هل يمكن أن تكون الجودة أسلوب حياة؟
بقلم: د‏.‏ حامد عبدالرحيم عيد ... أستاذ بعلوم القاهرة


علي مدي سنوات قليلة شاعت تعابير كثيرة في الاعلام والمنتديات وأقوال المهمومين بالتجويد في كل مناحي الحياة‏,‏ منها معايير الجودة‏,‏ الاعتماد‏,‏ الأيزو‏,‏ وغيرها من العبارات التي لم تكن مألوفة لدينا‏.

 

‏ وأشهد شهادة حق بدون تحيز‏,‏ ان انشاء الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد كان له دور عظيم في انتشار تلك التعابير والتي استطاعت برغم عمرها القصير الذي لا يتعدي السنوات الثلاث‏.‏ أن تهييء لثقافة جديدة بين جموع المشتغلين بالادارة‏,‏ وعلي وجه الخصوص في التعليم والتعلم علي مستوي الجامعات والتربية والتعليم‏.‏
بدأنا لأول مرة نستمع ونتعرف أن هناك مدارس تم اعتمادها وأنها تبنت معايير الجودة‏,‏ وإن هناك كليات جامعية استطاعت أن تتبني معايير ومستويات بعينها تؤهلها للاعتماد والاعتراف بها‏,‏ انها قد بدأت تطبق تلك المستويات والتي تؤهلها للاحتفاظ باستمرارية التطوير والنجاح‏,‏ لقد تم التأكد من أن الثقافة التي نشرتها الهيئة القومية قد أتت بثمارها في تدريب العديد من الكوادر سواء في التعليم الجامعي أو التعليم قبل الجامعي‏.‏ إذن بات الأمر اليوم تحديا للاجابة عن سؤال عنوان المقال‏:‏ هل يمكن أن تكون الجودة أسلوب حياة لنا كمواطنين وكشعب؟ يساعد وطنه في التهيئة ليتبوأ المكانة التي يستحقها وسط هؤلاء العمالقة‏,‏ ببساطة أعتقد أنه يمكن أن نبث تلك الروح الوثابة في شعب جميل ينجح عندما يقتنع بما يطلب منه‏,‏ ومن هنا أصحبكم في هذا المقال لنبين بأريحية شديدة كيف يمكن أن نحقق هذا الامر‏.‏
البداية أنه علي الرغم من تضارب الآراء حول تاريخ الجودة ونشأتها‏,‏ يتفق جميع المعنيين بها علي فائدتها علي المدي القصير والطويل في حياة المؤسسات الربحية وغير الربحية‏,‏ متي ما تم تطبيقها وفق رؤية مؤسسية واضحة‏,‏ وثقافة داعمة لهذه الرؤية‏,‏ وتطبيق لا يحيد جوهر تلك الرؤية الواضحة‏.‏ فمنذ عقود خلت‏,‏ ساهمت الحضارات الانسانية في تحسين جودة حياة المجتمع والأفراد علي حد سواء‏.‏ وقد كانت هذه الاسهامات عبارة عن عمليات مستميتة في التدقيق علي حسن أداء الأعمال التقليدية اليومية من زراعة ورعي وري بالاضافة إلي العناية بالأعمال المنزلية‏.‏ وقد قادت هذه الجهود إلي تطوير مستمر عبر العقود والأجيال تناقلته الحضارات حضارة تلو الأخري إلي هذا اليوم‏,‏ والأيام الآتية من عمر البشرية‏.‏ وعلي الرغم من عدم وجود مصطلح الجودة‏,‏ أو الجودة الشاملة سابقا فإن حياة الناس كانت مرتبطة بتحسين الأعمال وتقديمها بشكل أفضل‏.‏
‏..‏ وهنا أسوق مثلا مهما في تاريخ التعليم في مصر عندما شرع محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر أن يحدث مصر عسكريا‏,‏ فكان أمره بإرسال تلك البعثات المهمة في تاريخ مصر الحديثة والذي كان من نتيجتها تلك النهضة التي رفعت من قدر مصر العسكري والسياسي‏,‏ واستكمالا لهذا فإن الجامعة المصرية إبان نشأتها شرعت أيضا في استكمال بنائها العلمي والمؤسسي من خلال الاستعانة بالأساتذة الاجانب بالاضافة الي البعثات التي أرسلتها الي أوروبا ونتج عنها رجال استطاعوا أن ينهضوا بالجامعة المصرية أمثال علي مصطفي مشرفة‏,‏ ومحمد ولي الدين‏,‏ وأحمد زكي‏,‏ وطه حسين‏,‏ وأحمد مصطفي‏,‏ وعلي إبراهيم‏,‏ ورياض ترك وعطية عاشور وغيرهم من أساطين العلم والطب والرياضيات المصريين والذين عملوا باتقان وحيوية ونشاط لم يكن هدفهم في ذلك الوقت أن يحصلوا علي المقابل المادي ولكنهم عملوا بدافع وطني وغيرة علي بلدهم‏,‏ بالرغم من أنهم كانوا يعملون ومصر في ظل الاحتلال الانجليزي فإنهم برعوا وجعلوا التعليم في مصر متوافقا مع التعليم في دول أوروبا‏,‏ وعلي وجه الخصوص انجلترا التي كانت في ذلك الوقت تشهد نهضة علمية واعدة‏,‏ مما أتاح للشهادة المصرية البكالوريوس أن تعادل بشهادات جامعات عالمية مثل جامعة لندن وامبريال كوليج‏,‏ وذاعت علي مستوي العالم أسماء علماء مصريين برعوا في العلوم وكتبت أسماؤهم بحروف من نور في مراجع الغرب‏,‏ كل هؤلاء لم يكن هناك أمامهم معايير للجودة أو مؤشرات يعملون من خلالها ولكنهم عملوا بوازع من ضمائرهم وحبهم لوطنهم‏,‏ هذه كانت تجربة محترمة لا أعرف حتي الآن ـ الكثير من المؤرخين بذلوا الجهد ـ لماذا اندثرت تلك التجربة‏,‏ وماذا حدث لها‏,‏ وفي رأيي أن هناك أسبابا قد تكون سياسية‏,‏ أو لظروف الحروب التي خاضتها مصر وبالتالي تحول الاهتمام عن رعاية العلم والعلماء وبالرغم من التشجيع الظاهر للعلم والعلماء من خلال إقامة عيد للعلم والجوائز التي كانت تمنح للعلماء‏,‏ ومثل كل شيء حدث كانت المظاهر هي السمة الواضحة‏,‏ بالرغم من أننا أنشأنا هيئة للطاقة الذرية‏,‏ والمركز القومي للبحوث في وقت مبكر عن دول أخري سبقتنا‏,‏ كما زاد عدد الجامعات في مصر ولكن للأسف الشديد لم تتح الفرصة للاستمرار والتقدم في العلم‏,‏ وبالرغم من أننا بدأنا نهضتنا العلمية مع دول سبقتنا اليوم وتذيلناها علميا‏...‏ انني لا أريد أن أبكي علي ما فاتنا ولا علي اللبن المسكوب‏,‏ ولكن كيف نخرج اليوم من تلك العثرة‏,‏ وكيف نجعل للجودة مكانا في حياتنا لكل الشعب كل في مكانه وعمله‏,‏ في الشارع والمنتدي‏,‏ في المدرسة والجامعة‏,‏ في المصنع والمزرعة‏,‏ في الوزارة والبرلمان‏,‏ كيف يمكن أن تطبق معايير الجودة في أعمالنا وتصبح الجودة أسلوب حياة‏.‏
يبقي علي هامش ضمان الجودة وتطبيقها وبالذات في التعليم العالي‏,‏ أن ينبع من قراءة المؤسسات العلمية ذاتها لحالة واقعها من خلال الدراسة الذاتية وتقييم الأداء‏,‏ الأمر الذي يتطلب إعمال ثقافة مراجعة الذات ونقدها بموضوعية وشفافية من خلال مستوي العطاء العلمي‏,‏ بدءا من عدم الاستسلام لنمطية المناهج‏,‏ أو الانسياق وراء جمود الفكر‏,‏ أو حتي تغييب الأساتذة أو إهمال مشاركات الطالب في المؤتمرات العلمية للاقسام أو تجاهل تفعيل الساعات المكتبية الي غيرها من صور التهاون التي لا يمكن رصدها إلا من خلال حالة وخز الضمائر وتعظيم دور الرقابة الذاتية قبل أي اعتبار آخر‏.‏
خلاصة القول إن مصرنا العزيزة يمكن أن تكسب اجتماعيا واقتصاديا وعلميا اذا ما جعل شعبها وقادتها الجودة أسلوبا للحياة‏.‏
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 15 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,825,320