د. حسام بدراوى يكتب: نهضة التعليم- تحديات التطبيق (٦)

١٨/ ٧/ ٢٠١٠

 (التغلب على تحديات التطبيق)

من خلاصة ما سبق أن طرحناه فى هذه المجموعة من المقالات حول التحديات الرئيسية التى تواجه تطبيق رؤية تطوير التعليم فى مصر، حيث تناولنا التشخيص والأسباب، والتى بدأناها برصد لتسعة تحديات تأتى فى مقدمة ما يفرضه تطوير التعليم والواقع السكانى فرض علينا مواجهتها.

وهى باختصار: ١) ضعف ثقة المجتمع بمؤسسات التعليم الرسمية. ٢) ضعف الثقة فى الركن الأساسى للعملية التعليمية وهو المعلم. ٣) انخفاض درجة إتقان اللغات بما فيها اللغة العربية. ٤) انخفاض حجم الأنشطة الطلابية. ٥) تسارع الزيادة فى المعارف. ٦) الانتشار الجغرافى غير المسبوق للمدارس فى كل مصر. ٧) وجود أكثر من فترة يومية فى حوالى ٢٠% من المدارس. ٨) ضغط الامتحانات العامة بشكلها الراهن.، ٩) تراكم القوة المقاومة للتغيير والتطوير.

حيث تناولت بنوع من التفصيل بعض الأمثلة من التحديات التطبيقية التى تواجه الحكومة والمجتمع فى تطبيق سياسات تطوير التعليم، والتى تتقاطع مع التحديات السابق ذكرها، وأهمها، تحدى عدم ملاءمة الموازنات المخصصة للتعليم لاحتياجات التطوير الشامل، وتحدى تنمية مهنة التدريس ورفع كفاءة المعلمين والقوة البشرية فى التعليم، وتحدى اعتبار المدرسة وحدة التطوير الأساسية، وتحدى تطبيق اللامركزية فى إدارة المؤسسات التعليمية.

واقترحنا مجموعة من السياسات المتكاملة لكل من التعليم العالى والتعليم قبل الجامعى، عناوينها الرئيسية هى: أولا) زيادة تمويل الدولة وربطه بمعايير الأداء. ثانيا) إيجاد وتعزيز مصادر بديلة للتمويل التقليدى. ثالثا) تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار والمشاركة فى التمويل. رابعا) الاعتماد على البحث العلمى والأنشطة المجتمعية كمصادر تمويلية. خامسا) إصلاح هيكل وأنظمة الإدارة المالية فى مؤسسات التعليم. سادسا) تسويق المنتج التعليمى المصرى بالخارج. سابعا) حسن توجيه المساعدات الدولية فى التعليم. ثامنا) ترشيد الإنفاق فى مؤسسات التعليم. تاسعا) التوسع فى أنماط التعلم غير التقليدية.

وعليه فإننى أطرح فى هذه المقالة الختامية عدة أفكار فى صورة سياسات للتغلب على التحديات التى استفضنا فى الحديث عنها فى هذه المجموعة من المقالات، حيث إننى أرى عدة أولويات لتخطى تحدى تطبيق السياسات التى وضعناها، والاستراتيجية التى تترجم هذه السياسات إلى برامج عمل ممكنة التنفيذ:

أولا: توفر الإرادة السياسية، غير القابلة للتنازل عن تحقيق طفرة مستدامة فى مستوى التعليم فى مصر مهما كانت التكلفة ومشاركة المجتمع من خلال برنامج جاد يسوق لهذه السياسات ويشرك المجتمع فى تنفيذها وتقويمها.

ثانيا: أولوية تحديد الموازنة اللازمة لذلك، وتوفيرها، وهو الأمر الذى قد يستدعى من المجتمع، ممثلا فى قياداته الشعبية على المستوى المحلى، وعلى المستوى العام فى مجلسى الشعب والشورى مع الحكومة القيام باختيارات تترجم هذه الأولوية بوضوح. إن الاختيار هو إرادة إيجابية – تعنى التنازل عن أولويات أخرى لصالح أولوية يراها المجتمع حاكمة، ونتكلم عنها فى كل الأوقات. وهى أولوية التعليم وبناء الإنسان.

ثالثا: الإعلان، والتمسك أمام المجتمع بالمدى الزمنى الذى سيتم التطوير فيه، بل والتسويق له على جميع المستويات فى كل وسائل الإعلام.

رابعا: الأخذ بمبدأ تحقيق حجم حرج فعال من التطوير والنجاح فيه - لإعادة الثقة بين المجتمع ومؤسسة التعليم مرة أخرى. مما يستلزم الإعلان والتمسك بمؤشرات النجاح الواجب علينا الالتزام بتحقيقها وإشراك المجتمع من خلالها فى المحاسبة والتقويم للتجربة على المستوى اللامركزى، والعام. وكذلك تحديد هذا الحجم الحرج الفعال، آخذا فى الاعتبار الموارد التى يمكن تعبئتها لتمويل هذه العملية التى تعد واحدة من أهم محددات النجاح لها.

إن تحقيق النجاح كحجم حرج فى التطوير كخطوة أو خطوات فى رؤية التطوير المتكاملة يمكن أن يكون:

( أ ) فى إطار عدد محدد من المدارس فى كل المحافظات، أو عدد من المحافظات، أو فى اختيار مراحل تعليمية بعينها مثل التعليم الثانوى مثلا أو الأساسى فى أماكن أخرى، وإجراء تطوير رأسى شامل فيها.

(ب) أو مع اختيار نوعية معينه من التعليم مثل التعليم الصناعى مثلا.

(جـ) أو مع اختيار قضايا تعليمية محددة مثل بعض المناهج والمقررات الدراسية مثل الرياضيات والعلوم واللغات.

(د) اختيار جامعة أو أكثر تتوافر فيها البنية الأساسية للتطوير، وجعلها مركزا للتميز الواضح الذى يجعلها خلال عدد محدد من السنين ذات ثقل عالمى حسب المعايير العالمية.

إن تطبيق كل أطر التطوير، كما هو محدد فى استراتيجية تطوير التعليم فى عدد من المدارس (تطوير رأسى) مكوناً حجماً يراه المجتمع ويدركه، ويؤثر فى مسار التعليم هو الأهم والواجب التنفيذ إلا أن كل ذلك يجب أن تكمله رؤية شاملة تمكن من تفكيك وتركيب هذه البرامج والمشروعات الجزئية. وإعادة صياغتها فى شكل يخدم أهداف الاستراتيجية الشاملة - ويقود فى النهاية إلى تحقيق نتائج غير منقوصة، طويلة المدى والأثر حيث إن غياب الرؤية الشاملة القادرة على تركيب الجهود وإدخالها فى صورة متكاملة، يؤدى إلى آثار منقوصة، وإهدار للموارد التى كان يمكن الاستفادة منها بشكل أفضل. لذلك فإن القواعد الحاكمة للتطوير تؤكد:

أولا: البدء دائما بمديرى ونظار المدارس، الذين أثبتت التجربة العالمية أنهم محور أساسى فى تحقيق النجاح وتطبيق اللامركزية.

ثانيا: الالتزام بتطوير أو نقل مناهج العلوم والرياضيات والتكنولوجيا من نظم تعليم أخرى أثبتت نجاحها، فى كل المراحل التعليمية مع وضع اللغة العربية واللغة الإنجليزية ولغة أجنبية ثانية، فى قلب هذا التطوير، وهو الأمر الذى يجب أن يتلازم مع تطوير باقى المناهج، والذى قد يأخذ وقتاً أطول.

ثالثا: وضع برامج تدريب المعلمين والارتقاء بمستواهم، وتوفير التمويل اللازم لذلك فى قمة الأولويات، مع الاعتراف بالحاجة إلى تنمية مؤسسات للتدريب فى كل المجتمع، وإعداد شريحة واسعة من المدربين للقيام بهذا العمل، وهو الأمر الأكثر صعوبة والتحدى الإنسانى الأساسى فى عملية التطوير.

رابعا: الحماية التشريعية لكل أطر التطوير، خاصة فى حال تطبيق التطوير مرحلياً على مدارس دون غيرها، أو وضع نظم تقويم تربوى مختلف فيها عما هو متاح فى باقى المجتمع.

خامسا: تطبيق نظم الجودة والاعتماد، من خلال الهيئة التى أنشئت لهذا الغرض على هذه المدارس.

فى ختام هذه المجموعة المتصلة من المقالات المعنية بالتشخيص واقتراح العلاج لأهم التحديات التى تواجه رؤية تطوير التعليم فى مصر، أتمنى أن نتكاتف جميعا على مستوى الأفراد، والمؤسسات باختلافها وتباينها، من أجل المضى قدما فى تنفيذ ما اتفقنا عليه، ونحقق أهدافا حدث عليها توافق اجتماعى ملموس، فلا أحد إلا ويتفق ويؤمن بأن التعليم هو قاطرة التنمية، ويجب أن نترجم هذا الإيمان إلى أفعال ونتائج على أرض الواقع لنحقق سويا النهضة التى تستحقها بلادنا.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 18 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,824,362