قراءة جديدة لأشهر رسالة دكتوراه عن «بنى إسرائيل» (الحلقة الأولى) شيخ الأزهر الراحل يرصد جذور القتل والعدوان فى التاريخ اليهودى

  كتب   أحمد رجب    ١٠/ ٦/ ٢٠١٠
 
طنطاوى

للوهلة الأولى، بدا كما لو أن العالم مصدوم من الجريمة الإسرائيلية الأخيرة، التى ارتكبتها بحق أسطول الحرية، ومبعث الصدمة هنا أن الغرب نفسه هو الذى ظل طوال ما يزيد على ٦٠ سنة يروج لديمقراطية الدولة اليهودية، ويدفع ثمن صورتها كدولة مظلومة مضطهدة من جانب جيرانها العرب. تلك الصورة المغلوطة، فندها الدكتور سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الإمام الأكبر الراحل، إذ خصص رسالته للدكتوراة، فى عام ١٩٦٩، لكشف ما يمكن تسميته جذور العنف فى التاريخ اليهودى، منذ دخولهم مصر، وخروجهم منها وتأسيس دولتهم، بعد أن أبادوا شعوباً بكاملها فى سبيل ذلك.

«المصرى اليوم» تعيد قراءة تلك الرسالة البحثية شديدة الأهمية، بعد أن فرضت الظروف الأخيرة، ضرورة البحث والتقصى عن ثقافة العدوان فى التاريخ اليهودى.

وتنقسم الدراسة إلى سبعة فصول، الأول عن تاريخ بنى إسرائيل وأحوالهم منذ هجرتهم إلى مصر، ثم ينتقل فى فصله الثانى إلى منهاج القرآن فى دعوة أهل الكتاب، وفى الثالث يصف «الإمام الراحل» مسالك اليهود لكيد المسلمين ووسائلهم «الخبيثة» التى اتبعوها فى ذلك.

وفى الفصل الرابع يبحث «طنطاوى» فيما حدث فى الغزوات بين المسلمين واليهود، ثم ينتقل ليبحث، فى فصله الخامس، نعم الله على بنى إسرائيل، قبل أن يبحث رذائل اليهود فى الفصل السادس للدراسة، والتى يختتمها بتفنيد «دعاواهم الباطلة» كما حكاها القرآن عنهم .

«المصرى اليوم» تقدم قراءة جديدة فى علم الراحل، احتفاء به من ناحية، ولضرورة كتبها هو نفسه فى مقدمة دراسته، حينما قال «كان مقصدى الأول أن أكشف للشباب المسلم بصفة خاصة وللعقلاء والمنصفين بصفة عامة عن أحوال بنى إسرائيل وتاريخهم وأخلاقهم وأكاذيبهم وقبائحهم معتمدا فى بيان ذلك على ما جاء فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية المطهرة وفى التاريخ الصحيح.

يبدأ الإمام الراحل دراسته بدراسة تاريخ بنى إسرائيل وأحوالهم فى جزيرة العرب، بنظرة مجملة فى تاريخهم منذ نزوحهم إلى مصر بقيادة يعقوب، عليه السلام، إلى خراب «أورشليم» الثانى على يد «تيطس» الرومانى، وهجرتهم إلى جزيرة العرب، وبيان أحوالهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية.

يستهل «طنطاوى» الدراسة ببحث فى أشهر أسماء بنى إسرائيل، وهى أسماء «العبريون»، و«إسرائيل»، و«اليهود»، فيعود باسم «عبريون» إلى لقب «إبراهيم العبرانى» الذى منحه «سفر التكوين» للنبى إبراهيم، عليه السلام، بعد عبوره نهر الفرات، مستندا إلى رأى الأب «إسحاق ساكا» الذى نشره فى دراسته «معنى التسميات للشعوب السامية الثلاثة الكبرى» ويقول فيه «رجح العلماء الثقات، ومنهم السريانيان ابن الصليبى وابن العبرى، أن التسمية ناتجة عن عبور إبراهيم، عليه السلام، نهر الفرات وأيد ابن العبرى قوله بالترجمة اليونانية لكلمة «عبرى»، «أكوبلا»، والتى تعنى «المجتاز» أو «العابر»، وما يؤكد الرأى ما جاء فى سفر يشوع «هكذا قال الرب إله إسرائيل فى عبر النهر سكن آباؤكم منذ الدهر، تارح أبو إبراهيم وأبوناحور، وعبدوا آلهة أخرى، فأخذت أباكم إبراهيم عبر النهر، وسيرته فى جميع أرض كنعان». وهو الرأى الذى فضله طنطاوى على الآراء الأخرى التى تقول إنهم سموا العبريين نسبة إلى «عبِر» وهو الجد الخامس لإبراهيم عليه السلام، أو لأنهم كانوا أهل بدو وترحال وكثيرا ما رحلوا من مكان لآخر.

ويعود الإمام بكلمة يهود إلى الأصل «هادا» ويقول: قيل إنهم سموا بذلك الاسم حين تابوا عن عبادة العجل، وقالوا «إنا هدنا إليك»، أى تبنا ورجعنا، أما كلمة «بنى إسرائيل» فتعود بها الدراسة إلى أبيهم إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام.

وبعد بيان أصل الأسماء، تبحث الدراسة فى قسمها الثانى «تاريخ بنى إسرائيل» فتقسمه إلى ٥ أجزاء، الأول يبدأ بهجرة يعقوب عليه السلام، بأهله، من فلسطين إلى مصر حوالى القرن التاسع عشر قبل الميلاد «على إثر ما حاق بفلسطين من مجاعة وما أصاب مراعيها من جدب وقحط وجفاف، وعندها كان أبناء يعقوب يترددون على مصر للتجارة وطلب القوت، فتعرفوا إلى أخيهم يوسف، عليه السلام، الذى كان فى ذلك الوقت أمينا على خزائن مصر، فأكرمهم وطلب أن يحضروا جميعا، ومعهم أبوهم يعقوب، إلى أرض مصر، ليعيشوا فيها ويهجروا فلسطين.. واستجاب يعقوب لطلب يوسف، عليه السلام، فحضروا إلى مصر وكان عددهم ٦٦ نفسا سوى نسوة أولاده، حسب سفر التكوين الإصحاح السادس والأربعين، وقد أكرم يوسف، عليه السلام، مثوى أبيه وإخوته، ورقق عليهم قلب ملك مصر فى ذلك الوقت، وطلب بنو إسرائيل من ملك مصر أن يسكنهم فى أرض جاسان - يقال إن مكانها الآن صفط الحنة بمحافظة الشرقية - فاستجاب لهم وقال ليوسف كما جاء فى سفر التكوين «أبوك وإخوتك جاءوا إليك أرض مصر، ففى أفضل أرضها أسكن أباك وأخوتك ليكونوا فى أرض جاسان».

ولكن من الذى كان يحكم مصر عندما وصل يعقوب إليها وبنوه؟ تتساءل الدراسة، قبل أن تجيب «يقول المؤرخون أن الذى كان يحكم مصر عندما هاجر إليها يعقوب وذريته، هم الهكسوس، وقد نعم بنو إسرائيل بحياة آمنة رخية طوال حكم الهكسوس الغرباء عن أرض مصر، فلما تمكن أحمس من الانتصار، وطردهم من مصر، وأسس الأسرة الثامنة عشرة، بدأت المخاوف تراود بنى إسرائيل من نظام الحكم الجديد، ولما قامت الأسرة التاسعة عشرة التى من ملوكها رمسيس الثانى، جاهر المصريون بعداوتهم لبنى إسرائيل، وهو ما يقول فيه محمد عزة، صاحب كتاب «تاريخ بنى إسرائيل من أسفارهم»: الراجح أن حالة إسرائيل تبدلت بعد تقويض حكم الهكسوس، ويستدل من أوراق البردى المذكورة، أن تسخيرهم بلغ الذروة فى عهد رمسيس الثانى.

ويصف الدكتور أحمد بدوى علاقة المصريين ببنى إسرائيل فى تلك الفترة فيقول: «من الثابت فى تاريخ مصر بناء على ما جاء فى كتب السماء من ناحية، وما شهدت به آثار الفراعنة من ناحية أخرى، أن العبرانيين، عرفوا مصر منذ أيام الدولة الوسطى على الأقل، يجيئونها أول الأمر لاجئين، يطلبون الرزق فى أرضها، ويلتمسون فيها وسائل العيش الناعم والحياة السهلة الرضية بين أهلها الكرام.

ثم يجيئونها أسارى فى ركاب فرعون كلما عاد من حروبه فى أقاليم الشرق ظافرا منصورا، فينزلهم من حول دور العبادة، يخدمون فى أعمال البناء، ويعبدون أربابهم أحرارا، لم يكرههم أحد على قبول مذهب أو اعتناق دين، وتطيب لهم الإقامة فى مصر، وتستقيم لهم فيها أمور الحياة ثم تنزل بالمصريين بعض الشدائد وتحل بديارهم بعض المحن والنوائب، فيتنكر لهم بنو إسرائيل ويتربصون بهم الدوائر، ويعملون على إفقارهم، وإضعاف الروح المعنوية بين طبقات الشعب، ابتغاء السيطرة على وسائل العيش فى هذا القطر، ليفرضوا عليه سلطانهم، تارة عن طريق الضغط الاقتصادى، وأخرى عن طريق الدين والعقيدة».

وخلال تلك البلايا والمصائب التى كانت تنزل ببنى إسرائيل من فرعون وجنده، أراد الله أن يمن عليهم وأن ينقذهم مما هم فيه من بلاء، فأرسل لإنقاذهم وهدايتهم رسوله، موسى عليه السلام. وحكى لنا القرآن الكريم فى آيات كثيرة أن موسى، عليه السلام، طلب من فرعون أن يقلع عن إيذاء بنى إسرائيل، وأن يترك الكفر والغرور ويعبد الله وحده لا شريك له، ثم حكى القرآن الكريم بعد ذلك أن أشراف قوم فرعون طلبوا منه أن يزيد فى إيذاء بنى إسرائيل، وأن يحملهم على عبادة آلهته.

وتنقل الدراسة عن بعض المؤرخين أن بنى إسرائيل خرجوا من مصر بقيادة موسى، عليه السلام، فى عهد منفتاح بن رمسيس الثانى، بعد أن طالبه موسى، عليه السلام، أكثر من مرة بأن يرسل معه بنى إسرائيل، ليخرجوا إلى أرض الشام، وفى سفر الإصحاح الأول «أن موسى أحصى بنى إسرائيل عند الخروج من مصر فوجد حملة السلاح منهم، أى: الذكور ابتداء من سن العشرين، يبلغون حوالى ٦٠٠ ألف نسمة «ومعنى هذا أن تعدادهم العام يزيد على المليون.

ويعلق محمد عزة فى كتاب «تاريخ بنى إسرائيل» على قصة استلاب بنى إسرائيل حلى المصريين عند خروجهم من مصر، ويلفت النظر خاصة إلى ما جاء فى التوراة من سلب رجال ونساء بنى إسرائيل أمتعة جيرانهم الذهبية والفضية بحيلة الاستعارة ونسبة ذلك إلى الله تعالى ومهما كان فإن تسجيل هذا الخبر بهذا الأسلوب، يدل على ما كان وظل يتحكم فى نفوس بنى إسرائيل من فكرة استحلال أموال الغير وسلبها بأى وسيلة، ولو لم تكن حالة حرب أو دفاع عن النفس. كما أنه كان ذا أثر شديد فى رسوخ هذا الخلق العجيب فى ذراريهم ثم من دخل فى دينهم من غير جنسهم». وتتابع الدراسة قصة خروج بنى إسرائيل المعروفة وعبورهم البحر ومطاردة فرعون لهم حتى غرقه.

ينتقل «الإمام الراحل» إلى دراسة المرحلة الثانية من قصة بنى إسرائيل ويبحث فيها الفترة من وقت خروجهم من مصر إلى تأسيس مملكتهم، فيروى قصة خروجهم وخلافاتهم ومماطلتهم موسى، عليه السلام، التى ذكرها القرآن الكريم، ثم عبادتهم العجل عندما رحل ليلقى وعد ربه، وأخيرا محاولته إقناعهم بمحاربة الكنعانيين، وهروبهم بقوله «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون» وجزاء الله لهم نتيجة جبنهم وعصيانهم بالتيه ٤٠ عاما، وهى الفترة التى توفى فيها موسى وهارون، وتولى بعدهما «يوشع بن نون» رئاسة بنى إسرائيل، وتحكى التوراة أن «يوشع عبر ببنى إسرائيل نهر الأردن إلى الأرض المقدسة وأن أول مدينة استطاع «يوشع» ومن معه أن يدخلوها هى أريحا، ثم زحف على مدينة «العى» - بين نابلس والقدس الشرقية - وبعد أن دخلوا هاتين المدينتين قتلوا معظم سكانهما ثم صلبوا ملك «العى» على باب المدينة،

وتحكى التوراة بعد ذلك قصة انتصار «يوشع» ومن معه من بنى إسرائيل على الكنعانيين، الذين كانوا يسكنون فلسطين وقتها، وكيف كانوا يقتلون رجال ونساء وأطفال المدينة التى تقع فى أيديهم بأمر الرب كما ينص الإصحاح العاشر من سفر التكوين «أن يوشع ضرب جميع أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وجميع ملوكها وأسبل (أهلك) كل نسمة كما أمر الرب، ولم يبق باقية منهم فضربهم من قادش إلى غزة وانتصر عليهم لأن الرب كان يحارب مع إسرائيل»، ويصف كتاب «قصة الحضارة» ما فعله بنو إسرائيل بالكنعانيين فيقول: كانت هزيمة العبرانيين للكنعانيين مثلا واضحا لانقضاض جموع جياع على جماعة مستقرين آمنين، وقد قتل العبرانيين من الكنعانيين أكثر من استطاعوا قتلهم منهم».

وبعد النصر قسم يوشع الأرض التى استولى عليها بين الأسباط واحتوت الإصحاحات من الثالث إلى التاسع عشر من سفر يوشع أسماء وحدود الأراضى التى كانت من نصيب كل سبط. ويصف على عبد الواحد وافى فى كتابه «الأسفار المقدسة» كيف دخل بنو إسرائيل فلسطين بقيادة يوشع وكيف عاشوا فيها، قائلاً: «حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، أغار بنو إسرائيل بقيادة «يوشع» على بلاد كنعان، وما إليها، وهى الأرض المقدسة التى وعدهم الله بها، واحتلوها واستولوا على ما فيها من خيرات وثروات، بعد أن أبادوا معظم أهلها، فانتهت لديهم بذلك حياة الخشونة والبداوة والتنقل، وافتتحوا عهد الدعة والحضارة والاستقرار حيث أعقب موت يوشع عهد عرف بعهد «القضاة» لأن الزعماء والقواد الذين تزعموا، أو قادوا بنى إسرائيل بعد ذلك سموا القضاة،

وعهدهم امتد إلى أن قامت مملكة بنى إسرائيل على يد طالوت المعروف فى التوراة باسم «شاول»، وسطر «سفر القضاة» سيرتهم وأحوالهم، يستخلص منه «الإمام طنطاوى» أن عهد القضاة «أسوأ عهود بنى إسرائيل ففيه انتشرت شتى الرذائل والمنكرات، إذ عبدوا الأصنام وقتلوا المصلحين وفشا فيهم الزنى، وترتب على ذلك أن تعرضوا خلال عهد حكم القضاة لنكبات وغارات عليهم من غيرهم من دول الجوار.. وكان آخر قضاة بنى إسرائيل فى هذه الفترة هو صموئيل الذى كثرت فى عهده الفوضى والمفاسد، فقام بنو إسرائيل بثورة ضده وضد أبنائه، انتهت بزوال عهد القضاة وحلول عهد الملوك.

تنتقل الدراسة إلى المرحلة الثالثة من رحلة بنى إسرائيل، وهى المرحلة التى تبدأ بتأسيس المملكة وحتى أنقسامها، وتبدأ بطالوت وداود وسليمان عليهم السلام، وهى السيرة التى يذكر «طنطاوى» أنها مذكورة فى سفر الملوك، وفيها أن أول ملوك المملكة اليهودية كان «طالوت» الذى حكم بنى إسرائيل بشجاعة، وقادهم إلى كثير من المعارك التى دارت بينهم والأمم الأخرى، فقد زحف بهم على الهمونيين الذين كانوا يسكنون فى شرق الأردن وانتصر عليهم، ومن أشهر المعارك التى دارت بين بنى إسرائيل بقيادته وبين الفلسطينيين بقيادة جليات «الذى يسميه القرآن جالوت»، وهى المعركة التى اشترك فيها داوود عليه السلام، وتولى بنفسه قتل جالوت.

تذكر الدراسة أن داوود، عليه السلام، بعد أن قتل جالوت ملأ أعين الناس وأذهانهم وقلوبهم، وأخذوا يتقربون منه، وأن طالوت زوجه ابنته وجعله قائدا لرجال الحرب، حتى تولى ملك بنى إسرائيل بعد موت طالوت ودام ملكاً عليها حوالى ٤٠ عاما، وفى عهد داوود قامت حروب كثيرة مع اليبوسيين الذين كانوا يسكنون مدينة القدس، وطردهم منها داوود وجعلها عاصمة لملكه.وتولى سليمان عليه السلام الملك بعده ودام زهاء ٤٠ عاما وكان عهده يمتاز بالرخاء والاستقرار.

رغم أن بعض أسفار التوراة، تلصق بسليمان، عليه السلام، كثيرا من الأعمال التى ننزهه عنها، حسب «طنطاوى»، مثل «أن سليمان افتتح حكمه بقتل أخيه بحجة طلبه الزواج من سرية أبيه، ثم قتل رئيس جيش أبيه، وعزل الكاهن الأكبر لتحزبهما». وبعد موت سليمان فى ٥٨٦ قبل الميلاد يأتى الدور على «رحبعام» ابن سليمان والذى امتنع عن مبايعته ١٠ أسباط، واختاروا آخر، وهكذا انقسمت مملكة بنى إسرائيل إلى قسمين: مملكة يهوذا بالجنوب وعاصمتها أورشليم والتى انتهت على يد بختنصر البابلى، ومملكة الشمال وعاصمتها «شكيم» والتى انتهت على يد سرجون ملك آشور.

وبشكل دقيق يناقش «طنطاوى» العلاقة بين البلدين الوليدين، فيقول ساءت العلاقة بين الدولتين منذ انقسامهما ويذكر سفر الملوك «أن الحروب كانت مستمرة بينهما، وقد وصلت القطيعة بين الدولتين إلى حد أن يربعام ملك دولة إسرائيل صنع عجلين من ذهب وقال لشعبه، هذه آلهتكم التى أصعدتكم من مصر فاذبحوها، وأقيموا أعيادكم عندها ولا تصعدوا أورشليم».

واستمرت الحروب والمنازعات بين المملكتين حتى وصل الحال إلى أن كل واحدة تستعين بدولة أو بدول أخرى. ويرجع «الكتاب» هجرة اليهود إلى جزيرة العرب بعد غزو الرومان لها: أما ما ورد فى روايات أهل الأخبار عن هجرة اليهود إلى أطراف يثرب وأعالى الحجاز على إثر دخول الروم بلاد الشام وفتكهما بالعبرانيين وتنكيلهم ما اضطر بعضهم إلى الفرار إلى تلك الأنحاء البعيدة عن مجالات الروم، ويستند إلى أساس تاريخى صحيح، فلا يستبعد أن يكون يهود الحجاز من نسل أولئك المهاجرين، ومن هؤلاء مهاجرو بنى قريظة، وبنى النضير، وبنى بهدلو وهم الذين ساروا إلى الجنوب،

فلما بلغوا موضع الغابة وجدوه رديئا فكرهوا الإقامة فيه «وهو ما يؤكد أن معظم يهود جزيرة العرب حلوا فيها بعد أن دمر تيطس الرومانى أورشليم ويرى بعض الكاتبين أن يهود الحجاز من قبائل عربية تهودت وليسوا من بنى إسرائيل وهو ما يرد عليه «طنطاوى» قائلا: القرآن الكريم وجه خطاباً إلى اليهود فى كثير من آياته بعبارة يابنى إسرائيل وذكرهم فى عبارات عدة وهو ما يجلعنا نجزم بأن اليهود الذى كانوا يسكنون المدينة وضواحيها هم بنو إسرائيل.

وفى فلسطين كان الأمر مختلفاً، حيث خلت تقريبا من اليهود بعد سقوط أورشليم «٥٨٦» قبل الميلاد، فى يد «بختنصر» وعاشوا أسارى فى بابل زهاء ٥٠ سنة، قلدوا فيها عادات البابليين وأخذوا عنهم الكثير من شعائرهم وآدابهم واشتركوا فى وظائف وأعمال الدولة تحت رقابة البابليين. وخلال تلك الفترة،

كما تروى الدراسة، نقلا عن الأسفار، ظهر فى بنى إسرائيل بعض الأنبياء وكثير من الوعاظ والمرشدين، وفى سنة ٥٣٨ قبل الميلاد، استولى قورش، ملك الفرس، على بلاد بابل، فعامل اليهود معاملة حسنة، وأصدر نداء سمح فيه لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، وأن يعيدوا بناء هيكلهم، وساعدهم على ذلك بالأموال والرجال، ولكن أكثر اليهود كانوا قد ألفوا الحياة فى بابل وامتدت بها أعراقهم وذاقوا خصب العيش والأرض والتجارة المربحة، ومن ثم ترددوا كثيرا فى العودة إلى أورشليم ومعظم الذين عادوا، كانوا من سبطى: يهوذا وبنيامين.

غدا

فى الحلقة الثانية «مكائد اليهود للمسلمين فى الجزيرة العربية»

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 63/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 429 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,494