التعامل مع الأزمات الاستراتيجية (٢)

  بقلم   د.جهاد عودة    ٣٠/ ٦/ ٢٠١٠

حددنا الأزمة الاستراتيجية بأنها المحدثة اختلالا فى توازن القوى القائم للنظام، أو أى من نظمه الفرعية، بصورة أساسية وبدرجة تفوق الدرجات الاعتيادية مع زيادة احتمال تصعيد الموقف إلى درجة العنف داخله.

 فى إطار هذا ليست هناك حدود للعنف، من حيث المبدأ، ولكن تنمو الحدود مع انتشار العنف داخل نظام التفاعل، وهذا الانتشار للعنف يظهر كنتيجة رئيسية لزيادة الخلل فى توازن القوى داخل النظام أو أنظمته الفرعية. الأزمة الاستراتيجية فى الأساس مسألة نظرية ومفهومية لها مؤشرات إدراكية وسلاسل من الوقائع الزمنية، بعكس أزمة السياسات التى هى فى الأساس أزمة فى الإدراك واتساق بين الوقائع، التى على أساسها تبنى مفاهيم للأزمة وأطر نظرية لها.

 فمثلا أزمة مصر فى حوض نهر النيل أو مع التعامل مع حماس أو غيرها دون استيعابها كأزمة استراتيجية، سنظل نفعل سلوكيات ونبنى استراتيجيات تنتهى بنا إلى كارثة الأزمة الاستراتيجية لها أدوار ثلاثة:

 أولها: يظهر فى اختلال سرعة التطور بين النظم الفرعية أو الاختلال فى المؤشرات الرئيسية للتوازن فى نظام العلاقات والقوى القائم،

ثانيها: التغيرات المفاجئة فى حدود النظم الفرعية أو ظهور مظاهر رئيسية غير قابلة للتفسير فى سياق أنماط التوقعات المعتادة للتوازن وعلاقاته،

 ثالثها: تحلل بعض المظاهر الرئيسية للعمليات الرئيسية للنظام العام للتوازن. وربما الكثير من صانعى السياسات لا يدركون مفهوم الطور فى التخطيط العام، فيركنون إلى مفهوم العمليات والأبعاد والجوانب كمداخل للفهم.

 فالأزمة الاستراتيجية لا تحل لا فى سياق إرجاع أطوارها العليا لتعبر عن أطوار دنيا.

 وهذا لا يتأتى بمجرد بناء مواقف تحمل أو تنم عن إغراء أو تهديد بسلوك أو بفعل، ولكن لابد من معرفة المنهجيات الرئيسية للتعامل مع الأزمات الاستراتيجية، وهناك ثلاث منهجيات رئيسية: النهج الأول يقوم على التوسع فى جانب الهيئات الاستراتيجية فى الدولة والمجتمع فى فرض وخلق قيود هيكلية وحركية على التفاعل بين البيئات المختلفة - البيئة الداخلية والبيئة الخارجية وبيئة العولمية المحلية – للأزمة، فيودى تضييق مساحات الحركة واحتمالاتها إلى عسر وإيقاف لنمو الأزمة،

ومن التضييق يتم دفع الأزمة إلى الانكماش من طور إلى آخر أقل، النهج الثانى يعتمد على بناء فرص هيكلية وسلوكية يكون من شأنها تعظيم فرصة النظام العام للتفاعل داخل الأزمة - البيئات الثلاث المشار إليها- فى خلق بدائل وتعظيم قدرات كامنة أو بناء قدرات جديدة. دعنى أشرح: المنطق العام فى هذا النهج أن الأزمة يتم حلها أو السيطرة عليها من خلال تغيير الهيكل والعمليات المشكلة لمحددات الأزمة، فتكون الأزمة فرصة للنمو.

 نحن نعلم أنه عند وجود أزمة استراتيجية، أى أزمة على سبيل المثال مرتبطة بهيكل موارد، سواء خاص أو مشترك، يمكن العمل على جعلها فرصة للخروج من الأزمة بشكل كلى وذلك من خلال تغيير المحددات الأساسية المشكلة للبيئات الثلاث. فيتم ترك الأزمة فى الخلف، لأنه يتم خلق وضع جديد.

وهذا بالضبط ما صنعته الدول الأفريقية المنضمة للهيكل الإطارى لحوض وادى النيل، حيث قامت بتغيير محددات وحدود هيكل التفاعل، من خلال خلق هيكل جديد ففتح لها فرصة أكبر للتفاعل والتفاوض مع مصر.

 على أى حال يمكن القول إن هذه العقلية لتكون قادرة على تبديد مظاهر الأزمة الاستراتيجية لها أن تعمل على خلق الثلاثة مؤشرات الحاسمة التالية: أولا: القدرة على الاختراق، ثانيا: القدرة على الردع، ثالثا: القدرة على بناء مستويات من التوافق العملى. النهج الأول قائم على فرض قيود، والثانى قائم على بناء فرص والثالث التحفيز بالمخاطر. وأعتقد أنه لمصر بالنسبة لأزمة حوض النيل ربما النهج الثانى يكون أكثر فاعلية، بينما بالنسبة لحماس يكون النهج الثالث، ويستمر التحليل.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 30 يونيو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,824,494