذه سواء لدينا وفي العالم كله قضية قد فاتها القطار وحسمتها المستجدات الراهنة وإنما القضية في شكلها الجديد هي كيف نتغير وماهي الأساليب الفعالة لتحقيقه علي النحو الأكمل؟ والأهم هو كيف ندير هذا التغيير؟.. وان كان لابد من التأكيد في المقابل أن التغيير ليس هدفا في حد ذاته بقدر كونه وسيلة لتحقيق أهداف أفضل وغايات أسمي..
وقد تعددت مداخل وأساليب التغيير التي أشار اليها الدارسون والممارسون, وتأتي وسائل الإعلام والثقافة في قلب هذه المداخل وان اختلفت وجهات النظر لديهم حول كون وسائل الإعلام والثقافة أدوات تغيير حقيقي أم أدوات تثبيت للوضع الراهن..وهل يملك الإعلام عصا سحرية لتحريك الاوضاع وتغييرها أم يملك أدوات قمع لها وتثبيت لأركانها.. وكأي اختراع إنساني تستطيع وسائل الإعلام والثقافة أن تقوم بكلا الدورين المتناقضين في الوقت نفسه وهو مانشاهده بوضوح في مصر حاليا, حيث تميل بعض الوسائل الي تبني فكرة التغيير الجذري وتطلق صيحاتها نعم نحن نستطيع والأمل في التغيير وغيرها من الشعارات ويميل بعضها الآخر الي التمسك بما هو مألوف الي حد الجمود واللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش وحد عارف الزمن مخبي لينا إيه!!
وبعيدا عن المناقشات النظرية والجدلية يمكننا القول إن هناك عدة أدوار تستطيع وسائل الإعلام المصرية أن تقوم بها في إطار عمليات التغيير المنشودة والمخططة أولها من وجهة نظري هو ايجاد المناخ الصحي الداعم لعملية التغيير بعيدا عن إطلاق الخيال والمبالغة في توقع النتائج ومن ثم الوصول الي ثورة تطلعات غير طبيعية, وبعيدا عن التشاؤم وإلقاء وش بويه سودة علي أي محاولة حقيقية للتغيير, ومن ثم الوقوع في براثن اليأس والإحباط ومفيش فايدة نحتاج من وسائل الإعلام المصرية أن تكون واقعية في قيامها بتهيئة مناخ التغيير وليست واقعة وأن تهتم بالتوازن أكثر من اهتمامها بالميزانية.
ثاني هذه الادوار التي يجب أن تقوم بها وسائل الإعلام في إطار عملية التغيير هو القيام بدور الكشاف لقيادات التغيير بعيدا عن الأسماء الرسمية أو قائمة الشخصيات المتكررة التي تتحدث عن كل الموضوعات وتظهر في كل المواقف..علي وسائل الإعلام أن تبحث عن شخصيات قادرة علي إلقاء الأحجار الثقيلة في البحيرات الراكدة, وأن تقدمها الي الجمهور بشكل احترافي..ودعونا نستدعي المثال الشهير في هذا المجال فمن قبل ثلاث سنوات من كان يعرف باراك أوباما؟ إن باراك اوباما هو نتاج وسائل الإعلام الامريكية التي اكتشفته في البداية واستخدمها هو بعد ذلك لتحقيق حلمه في التغيير.
ثالث هذه الادوار, ولعله يكون دور البطولة في هذه المسرحية هو أن تقوم وسائل الإعلام بدور الوسيط الإيجابي ذلك الوسيط الذي ينقل أفكار التغيير وينشرها ويتأكد من وصولها واضحة ودقيقة الي كل فئات الجمهور المستهدفة.. وحتي تكون وسيطا إيجابيا يجب علي وسائل الإعلام الا تتحول الي صحف منشورات يقتصر دو,رها, كما تفعل كثير من الصحف حاليا علي نشر البيانات الرسمية, ومنشورات العلاقات العامة الحكومية وإنما يجب أن تعي ماتنشر وأن تحكم عقلها فيما تنقل.. بإمكان وسائل الإعلام أن تحيي أفكارا للتغيير وتستطيع كذلك أن تميت أفكارا أكثر أهمية لو أساءت نقلها للناس.
رابع هذه الادوار هو القيام بدور الحكم الرابع في مباراة التغيير من حيث مساعدة حكام المباراة خارج الملعب وتهيئة الأجواء الخارجية واحيانا المشاركة في المباراة في حالة حدوث ظرف طارئ لأحد الحكام وتستطيع وسائل الإعلام المصرية أن تقوم بدور مراقب المباراة لو أحسنت الحكم علي الأشياءبدون حسابات خارجية وبدون طغيان المصالح الذاتية لبعضها علي حساب المصلحة الكلية للوطن في اطار ادارة التغيير, يجب علي وسائل الإعلام أن تتبني سياسات الاحتواء والتجميع لا سياسات, الاستقواء والترويع, التي تمارسها حاليا.. فما أحوجنا الي تكاتف الجهود بدلا من تشتيتها والي تجميع القوي المخلصة بدلا من تفريقها.
إضافة الي ماسبق فقد يكون لوسائل الإعلام, خامسا دور مهم في تسخين الفريق الاحتياطي فإدارة التغيير تحتاج الي قيادات متوالية والي تغييرات في أوقات مختلفة حتي يتم تجديد الدماء وزيادة القوة الهجومية.. ومالم تقم وسائل الإعلام بإلقاء الضوء علي قيادات الصف الثاني, ناهيك عن اكتشافها وإبرازها يفقد فريق التغيير نصف قوته وقد لايستطيع مواصلة المباراة.
سادسا, فإن نزع مشاعر التعصب, والأفكار التقليدية من صدور الجماهير, خاصة جمهور مدرجات الدرجة الثالثة وهم هدف خطط التغيير تعتبر مهمة أساسية, فلا تزال كثير من وسائل الإعلام تروج للدجل والشعوذة ولاتزال كثير منها تفرد صفحاتها للمعبرين عن الأفكار التي تجاوزها الزمن ولم تعد صالحة للمرحلة الحالية, يجب علي وسائل الإعلام أن تنفي أفكار الناس من المفاهيم التقليدية ومن القيم المعوقة للتغيير.
تري كم يدرك إعلامنا بكل أنماطه حجم مسئولياته في المشاركة في ادارة التغيير؟ تري كم يدرك المبدعون في مجالات الثقافة والفنون دورهم في تقديم النجوم والنماذج القادرة علي التحريك والإسراع بعمليات التغيير؟ تري كم وسيلة اعلامية أجرت بحثا لا أقول بحوثا لكي تعرف كم وكيف تسهم في ادارة التغيير؟
وقديما قالوا اذا أردت أن تعيش سعيدا في العالم فلا تحاول تغيير كل العالم, بل أعمل التغيير في نفسك ومن ثم حاول تغيير العالم بأسره أو كما قال غاندي كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم
المزيد من مقالات د. سامى عبدالعزيز<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش